العدسة – ياسين وجدي:

من صفراء في فرنسا إلى حمراء بتونس الخضراء ..

تتبدل الألوان والبلدان ، ولكن تبقى الشعارات والخلفيات محل ترقب وتكهن في تونس بقدر أكبر من فرنسا ، حيث تلاحق السترات التونسية أسئلة بحاجة إلى إجابات واضحة أبرزها هل تقف الإمارات والسعودية بالفعل وراء الحملة؟!.

“العدسة” سلط الضوء على حملة السترات الحمراء ، وبحث في خلفياتها وتمويلها ، والذي يبدو أن الأيام القادمة ستوضح أكثر هل هي سترات إماراتية سعودية ترفع لون الدماء للشعب التونسي في ضربة جديدة لثورته أم سترات تونسية صميمة تذكر بدماء بوعزيزي ورفاقه، فالإجابة لازالت في طي الأحداث.

تمدد جديد !

من فرنسا إلى تونس ، بدايات واحدة لأسباب تبدو واحدة ظاهريا ، أعلنت عن نفسها في شكل حراك جديد يقوده من وصفوا أنفسهم بأنهم ” مجموعة من الشباب التونسي” وذلك مساء السبت ، وكان الهدف واضحا وهو إطلاق حملة احتجاجات سلمية جديدة للمطالبة بالتغيير وضمان العيش الكريم ومحاربة الفساد لإنقاذ تونس ، ولكن تغير الاسم ليتوافق مع المناخ التونسي ، تحت شعار “السترات الحمراء” ليحل محل شعار”السترات الصفراء” الفرنسية.

التدشين ، الذي يراه البعض ممولا ويقف وراءه أطراف معادية للثورة التونسية ، استخدم ذات الطريقة التي ألهبت الربيع العربي في العام 2011 ، حيث أعلن النشطاء عبر شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إطلاق الحملة على طريقة “السترات الصفراء” في فرنسا، والشروع في تأسيس تنسيقيات محلية للحملة، في محاولة لسرقة الأضواء لبلاد “بوعزيزي” مع التهاب الأجواء في فرنسا، والمثير أن الحركة أكدت أنها استمرارية لنضال الشعب التونسي، وخطوة لاستعادة التونسيين لكرامتهم وحقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم.

هذه اللافتة التونسية الجديدة  التي تحاول استلهام التجربة الفرنسية بحسب المراقبين ، جاءت في مواجهة ما وصف بيان النشطاء “بالفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج”، وكان الطلاق مع الساسة بارزا في البيان التدشيني ، حيث أكد البيان غياب المصداقية والتصور وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحالية، واتهامها بأنها تعمق الهوة بينها وبين الشعب التونسي.

 من وراء الحراك؟!

“نحن مستقلون”.. هكذا تقول الحملة رسميا ، لكن الاسم الوحيد الذي أعلنته الصحفة الرسمية للحملة  حتى الآن في قيادتها ، وهو “برهان العجلاني “، ينتمي بشكل واضح للاستقطاب الدائر في البلاد ، حيث تواترت تصريحاته المناهضة للحركات الإسلامية في تونس وفق تصريحات له ندد فيها بالأحزاب التي تتحدث باسم الله كما يسميها في الحراك الاجتماعي التونسي .

وعن التمويل ، الصفحة الرسمية للحملة لم تعتمد تمويل أي من منشوراتها على فيسبوك، كما هي عادة الصفحات الأخرى التي تدفع لفيسبوك من أجل الترويج لها، وقال أحد النشطاء القائمين على السترات الحمراء في تصريحات صحفية :” نحن عاطلون عن العمل مثل أغلب التونسيين، ولهذا السبب دشنّا حراك السترات الحمراء… ولا نملك أي إمكانيات مادية للترويج للصفحة”، لكن كان ناشط آخر من المسئولين عن الحملة ويدعى رياض جراد أكثر وضوحا حيث أعلن أن هدف الناشطين في الحملة هو الإطاحة بيوسف الشاهد وحكومته، فقد فشلت في إصلاح الأوضاع، بل أزّمتها أكثر بحسب رأيه مؤكدا أنّه وجب الخروج إلى الشوارع في مختلف المحافظات والتظاهر ضد سياسات التفقير والتهميش والفساد الحكومي، من أجل تصحيح مسار الثورة التي قامت من أجل تحسين أوضاع الشباب.

وفي المشهد العام ، تحرك الكثير من النشطاء التونسيين والصحفيين والفاعلين في المجتمع المدني المحسوبين على اليسار واللبيراليين  لإبراز الحملة في الساعات الأخيرة وقاموا بتغيير صور صفحاتهم الشخصية على فيسبوك بشعار الحملة، بالتزامن مع تأييد منسوب للجبهة الشعبية وانقسام في حزب “نداء تونس” ما بين معارض ومؤيد ضدها ورفض أنصار حكومة الشاهد لها وفق تقارير منسوبة لمعارضين له ولحركة النهضة على وجه التحديد التي لاقت نقدا لاذعا من مواقع داعمة للحراك.

نقل التجربة الفرنسية ، هو هدف استراتيجي للداعمين للحملة من الأحزاب السياسية ، وفي قراءة للمعارضين للحكومة التونسية الحالية فإن السترات الحمراء ” بيع” آخر تشهده تونس، تنقل عدوى الاحتجاجات الشعبية لـ”السترات الصفراء” من فرنسا إلى تونس، ولكن بلون آخر”وهو ما يكشف مبكرا استخدام الحركة في الصراع السياسي المتصاعد في تونس .

هل ثورة مضادة؟!

فشلت الإمارات والسعودية ، في العديد من المراحل في تقويض ثورة بوعزيزي ، ولكن بعض النشطاء يتحدث الآن عن وجود سعودي إماراتي في خلفية الحملة.

نشطاء ومنهم الناشط التونسي أحمد حسين اتهم السعودية والإمارات بالوقوف وراء الحركة ، وقال :  “حركة السترات الحمراء في ظاهرها سلمية، وفي حقيقتها تخريب وتدمير تونس بتمويل إماراتي سعودي مصري، فانتبهوا أيها التونسيون”.

النائب عن حزب حركة النهضة، محمد بن سالم، وصف في تصريحات صحفية الحملة بالتقليد الأعمى لمثيلتها في فرنسا، مؤكدا وجود دوافع سياسية تحرّك القائمين على الحملة، فضلا عن وجود أطراف سياسيةً تقف وراء هذه الحملة تحت غطاء التحرك المدني والإعلامي، ومنهم مالك قناة “نسمة” التونسية، نبيل القروي، الذي يرفض ومن وراءه الاستقرار الحكومي والاجتماعي.

النائب جلال غديرة عن كتلة “الائتلاف الوطني” الداعمة لحكومة يوسف الشاهد يرى كذلك أن الحملة “السترات الحمراء” يقف خلها دوافع سياسية ، قائلا في تصريحات صحفية : “وصلتنا معلومات بأن من يمول ويقف وراء هذه الدعوات المشبوهة للاحتجاج تحت غطاء التحرك المدني الخالي من التحزب، هم في الأصل مجموعة من الأطراف السياسية التي تكن العداء لحكومة الشاهد وترفض الاستقرار الحكومي والاجتماعي”.

أمين عام حركة مشروع تونس المحسوب على الإمارات ، محسن مرزوق، بادر بعد ساعات من تدشين السترات الحمراء، إلى مهاجمتها وسط ريبة من مراقبين حول سبب المهاجمة وإبراز الحركة إعلاميا ، في محاولة يراها البعض أنها تريد أن تبعد الصلة بينها وبينها في ظل اتهامات البعض للإمارات والسعودية بتوتير الأوضاع في تونس تحت لافتات جديدة.

مرزوق ، استخدم لغة حادة ضد الحملة ، لازالت محل اختبار بحسب المراقبين ، مؤكدا وجود أطراف تدعو للفوضى وتخلق الفوضى في البلاد على غرار تلك الحركة ، فيما شدد على أهمية إيقاف هذه الدعوات بوسائل سياسية من خلال خلق قطب سياسي قوي عبر خلق العلاقات مع المواطنين ما يعيد لهم الثقة ويفسر لهم المسألة السياسية وما يجري في البلاد كما أكد أن حزبه لن يسمح أن تسير البلاد في طريق الفوضى.

“خلق قطب سياسي جديد ” ، كان ذات العبارة التي كررها أمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي مؤكدا أن المنظومة الحاكمة مسؤولة عن تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وأن  حزبه يسعي إلى تكوين قطب سياسي ديمقراطي لتجاوز الأزمة التي تعيشها تونس وإنقاذ مؤسسات الدولة التي أصبحت “رهينة أطراف سياسية بسدة الحكم واستغلالها لانجاح مخططها للبقاء في السلطة على حساب المصلحة الوطنية”، في عبارات مشابهة لما جاء في بيان الشباب، وتفتح الباب لشكوك حول خارطة احتجاج جديدة تحت لافتة جديدة بنفس المضامين القديمة في الصراع الذي يقف فيه رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد وحلفاؤه في جهة ويقف الرئيس التونسي الباجي قايد  السبسي وخصوم الشاهد في جهة أخرى.

يأتي ذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب في الذكرى الثامنة لثورة يناير 17 ديسمبر–14 يناير 2011، ، وهو ما طرح تساؤلات في صفوف الطبقة السياسية أو لدى الرأي العام بين متكهّن بثورة جديدة على الأبواب وبين دافع إلى وجوب المحافظة على الخصوصية الاحتجاجية التونسية وإبعادها عن أي تقليد للتجربة الفرنسية، وبين سترات حمراء وأخرى صفراء ، تتبدّل الألوان لكن الشعار واحد في تونس وهو فرض المزيد من الضغوط لإسقاط الحكومة بخلفية الاستقطاب الدائر بحسب البعض  أو بخلفية جديدة وفق البعض الآخر قد تترأس وراءها أيادي خارجية.