العدسة – جلال إدريس

لا تتوقف الأوامر الملكية المستمرة بالسعودية عن تهيئة وترتيب الوضع الداخلي للأمير الطامع في حكم أبيه وولي عهده “محمد بن سلمان”.

وسواء كانت تلك الترتيبات بأوامر مباشرة من محمد بن سلمان نفسه، أو بتوجيهات من الملك  “الطاعن في السن”، فإنها في نهاية الأمر تفضي إلى شيء واحد، وهو تهيئة الأجواء في المملكة لحكم الأمير الصاعد، والعمل على إحكام قبضته على البلاد بعد رحيل أبيه.

“مؤسسة الجيش” كانت آخر المؤسسات التي اقتحمها بن سلمان مؤخرا وبقوة؛ حيث قلب قياداتها رأسا على عقب، وأطاح بمسؤولين وبدل مواقع مسؤولين آخرين، ليضمن في نهاية الأمر أن المؤسسة العسكرية الأقوى خليجيا باتت تحت قبضته وطوع أمره، بعد إتيانه بقيادات يدينون له بالولاء.

بيد أن مراقبين وخبراء ربطوا بين تلك التغييرات العسكرية، وبين محاولات سلمانية، لتبيض صورة الجيش السعودي الذي بات غارقا في دماء اليمنيين، بعد صدور عشرات التقارير الحقوقية الدولية والأممية التي تتحدث عن انتهاكات الجيش السعودي والتحالف العربي في حرب اليمن.

العدسة ومن خلال التقرير التالي، تقرأ تلك التغييرات في إطار المشهد الكلي في المملكة الملتهبة والتي باتت على صفيح ساخن وفقا لمراقبين.

إعفاءات وتعيينات بالجيش

الجيش المصري

الجيش المصري

 

لنبدأ أولا بإلقاء الضوء على الأوامر الملكية  التي صدرت فجر الثلاثاء 27 فبراير، والتي شملت إعفاءات وتعيينات جديدة في الجيش تعد الأقوى منذ عدة سنوات، كما شملت الأوامر تغيير أمراء بعض المناطق، وتعيين مستشارين جدد في الديوان الملكي.

وتحديدا حوت الأوامر تغييرات هامة في المناصب القيادية بوزارة الدفاع؛ حيث تم إنهاء خدمة الفريق الأول الركن عبد الرحمن بن صالح بن عبد الله البنيان، رئيس هيئة الأركان العامة بإحالته إلى التقاعد، وتعيين فياض بن حامد بن رقاد الرويلي نائب رئيس هيئة الأركان العامة، بدلًا منه.

كما أعفت الأوامر الفريق الركن فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود، قائد القوات البرية من منصبه، وتعيينه قائدًا للقوات المشتركة برتبة فريق ركن، وتعيين فهد بن عبد الله بن محمد المطير قائدًا للقوات البرية.

كذلك تم إنهاء خدمة محمد بن عوض بن منصور سحيم، قائد قوات الدفاع الجوي بإحالته إلى التقاعد، وتعيين مزيد بن سليمان بن مزيد العمرو خلفًا له.

كما تم تعيين مطلق بن سالم بن مطلق الأزيمع نائبًا لرئيس هيئة الأركان العامة، وتعيين جار الله بن محمد بن جار الله العلويط، قائدًا لقوة الصواريخ الاستراتيجية، وتعيين تركي بن بندر بن عبد العزيز آل سعود قائدًا للقوات الجوية.

كما أصدر العاهل السعودي أمرًا بالموافقة على وثيقة تطوير وزارة الدفاع المشتملة على رؤية واستراتيجية برنامج تطوير الوزارة.

وتشتمل الوثيقة على “النموذج التشغيلي المستهدف للتطوير والهيكل التنظيمي والحوكمة ومتطلبات الموارد البشرية التي أعدت على ضوء استراتيجية الدفاع الوطني”.

تمهيد لنقل الملك

الملك سلمان

الملك سلمان

 

التفسير الأول الذي ذهب  إليه مراقبون حول عزل “بن سلمان” جنرالات سعودية واستبدالهم بجنرالات جدد، هو أنها محاولة من “بن سلمان” لتقوية موقعه في الداخل، حيث إن  الأمير بات يشعر بالتهديد منذ اعتقاله عددا من الأمراء ورجال الأعمال بتهمة الفساد في نوفمبر، وذلك برغم الإفراج عن معظمهم، بعد الموافقة على تسويات مع الحكومة.

القلق ينتاب “بن سلمان” أيضا من أن تكون هناك بعض القيادات القديمة في الجيش مازالت تدين بالولاء للأمراء الذين انقلب عليهم بن سلمان، خصوصا الأمير متعب بن عبد الله الذي كان يترأس قيادة الحرس الوطني، وبالتالي فإن الرجل خشي أن تعرقل تلك القيادات عملية نقل الملك إليه بعد وفاة أبيه.

وكان معارضون سعوديون قد تحدثوا قبل شهرين أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمر بنقل 7000 ضابط وجندي من الجيش إلى الحرس الملكي، نظرا لكونه يعيش حالة من الرعب والقلق إثر العداء المتواصل الذي يصنعه الأمير الطائش مع أبناء عمومته.

كما تحدثت تقارير سعودية عن تعرض “بن سلمان” لمحاولتي اغتيال مرتين خلال الفترة الماضية، كان من بينهم تلك المرة التي اعتقل فيها بن سلمان نحو 11 أميرا دفعة واحدة بعد اشتباكات وقعت مع الحرس الخاص بابن سلمان أمام قصر الملك في الرياض.

كل تلك الأسباب وغيرها جعلت “بن سلمان” يسعى لإجراء تغييرات واسعة في صفوف الجيش، بهدف تأمين نفسه وإحاطة ملكه بقيادات عسكرية تضمن له انتقالا سلسا للمُلك بعد وفاة أبيه، أيضا فإن تعيين أمراء جدد في المواقع الحساسة داخل القوات المسلحة قد يعطي “بن سلمان” ثقة إضافية قبل مغادرته البلاد متوجها لعدة زيارات خارجية.

حرب اليمن وراء التغييرات

بعض من الدمار الناتج عن حرب اليمن

بعض من الدمار الناتج عن حرب اليمن

 

لكن مراقبين آخرين ربطوا بين التغييرات التي أجراها بن سلمان في الجيش وبين حرب اليمن، حيث أكد المراقبون أن التغييرات في السلك العسكري ترتبط بالحرب في اليمن، حيث سيتعرض ابن سلمان لمساءلة عن مسارها، ويتوقع أن تؤدي زيارته إلى احتجاجات في الشارع البريطاني؛ بسبب الطريقة التي أدار بها حرب اليمن.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية، لمراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، فإن التغييرات التي أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قيادات الجيش السعودي تتعلق بالحرب في اليمن، مشيرا إلى أنها تأتي عشية زيارته إلى بريطانيا.

وأشارت الصحيفة في التقرير الذي ترجمه موقع “عربي21″، أن إقالة رئيس هيئة الأركان عبد الرحمن البنيان وإحالته إلى التقاعد مع قادة القوى البرية، هو جزء من محاولة التخلص من الوجوه القديمة للجيش.

ولفتت الصحيفة إلى أن الجيش السعودي يواجه معضلة في اليمن، الذي يخوض فيه حربًا ضد المتمردين الحوثيين، حيث انتقلت هذه الحرب إلى داخل السعودية، من خلال الصواريخ التي تطلق على المدن الحدودية وتلك الباليستية، التي وصلت إلى العاصمة الرياض.

تبييض لصورة ولي العهد

محمد بن سلمان

محمد بن سلمان

 

ويفيد التقرير بأن الحرب لم تعد تحظى بشعبية في الشارع السعودي، حيث شوهت صورة ابن سلمان في الخارج، الذي سيبدأ الأسبوع المقبل جولة يزور فيها كلا من باريس ولندن وواشنطن، منوها إلى أن هذه هي أول زيارة خارجية واسعة يقوم بها منذ توليه منصب ولي العهد في صيف العام الماضي.

ويذكر الكاتب أن ابن سلمان سيلتقي في بريطانيا برئيسة الوزراء تيريزا ماي ووزير الخارجية بوريس جونسون وأفراد من العائلة المالكة في قلعة ويندسور، مشيرا إلى أن وزراء الحكومة البربطانية يرغبون بأن يتم طرح أسهم شركة النفط السعودية في السوق المالية البريطانية، وتفضيلها على عروض من نيويورك وطوكيو وهونج كونج.

وتقول الصحيفة إن مستشاري الأمير يشعرون بالتوتر والقلق من الطريقة التي سيتم فيها استقبال ولي العهد، خاصة في بريطانيا، حيث تخطط جماعات لاحتجاجات انتقادا لتدخل السعودية في اليمن.

واختتمت “التايمز” تقريرها بالإشارة إلى أن ابن سلمان شن حربا على اليمن؛ في محاولة لإعادة الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، إلا أن التحالف السعودي تورط في اليمن، وأدى القصف السعودي إلى مقتل المدنيين، وتدمير البنية التحتية.