زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن أن الإدارة الأمريكية الجديد على وشك إصدار التقرير الاستخباراتي الذي طال انتظاره والذي تكشف نتائجه عن تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي بواشنطن بوست-جمال خاشقجي في خريف 2018.
اعتزام إدارة بايدن على نشر هذا التقرير، المقرر نشره مطلع الأسبوع المقبل، جاء من منطلق إيفائها بوعودها الخاصة بالشفافية ومحاكمة المجرمين ومرتكبي الانتهاكات الوحشية ضد حقوق الإنسان، حيث أكد بايدن أنه سيزيل السرية عن ملخص النتائج التي توصلت إليها الاستخبارات الأمريكية الوطنية بعد التحقيق في الجريمة.
اللافت للنظر أن الحديث عن إصدار ذلك التقرير جاء بعد تراجع العلاقات الأمريكية السعودية بشكل كبير خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، بعد تصريحات بايدن بإلغاء كافة صفقات الأسلحة وإيقاف الدعم المقدم للسعودية في حرب اليمن، مع تصاعد نبرة الانتقادات الموجهة لانتهاكات حقوق الإنسان والتنكيل بالمعارضين المرتكبة من قبل ولي العهد السعودي، مع التعهد بإعادة ضبط العلاقات مع المملكة وذلك عن طريق تهميش ولي العهد تماماً والتواصل مع والده الملك بصفة مباشرة بدلاً عنه.
وخلافاً للنهج الذي تبعه ترامب وإدارته، أوضحت إدارة بايدن أنها ستضغط على السعوديين من أجل الوصول إلى حل دبلوماسي للحرب الدائرة في اليمن، مع التأكيد على أنها لن تسمح للرياض بالتدخل في رغبة الإدارة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي كان قد أبرمه أوباما وانسحب منه ترامب.
إن نشر التقرير من المؤكد سيزيد من توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة الخليجية، وسيجعل الأمور أكثر وضوحاً فيما يتعلق بالعلاقات المستقبلية.
ديفيد أوتاي، الخبير في الشأن السعودي في مركز ويلسون، قال تعليقاً على ذلك “سيتعين على بايدن تحديد طبيعة علاقته بالقيادة السعودية وكذلك ترتيب الخطوات التي سيتخذها بعد نشر التقرير”، وأضاف “هناك أشياء كثيرة تؤثر على العلاقة التي أشعر أنها آخذة في الهبوط”.
يتعامل بايدن مع السعودية بصورة مختلفة تماماً عن سلفه ترامب الذي جعل المملكة الصحراوية ركيزة أساسية لسياسة إدارته في الشرق الأوسط باختياره الرياض الوجهة الأولى لرحلاته الخارجية كرئيس، مع تأكيده الدائم على أنها زعيمة للعالم الإسلامي وأكبر زبون لصناعة الأسلحة الأمريكية.
على مدار فترة ولايته، كان ترامب يدافع عن بن سلمان ويتجاهل أخطائه ويبررها أحياناً لإعطائه حصانة أمام المجتمع الدولي، لكن جريمة قتل خاشقجي الوحشية في أكتوبر/تشرين الأول 2018 كان القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ انقلب الرأي العام الدولي ضد بن سلمان، ليس فقط لقمعه حرية رأي جمال في تعبيره عن رأيه، ولكن للطريقة الوحشية التي قتل بها، حيث تم استدراجه إلى قنصلية بلاده في إسطنبول وتخديره وتقطيع جسده على يد عملاء سعوديين، وفق ما خلصت إليه التحقيقات التركية وتقارير الأمم المتحدة.
توجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى الأمير الشاب، الذي كان يحاول أن يعزز سلطته بأي صورة، وعلى الرغم من مزاعم الحكومة السعودية بأنه لم يكن متورطًا، خلصت وكالة المخابرات المركزية، في تقييم تم تسريبه في وقت لاحق من ذلك العام، إلى أن محمد بن سلمان أمر بالاغتيال.
لكن ترامب أصر على استبعاد استنتاجات جهاز المخابرات الخاص به، واصفًا القتل بأنه “عملية مارقة”، واستمر في حماية ولي العهد، بل وفي حديثه عن محمد بن سلمان، تفاخر في مقابلة مع بوب وودوارد بأنه “أنقذ مؤخرته” من محاولات الكونغرس لتحميل ولي العهد المسؤولية.
في أوائل عام 2019، أقر الكونغرس قانونًا يمنح إدارة ترامب 30 يومًا لتقديم تقرير غير سري من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية مع “تحديد دور أي مسؤول حالي أو سابق في المملكة العربية السعودية، سواء بالتخطيط أو الأمر أو التلاعب بالأدلة في مقتل الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي”، كما أمرت بالكشف عن أسماء المتورطين.
تجاهل ترامب هذا الإعلان، وفي فبراير/شباط 2020، قام مكتب مدير الاستخبارات الوطنية التابع لترامب قادة الكونغرس أنه “غير قادر على تقديم معلومات إضافية”، وأنه لا يمكن إزالة السرية عن الملف.
في يوليو/تموز، أخبرهم مدير المخابرات الوطنية جون راتكليف ، ردا على طلبات إضافية من المشرعين، أنه لن يتم تقديم أي تقرير، وكان قد خلص بعد مراجعة إضافية، كما كتب راتكليف إليهم، إلى أن “الكشف عن التفاصيل الإضافية المحيطة بقتل السيد خاشقجي من شأنه أن يقوض مصادر وأساليب الاستخبارات الأمريكية”.
في الوقت نفسه، كتب راتكليف، “لقد قررت أنه لا يوجد سوى حجة هامشية حول” المصلحة العامة ” لتقويض عمليات رفع السرية”.
الأمر اختلف مع تولي بايدن للرئاسة، ففي جلسة الاستماع الخاصة بمدير الاستخبارات الوطنية في إدارة بايدن، سأل السناتور رون وايدن (ديموقراطي) أفريل هينز عما إذا كانت الوكالة ستقوم بإصدار التقرير بصورة غير سرية، فأجاب هينز “نعم.. سوف نتبع القانون”.
في بيان عبر مكتبه، قال وايدن هذا الأسبوع إنه “بعد أربع سنوات من تجاهل دونالد ترامب ودعمه وسعيه لحماية بن سلمان وتقويض العدالة، اتخذ الرئيس بايدن بالفعل خطوات لاستعادة المساءلة، من خلال إنهاء الدعم للحرب المروعة التي تقودها السعودية في اليمن، وإيقاف مبيعات الأسلحة مؤقتًا، مع التعهد باتباع القانون ونشر تقرير الوكالة عن نتائج مقتل جمال خاشقجي… إنني أحث الإدارة على المضي قدماً لاستكمال هذه الخطوات من خلال فرض عقوبات حقيقية على المسؤولين السعوديين لهذه الانتهاكات وغيرها “.
تأتي قرارات إدارة بايدن متوجة لجهود جماعات ومنظمات حقوقية قاموا برفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية لإصدار قرارات تلزم المخابرات الوطنية بإصدار التقرير بصورة غير سرية، مثل “مبادرة عدالة – المجتمع المفتوح”، ولجنة حماية الصحفيين ومعهد نايت.
حتى الآن لم تعلن السعودية عن رغبتها في التخلي عن الولايات المتحدة كحليف رئيسي على الرغم من سعيها للبحث عن بدلاء مثل روسيا والصين لإمدادها بالأسلحة المطلوبة، حيث اتخذ النظام بالفعل بعض الخطوات لكسب ود إدارة بايدن، مثل إطلاق سراح بعد النشطاء والمعارضين، وهو ما قال عنه الخبراء والمحللون أن الطرفين من الممكن أن يتوصلا لحلول وسط للإبقاء على العلاقات قائمة.
من ناحية أخرى، قالت كارين يونغ، من معهد أميركان إنتربرايز، في مقابلة: “بمجرد صدور هذا التقرير، وهو أمر مروع للغاية لولي العهد، سيزداد التوتر بين العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وأضافت “إن أول عمل مطلوب الآن هو إعادة إنشاء “قنوات اتصال مناسبة” مع حلفاء آخرين، وهو ما أخفق ترامب في فعله، حيث ركز فقط على تقوية العلاقة الشخصية بين بن سلمان وكوشنر-صهره ومستشار البيت الأبيض”.
وتابعت ” إن النظراء في مختلف المستويات الحكومية “يحتاجون إلى التحدث مع بعضهم البعض عبر القنوات الروتينية والرسمية”.
الجدير بالذكر أن محمد بن سلمان يشغل أيضًا منصب وزير الدفاع السعودي، ومن المرجح أن تركز الإدارة على التواصل معه ولكن فيما يتعلق بالأمور العسكرية “لكن هل ستكون هناك زيارات متبادلة مع البيت الأبيض؟” قالت يونغ “لا بالتأكيد لا.”
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ المزيد : ما هو الدور الخفي لابن زايد في عزل الأمير محمد بن نايف؟
اضف تعليقا