خيبة أمل كبيرة تعرض لها نظام الانقلاب العسكري بمصر برئاسة عبد الفتاح السيسي، بعد تقرير، والذي تحدث عن وجود انتهاكات عديدة في ملف حقوق الإنسان تضمنت “القتل خارج إطار القانون”، و”الإخفاء القسري”، و”التعذيب”.

النظام المصري من جانبه رفض الاتهامات، وسخّر كل وسائله المتاحة للرد على التقرير الأمريكي، ولكن في إطار سياسة ضبط النفس، وعدم التجاوز، لما يمكن أن يمثله أي تجاوز في حدوث أزمة مع الجانب الأمريكي.

ويتزامن التقرير الأمريكي مع حملة اعتراضات وانتقادات تعرض لها السيسي بعد تنفيذ حكم الإعدام في حق 9 من معارضيه، امتثالا لحكم قضائي، تؤكد منظمات حقوق الإنسان الدولية بأنه كان مسيسا في إطار حملات التصفية والانتهاكات التي يمارسها نظام السيسي ضد مخالفيه.

ماذا قالوا؟

وحسب تقرير الخارجية الأمريكية الذي أعلنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في مؤتمر صحفي نهاية الأسبوع الماضي، فإن الخارجية الأمريكية توصلت لعدة تقارير تؤكد ارتكاب الحكومة المصرية وأجهزتها المختلفة لأعمال قتل “غير قانونية”، بما في ذلك حالات حدثت خلال إلقاء القبض على بعض الأشخاص، أو خلال وجود آخرين في السجون، أو خلال اشتباكات مع مدنيين.

وأشارت الخارجية الأمريكية إلى أن هناك تقارير أخرى بشأن قتل مدنيين خلال عمليات عسكرية في سيناء، مع إفلات مرتكبيها من العقاب.

إخفاء قسري

وتحدث تقرير الخارجية الأمريكية عن حالات الإخفاء القسري بمصر، بالإضافة إلى حالات تعذيب واعتقال عشوائي، وظروف سجن قاسية، واعتقال بدوافع سياسية، وانتهاك غير قانوني للخصوصية، وقيود غير مبررة على حرية التعبير، والصحافة، والإنترنت، بالإضافة للانتهاك الصارخ لحقوق التجمع السلمي، وفرض قيود على تأسيس الجمعيات الأهلية، وتسجيل المنظمات غير الحكومية.

ويشير التقرير إلى أن الحكومة المصرية حققت بالفعل مع بعض المسؤولين الذين انخرطوا في بعض تلك الانتهاكات، ولكنها كانت مع حالات بسيطة، بينما معظم الحالات، لم يتم التحقيق فيها بشكل شامل، بما في ذلك أغلب حوادث العنف التي ارتكبتها قوات الأمن، بما يعزز مبدأ “الإفلات من العقاب”.

وفيما يتعلق بالحياة السياسية، أشار التقرير لانسحاب المرشحين المنافسين لعبد الفتاح السيسي، من الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2018، ونتيجة الضغوط السياسية، وتعرض بعضهم للاعتقال، بدعوى انتهاك حظر الترشح على الشخصيات العسكرية، مثل الفريق سامي عنان.

مصر لا تعترف

ويشير المراقبون إلى أن الرد المصري لم يخرج عن المعتاد، ولكنه في الوقت نفسه، حمل الكثير من معاني اللوم للإدارة الأمريكية، التي لم تراع خصوصية الحالة المصرية، وهو المنهج الذي اعتمد عليه الرد الرسمي للخارجية المصرية، عندما أكد أن مصر “لا تعترف بحجية مثل هذه التقارير”.

وفي تبريره لما كشفه تقرير الخارجية الأمريكية من انتهاكات تحدث بمصر، أكد أحمد حافظ، المتحدث باسم الخارجية المصرية، أن التقرير اعتمد على بيانات وتقارير غير موثقة، توفرها جهات ومنظمات غير حكومية تُحركها مواقف سياسية، داعيا الإدارة الأمريكية لاحترام مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.

وانتقد البيان الرسمي لحافظ، عدم تناول الخارجية الأمريكية للجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية لتعزيز أوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل وتفعيل الضمانات الدستورية ذات الصلة، فضلاً عن الخطوات الكبيرة التي تم تحقيقها في مجال الحريات الدينية وتعزيز مبدأ المواطنة وضمان توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين، بالإضافة إلى عدم الإشارة إلى العديد من الآليات الرقابية التي كفلها الدستور والقانون للمصريين للتعامل مع أي انتهاكات حقوقية، والتحقق منها في إطار كامل من الاستقلالية والشفافية وبوازع وطني خالص.

ردود كارثية

وحسب تحليل المراقبين فإن مصر الرسمية تعاملت بتحفظ شديد في الرد على التقرير، إلا أنها في الوقت نفسه أطلقت يد الإعلاميين والحقوقيين المحسوبين على نظام السيسي، ليقوموا بالردود الساخنة بديلا عن الخارجية المصرية.

وفي هذا الإطار تنوع الرد المصري بين اعتراضات برلمانية، نفت وجود معتقلين سياسيين من الأساس بالسجون المصرية، كما نفت تعرض المسجونين للانتهاكات في السجون، ونفى البرلمان المصري وجود اختفاء قسري، أو تسيس لأحكام القضاء، ووجه بيان لجنة حقوق الانسان في البرلمان المصري اللوم المباشر للخارجية الامريكية، مؤكدا أنه كان يجب عليها الإشادة بدور مصر الكبير والناجح فى مكافحة ظاهرة الإرهاب الأسود نيابة عن العالم.

ووفقا للمتابعين فإن الحقوقيين التابعين للنظام المصري قاموا بدور آخر، في إطار محاولات تقليل الضغط على السيسي وحكومته، حيث دعا بعض الحقوقيين لتغليب لغة المصالح على متطلبات حقوق الإنسان، ويستدل أصحاب هذا الرأي بما أعلنته داليا زيادة، مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة، والمقربة من السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي أكدت للمسئولين الأمريكان، أن العلاقات بينهم وبين القاهرة أكبر بكثير من التقرير الذي وصفته بالمعيب، والذي اعتمد على أخطاء لبعض الموظفين.

وماذا بعد؟

ويرى المحللون إلى أن عدم اتخاذ أية إجراءات عقابية من الإدارة الأمريكية ضد نظام السيسي، لن يجعل للتقرير أية قيمة، خاصة وأن الخارجية الأمريكية باتت ملزمة أمام الكونجرس في تقديم مبررات تقنع أعضاء الكونجرس للموافقة على صرف المعونة الأمريكية، التي يعد احترام حقوق الإنسان، بندا أساسيا فيها.

ووفقا لذلك فإن موافقة الكونجرس قبل عدة أشهر على عدم اقتطاع أية أجزاء من المعونة المخصصة لمصر، كان بناء على تعهدات من الخارجية الأمريكية بعدم استخدام أموال المعونة في انتهاكات لحقوق الإنسان، ولكن ما يحدث في سيناء يضرب بذلك عرض الحائط، لأن معظم الأسلحة والطائرات المستخدمة في العملية العسكرية ” سيناء 2018″ هي أمريكية الصنع.

رسالة العريان

وحسب رصد المتابعين فإن الرسالة التي كتبها القيادي بجماعة الإخوان المسلمين ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور عصام العريان من داخل محبسه بسجن العقرب سيئ السمعة، عن الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلين السياسيين، كانت بمثابة الضربة القاصمة للمدافعين عن انتهاكات السيسي، والذين يرفضون الاعتراف بوجود انتهاكات داخل السجون.

وقد تحدث العريان في رسالته التي سربها من داخل محبسه، عن الشماتة التي تعاملت بها إدارة السجن بعد تنفيذ حكم الإعدام في 9 من شباب الإخوان في الاتهامات المفبركة بقضية مقتل النائب العام السابق، والذين كان من بينهم نجل الدكتور محمد طه وهدان المسجون مع العريان في نفس العنبر.

وحسب نص رسالة العريان التي حصل “العدسة” على نسخة منها، فإن ضابط الأمن الوطني حضر إلى السجن ليرى بنفسه ردود فعلهم بعد تلقيهم نبأ تنفيذ أحكام الإعدام في تسعة من أبناء وشباب الجماعة.

ويشير العريان لأحد هؤلاء الشباب وهو أحمد الدجوي، وأضاف قائلا “”أحمد الدجوي” قضى بيننا في عنبرنا عدة أشهر وكان مثال المسلم الصابر المحتسب لربه تعالى لا يخرج من زنزانته أبدًا التي أغلقها الحراس تماما طوال إقامته .. فماذا وجد ذلك الضابط؟، لم يجد إلا سكينة ألقاها الله في قلوبنا وثباتا أفرغه علينا و حمدا لله تلهج به ألسنتنا هاتفة ” هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله” ودعاءً خالصا أن يتقبل الله هؤلاء الأطهار في ركب الشهداء الذين قضوا على يد الإنقلابيين و أكملوا عدة أكثر من أربعين على أعواد المشانق منهم خمسة عشر فقط خلال أقل من أسبوعين.

أنقذوا البلتاجي

ويضيف العريان قائلا ” إن الانقلاب العسكري منذ ساعاته الأولى أسفر عن دموية شديدة، بدأت بمذابح قتل المصلين فجرا أمام الحرس الجمهوري يوم 8-7-2013 ثم توالت أمام المنصة ووصلت ذروتها في 14-8-2013 في مذبحتي رابعة والنهضة ولم تتوقف، حيث كان بعدها رمسيس ومسجد الفتح وفي مختلف المحافظات ومازالت مستمرة حتى الآن”.

وكشف العريان جانبا من الانتهاكات التي يتعرضون لها داخل سجن العقرب، الذي يتواجد فيه معظم قيادات الإخوان، مؤكدا أن نظام الانقلاب يلجأ إلى سياسة القتل البطيء تجاه المعتقلين من خلال الإهمال الطبي، ومنعهم من التعرض للشمس، أو الحركة خارج الزنازين الانفرادية الضيقة، ومنعهم من الزيارات ل3 سنوات متصلة .

وتحدث العريان عن الحالة الصحية المتردية للدكتور محمد البلتاجي، مؤكدا أنه يتعرض للقتل البطيء كإجراء استباقي لتنفيذ أحد حكمي الإعدام اللذان صدرا بحق البلتاجي.