إبراهيم سمعان

 

سلط موقع “بي بي سي” الضوء على تحقيق استقصائي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية، رصد لجوء كل من قطر والسعودية والإمارات إلى استخدام ترسانة الأسلحة الإعلامية في الشرق الأوسط، خلال النزاع الدائر بينهما منذ 12 شهر.

وإلى نص التقرير

 

بعد مضي عام كامل على الصراع السياسي بين دولة قطر الصغيرة في الحجم والغنية بالنفط من جهة، وجيرانها الأكبر، بما فيهم السعودية والإمارات من جهة أخرى؛ استخدم الطرفان المتصارعان خلالها ترسانة جديدة من الأسلحة وهي البرامج الروبوتية، والأخبار المفبركة، والقرصنة.

ففي الساعات الأولى من (24 مايو 2017)، ظهرت مجموعة أخبار على موقع وكالة الأنباء القطرية “قنا”، ذكرت أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قد ألقى خطابًا غريبًا.

ثم ظهرت هذه الاقتباسات على حسابات صفحات التواصل الاجتماعي لوكالة الأنباء القطرية، وعلى شريط الأخبار.. وامتدح فيها الأمير السعودي “الجماعات الإسلامية” وحركة “حماس” الفلسطينية، و”حزب الله”، و”الإخوان المسلمين”، وربما كانت الإشادة الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق هي “إيران” خصم المملكة اللدود.

ولكن تلك الأخبار اختفت على الفور من موقع الوكالة القطرية، وأصدرت وزارة الخارجية القطرية بيانًا ينفي حدوث الخطاب، مؤكدة أن الأمير لم يظهر في أية لقطات فيديو ليقول الحديث المنسوب إليه، وزعمت قطر أن الوكالة تعرضت للاختراق .

وقالت الدوحة إن عملية القرصنة تم تصميمها لنشر أخبار مفبركة بشكل متعمد عن زعيم البلاد وسياساته الخارجية، وألقى القطريون باللائمة على الإمارات على جهة التحديد، وعلى نفس المنوال كررت تلك الاتهامات في وقت لاحق تقريرًا لصحيفة “واشنطن بوست” نقل معلوماته عن مصادر استخباراتية أمريكية، من جانبها نفت الإمارات بشكل قاطع صحة هذه التقارير .

لكن الأخبار التي تم نقلها على لسان أمير قطر أطلقت العنان لوسائل الإعلام في التباري فيما بينها، ففي غضون دقائق، التقطت شبكتا تليفزيون العربية وسكاي نيوز – المملوكتين للسعودية والإمارات – التعليقات المنسوبة إلى أمير قطر، واتهمتا قطر بتمويل الجماعات المتطرفة وزعزعة استقرار المنطقة .

وبعد فترة وجيزة، كان هناك عملية قرصنة أخرى، ولكن في الاتجاه المعاكس، حيث استهدفت الإمارات وتمثلت في اختراق البريد الإلكتروني الخاص بيوسف العتيبة، سفير الإمارات بواشنطن، وتم تسريب ما في البريد الإلكتروني من رسائل إلى الصحافة .

وأسفر ذلك عن كتابة مواد صحيفة مطولة ومثيرة عن حياة “العتيبة” الشخصية في وسائل الإعلام الدولية .

التداعيات

فى 5 يونيو 2017، قامت السعودية والإمارات والبحرين ومصر وحلفاؤهم (9حكومات) بقطع العلاقات مع قطر، وطردوا المواطنين القطريين من أراضيهم، وأوقفوا العلاقات الدبلوماسية، وأغلقوا الحدود البرية الوحيدة في قطر وأغلقوا المجال وأوقفوا حركة التجارة .

وأصدر التحالف العربي الرباعي لمكافحة الإرهاب الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان 13 طلبًا من قطر، مشترطًا عليها تطبيقها خلال عشرة أيام، بغية فك الحصار عنها.

وشملت المطالب إغلاق قناة “الجزيرة”، التي تتخذ الدوحة مقرًّا لها، والقاعدة التركية في قطر، وخفض العلاقات الدبلوماسية مع إيران، من بين المطالب التي أرسلت لها.

ورحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان عائدًا لتوه من زيارة خارجية شملت السعودية، رحب بالخطوة خلال سلسلة من التغريدات في اليوم التالي، وقال إن ذلك دليل على أن سياسته لمكافحة الإرهاب تعمل على أرض الواقع .

تعليقات “ترامب” كانت وقودًا لمعركة دعاية، بدأت بالفعل على منصة “تويتر” عندما غمرتها مع أو ضد قطر .

معركة البرامج الروبوتية

على الجانب القطري، ظهرت هاشتاجات “تميم المجد”، و”قطر ليست وحدها”، على الصفحة الرئيسة لموقع “تويتر” في الخليج، والتي يفترض أنها تظهر مشاعر متداولة لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة .

وفي غضون ذلك، اتهم الجانب السعودي والإماراتي الشيخ تميم بأنه القذافي الجديد” في إشارة إلى الزعيم الليبي معمر القذافي .

ومع ذلك، كشف تحقيق استقصائي أجرته “بي بي سي” أن غالبية التغريدات التي تستخدم هذه الهاشتاجات تم دفعها بواسطة حسابات مزيفة تعرف باسم بوتات، وهي حسابات تعمل بطريقة آلية وتحاول استغلال الرأي العام عن طريق تعزيز تداول (شعبية) منشورات على وسائل التواصل .

“بن نيو” وهو زميل بارز في معهد “أتلانتيك كوانسل”، تعمق في دراسة وفحص بعض الهاشتاجات في الاتجاهات الأكثر ثباتًا وعين مصدر شعبيتها وتداولها .

واكتشف أن البرامج الروبوتية في “تويتر”، تستخدم عددًا من الطرق، مثل تتبع الطفرات المفاجئة في التداول على الهاشتاجات، مما يشير إلى النشر الآلي .

ويقول “نيمو” إنه في هاشتاج “تميم المجد”، والذي تم نشره بواسطة حساب يدعى”sabaqksa” وقام بالتغريد 201 مرة في غضون بضع ثواني، وهذا ليس نمطا طبيعيا من السلوك.

كما قام موقع “تويتر” بتعليق الحساب ولم تتمكن “بي بي سي ” من الاتصال بمالك الحساب للحصول على تعليقه، وكان هناك زيادة كبيرة أخرى في عدد التداول لهذه الهاشتاجات، جاءت من حوالي 100 حساب نشروا 1.410 مرة في فترة خمس ساعات، وقال “نيمو” إنه من غير المنطقي أن تقوم حسابات يديرها البشر بذلك بشكل متكرر، وعندما يعمل عدد من حسابات بوت معًا على هذا النحو يطلق على هذه العملية اسم “شبكة البوت” .

لكن “نيمو” عثر على بوتات في الجانب المناهض لدولة قطر أيضًا، حيث قام بدفع تويتات هجومية بما في ذلك صور مسيئة لأمير قطر.

ونشر العديد من البوتات المعادية لقطر تغريدات تم نشرها في الأصل من قبل حساب يدعى “saudq1978” وهو حساب يخص “سعود القحطاني” وهو عضو بارز في الديوان الملكي ومستشار الأمير محمد بن سلمان ويتابعه أكثر من مليون متابع ولديه حضور كبير على “تويتر” .

وكانت أعلى خمسة تغريدات على هاشتاج “قذافي الخليج” أطلقت كلها من هذا الحساب، وشكلت مع 66% من إجمالي الزيارات، واتهم الحساب قطر بقتل الناس في الحرب الأهلية في ليبيا وإلقاء اللوم في ذلك على تمويل الإرهاب .

قامت “بي بي سي” بمحاولات متكررة للتواصل مع القحطاني للتعليق، ولكن دون جدوى .

أخبار وهمية

وفى غضون ذلك يبدو أنه من غير المرجح أن تنتهي المقاطعة أو الحصار لقطر- اعتمادًا على الجانب الذي تتحدث منه- قريبًا، على الرغم من الجهود الأمريكية الأخيرة للوساطة .

لا تزال الهاشتاجات حول الصراع آخذة في التداول، واستمرت حرب القرصنة حتى في 2018، مازالت قنوات التلفاز في البلدين تتداول الاتهامات كما قدموا صورًا مختلفة جدًّا لتأثير الأزمة على الحياة في قطر .

وعرضت قناة العربية السعودية، لقطات لمحلات السوبر ماركت ذات أرفف فارغة، ولكن قناة الجزيرة بثت تقارير تميل إلى إظهار الناس في الشوراع يعيشون حياة طبيعية.

وبحسب دينا مطر، “محاضرة بارزة في الإعلام والتواصل السياسي  SOASبجامعة لندن”، قالت إنها ليست معركة سياسية فحسب، وإنما معركة إعلامية، لدينا مشكلة كبيرة  تُفعل في الغرب، الأخبار المزيفة موجودة في كل مكان .

قالت “مطر” إن السياسيين والقادة العرب يدركون تمامًا أهمية الإعلام وأنه سلاح مهم، وسلاح للدعاية للمصالح الخاصة والعامة .

وفي الآونة الأخيرة كان هناك هاشتاج ذكرى فبركات منتصف الليل، كان متداولًا بشكل كبير في قطر، وبعد 12 شهرًا من هذه المقاطعة، لا يوجد ما يشير إلى أن التوترات ستنحصر بين الجانبين .