شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الممارسات القمعية التي تستخدمها دولة الإمارات العربية المتحدة ضد معارضيها وخصومها السياسيين، في وقت تمتلك فيه البلاد بالفعل سجل سيء في مجال حقوق الإنسان يؤثر بشكل أو بآخر على صورتها التي تسعى تصديرها للعالم الغربي.
بذلت الإمارات كل جهودها لوأد ثورات الربيع العربي، والقضاء على أي حلم للحرية في المنطقة العربية، وسعت لزعزعة استقرار البلدان المحيطة، فضلاً عن الانتهاكات الداخلية المرتكبة ضد المواطنين والمقيمين.
استخدمت الإمارات التجسس كأبرز وسيلة لترسيخ قواعدها وتعزيز ممارستها القمعية، حتى أنها أصبحت من أكثر الدول العالم استخداماً لبرامج التجسس المتطورة، سواء ضد المواطنين أو الأجانب، أو حتى حكومات ومسؤولي الدول الأخرى.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أصدرت مجلة “نيويوركر” تقريراً كشف قيام الإمارات بالتتجسس على رئاسة الوزراء البريطانية بواسطة برنامج بيغاسوس الإسرائيلي الصنع، ليُضاف المسؤلين البريطانيين إلى قائمة مسؤولين الدول الأخرى التي استهدفتهم الإمارات مثل العراق واليمن وقطر.
من القمع الداخلي إلى التجسس الخارجي “بيغاسوس”
في تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، قالت إن دولة الإمارات العربية المتحدة، بعدما وضعت مواطنيها تحت المراقبة، قامت باستخدام برامج تجسس ضد الأجانب، بمن في ذلك كبار القادة اللبنانيين والعراقيين واليمنيين، إضافة لذلك فإن الإمارات قد طورت نشاطاً شاملاً للهجوم السيبراني في غضون عشر سنوات، وأصبحت ذا ثقل في التجسس الرقمي.
وفي تحقيق استقصائي قامت به مجموعة “فوربيدن ستوريز” ومنظمة العفو الدولية على قائمة أرقام تضم 50.000 رقم هاتف تم استهدافهم منذ عام 2016 من قبل 10 دول، هذه الدول زبائن لشركة “إن إس أو” الإسرائيلية التابعة لمجموعة برنامج التجسس “بيغاسوس”، تم الكشف على أنه في هذا السجل الضخم من الأرقام، قامت الإمارات وحدها بالتجسس على 10.000 رقم منهم !
وخلُصت التقارير والتحقيقات إلى أن “بيغاسوس” برنامج متطور للغاية، لا يمكنه فقط سحب المحتوى من الهاتف الذكي، بما في ذلك الرسائل المتبادلة على تطبيقات مثل “واتسآب” و”سيغنال”، ولكن أيضاً تحويل الجهاز، خلسة، إلى ميكروفون، مؤكدة أن عدد الأشخاص الذين اهتمت بهم أجهزة الاستخبارات الإماراتية في السنوات الأخيرة مرتفع للغاية.
علاقات بشركات إسرائيلية
أشارت عدة صحف عبرية إلى الدور التجسسي الذي تمارسه الإمارات على خصومها في الدول العربية، والمعارضين ونشطاء حقوق الإنسان، مستعينًة بخبراء إسرائيليين كانوا يعملون بالوحدة 8200 الإسرائيلية المختصة بالأمن السيبراني، عن طريق استقطابهم بمبالغ مالية كبيرة، وتقديم امتيازات خاصة لتجنيدهم في خدمة التجسس السيبراني لصالحها.
أكد على ذلك تقرير صادر عن صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قالت فيه أن الإمارات اعتمدت على خبراء إسرائيليين لديهم مهارات عالية بهدف اقتحام شبكات الإنترنت لخصومها السياسيين، وتضيف الصحيفة أن الخبراء الذين جندتهم الإمارات للعمل في شركة “دارك ماتر” الإماراتية قد خدموا سابقًا ضمن قوات النخبة الإسرائيلية للأمن السيبراني، حيث عملت على دفع مبالغ كبيرة لاستقطابهم، وصلت إلى مليون دولار أمريكي سنويًا، بالإضافة لمكافآت مالية، ومنزل على شواطئ قبرص حيث تدير الشركة عملياتها.
يقول أحد المسؤولين الأمنيين السابقين للصحيفة إنه عند مغادرة الاستخبارات الإسرائيلية يجب الانتظار عامين للعمل مع القطاع الخاص، بينما يمكنك حاليًا أن تترك عملك مع الاستخبارات الإسرائيلية، وتبدأ في اليوم التالي مع “دارك ماتر” وهذا يدل على العلاقات الأمنية الوطيدة بين الإمارات والاحتلال.
كما صدرت تقارير عبرية تؤكد أن الإمارات استخدمت سلاح إلكتروني يدعى “كارما” بواسطة وحدة للعمليات الإلكترونية في أبوظبي تضم مسؤولي أمن إماراتيين وضباطًا سابقين بالمخابرات الأمريكية يعملون كمتعاقدين لصالح أجهزة المخابرات الإماراتية، لاختراق هاتف آيفون يستخدمه أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، وكذلك أجهزة يستخدمها النائب السابق لرئيس الوزراء التركي “محمد شيمشك”، ووزير الشؤون الخارجية في سلطنة عمان “يوسف بن علوي بن عبد الله”.
التجسس على بريطانيا
كما أسلفنا القول فقد سبق للإمارات التجسس على مسؤولين كبار لدولة مجاورة، واستكمالاً لمسلسل التلصص والتجسس فقد تم العثور على برامج تجسس قوية مرتبطة بمشغل في الإمارات العربية المتحدة مثبتة على جهاز متصل بشبكة في مقر رئاسة الوزراء البريطانية.
التقارير الأولية تشير إلى أن الخرق الأمني قد حدث في 7 يوليو/تموز 2020، أي بعد عام تقريباً من تولي “بوريس جونسون” منصب رئيس الوزراء، ليس ذلك فحسب فقد يُشتبه أيضًا في أن برنامج التجسس قد أصاب الهواتف المتصلة بوزارة الخارجية في خمس مناسبات على الأقل بين يوليو/تموز 2020 ويونيو/حزيران من العام الماضي.
وبعد الفحص والتقصي، تم الوصول إلى نتائج أن الأجهزة مرتبطة بمشغلين في عدة دول أولها الإمارات العربية المتحدة وحتى الآن لم يتمكن خبراء الأمن السيبراني من تحديد موقع الجهاز المصاب، كما لم يتم تحديد طبيعة البيانات التي سُرقت، ذلك لأن الإمارات تستخدم برنامج “بيغاسوس” الذي تم تطويره من قبل شركة NSO Group الإسرائيلية، والتي من المعروف أن لديها القدرة على إصابة مليارات الهواتف التي تعمل إما بأنظمة تشغيل iOS أو Android
بمجرد أن يكون “بيغاسوس” على جهاز الشخص، يمكنه نسخ الرسائل التي يتم إرسالها، أو استلامها، أو جمع الصور، أو تسجيل المكالمات الهاتفية، أو حتى تصوير المستخدم سراً من خلال كاميرا الهاتف، أو تسجيل المحادثات عن طريق تنشيط الميكروفون، كما يمكن أيضًا استخدامه لتحديد مكان وجود شخص ما أو مكان وجوده أو من التقى به، لكن الشركة الإسرائيلية نفت تورطها في استهداف الحكومة البريطانية.
الخلاصة أنها هذه المرة ليست الأولي للإمارات ولن تكون الأخيرة، فهي تسعى باستمرار للتجسس على الجميع، أصدقاء أو أعداء، حتى في الحياة الشخصية بعيداً عن زخم السياسة فإنه في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وجدت المحكمة العليا في لندن أن حاكم دبي، الشيخ “محمد آل مكتوم”، أمر باختراق هاتف زوجته السابقة، الأميرة “هيا” من الأردن، وقالت المحكمة حينئذ إنه تم استخدام برنامج بيغاسوس في محاولة لاختراق هواتف الأميرة هيا وبعض موظفيها واثنين من محاميها.. باختصار التجسس أصبح نهج تنتهجه الدولة الخليجية لتحقيق كافة أهدافها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، مع ضمان تام أنها لن تتعرض للمساءلة.
اضف تعليقا