العدسة- ياسين وجدي:

من القاهرة مرورا بالأراضي المحتلة إلى واشنطن ، كانت الرسالة واحدة: الفضيحة الجنسية أو الصمت.

تغيرت الأسماء ولكن بقيت إجراءات التشهير بحسب المراقبين واحدة تجاه من لم يلتزم بالمسار الرسمي.

نسلط الضوء على أبرز الوقائع التي تصدرت المشهد في الساعات الأخيرة والتي تؤكد أن استخدام الفضائح الجنسية أو تلفيقها في تصفية الحسابات السياسية واستدراج الخصوم السياسيين بات من المباريات الرائجة في دائرة العمليات القذرة للسلطات الحاكمة هنا وهناك.

 

تعرية مخرج 30 يونيو !

من الإشادة به كـ”مخرج مظاهرات 30 يونيو” إلى السقوط به إلى الهاوية ، هكذا فعلت أجهزة الإعلام الموالية للنظام الحالي التي دشنت حملة ابتزاز مسيس واسعة النطاق يرصدها المراقبون خلال الفترة الماضية والساعات الأخيرة بالتحديد ضد المخرج المصري وعضو البرلمان الموالي للنظام خالد يوسف ، والذي اختار السفر إلى فرنسا بعيدا عن التشهير الجنسي المتصاعد ضده بمصر.

فيديو إباحي وراء فيديو إباحي ، انتهى بهما المطاف إلى إعلان السلطات المصرية القبض على ممثلتين هما منى فاروق وشيما الحاج بتهمة نشر الفجور ، واللتان أشارتا في اعترافاتهما، إلى أن الفيديو المتداول لهما تم تصويره من جانب المخرج الشهير أثناء ممارسة الجنس معهما، كما أقرا بأنه هو من طلب منهما ممارسة الشذوذ والفجور.

 

هذه الفيديوهات والحملة المتصاعدة لم تبدأ إلا بعد رفض “يوسف” لتعديل الدستور ، وفق مراقبون ، وهو ما أشار إليه كذلك في سلسلة بيانات على صحفته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” ، حيث قال :” أعرف أن استمراري في إعلان اعتراضي على تعديل الدستور سيجلب لي المشاكل التي قد تصل للزج بي في غياهب السجون بأي تهمة ملفقة ولكني قلت سابقا إني مستعد لدفع ثمن مواقفي وسأتحمل ما يأتون به مهما كان قاسيا ومهما كانت درجة التنكيل لأنهم يعتقدون أن المعارضين للتعديل لابد وأن تذبح لهم القطة كي يخرسوا ، ولكن سأظل أقول لا لتعديل الدستور وسأظل لدي يقين بأن من فكر في هذا التعديل سيدرك يوما ما أن ما ارتكبه هو خطيئة في حق هذا النظام وهذا الوطن “.

“خالد يوسف” أضاف أنه يتعرض لحملة مستميتة وممنهجة وممولة لتشويهه بكل السبل بدأت منذ دخوله مجلس النواب واستمرت حتى الآن و لها مواسم تشتد وتكثف وتنوع طرقها كلما طرح رأي أو اتخذ موقفا لا يروق للنظام الذي كان أحد أبرز داعميه منذ مظاهرات 30 يونيو ومرورا بإعلان بيان 3 يوليو 2013 الذي أطاح به الجيش بأول رئيس مدني منتخب .

وعقب ثورة 25 يناير 2011 وثقت تقارير صحفية العشرات من المستندات والشرائط الجنسية التي كانت تستخدمها أجهزة أمن الدولة للضغط على سياسيين وناشطين بغرض ابتزازهم سياسيا قبل أن تفلح الثورة في اقتحام مقرات أمن الدولة لتستخرج تلك الوثائق.

وكشفت تقارير أخرى عن وجود جهاز مصري سري يستخدم العنصر النسائي فى تجنيد الأجانب والدبلوماسيين للحصول على معلومات تفيد فى أعمال المخابرات، وأن هناك عمليات أمنية يطلق عليها “الكنترول” لاستدراج الساسة في علاقات جنسية مشبوهة.

ابتزاز سعودي أمريكي !

وبنفس الأداة ، تحرك اللوبي السعودي بدعم من الإدارة الأمريكية في محاولة لإسكات مالك صحيفة “واشنطن بوست”، على خلفية تبني مؤسسته لقضية قتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي.

واتهم الرئيس التنفيذي لشركة “أمازون” ومالك صحيفة “واشنطن بوست” جيف بيزوس ، ناشر صحيفة “ناشونال إنكوايرير” ديفيد بيكر الذي يوصف بأنه صديق مقرّب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويعمل وشركته لصالح السعودية بمحاولة ابتزازه من خلال صور فاضحة.

استهدف ترامب الشهر الماضي بيزوس مسميا إياها “بوزو” ولمح إلى علاقة الملياردير بمذيعة الأخبار والمراسلة السابقة لورين سانشيز، التي تحدثت عنها “ناشونال إنكوايرير” ، ونشرت قصص حميمية عنهما أدت إلى انفصال بيزوس وزوجته ماكنزي ، بعد زواج دام 25 عاما.

مالك صحيفة “واشنطن بوست” كشف عن أن الشركة الأم للصحيفة هددت بنشر صور حميمة كان قد أرسلها إلى عشيقته إذا لم يوقف التحقيق بشأن التسريبات عن صلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بجريمة قتل “خاشقجي”.

وفي المقابل قرر “بيزوس” المواجهة قائلا :” بالطبع لا أريد أن تنشر أي صور حميمة لي، لكنني لن أكون جزءاً من ممارستهم الابتزازية والحملات السياسية والفساد. أفضل مواجهتهم والوقوف في وجههم، وبدلا من الاستسلام للابتزاز، قررت أن أنشر ما أرسلوه بالضبط، رغم التكلفة الشخصية والإحراج”.

أمريكياً رائج بحسب ما هو مرصود استخدام الابتزاز مع السياسيين ولازال سيل من اتهامات بالتحرش الجنسي يهدد مستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وآخرها تلقي القضاء بلوس أنجليس شكوى ضد الرئيس الأمريكي لعلاقة جنسية مع عارضة بمجلة “بلاي بوي”، وذلك بعد أسبوعين من قيام ممثلة أفلام إباحية بالشكوى للسماح لها بالحديث عن علاقتها بترامب.

كما كان من أبرز وقائع الابتزاز تاريخيا استهداف عائلة كينيدى ، على خلفية العلاقة بين بطلة الأفلام الإباحية الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو والرئيس الأمريكي الأكثر شعبية جون كينيدي والتي وصلت إلى أنها كانت على اتصال بكل من جون وشقيقه روبرت، وبدأت فى ابتزاز العائلة الرئاسية وهددت بفضح علاقتها معها.

وفي هذا الإطار راج تدخل اللوبي الصهيوني في فضيحة (بيل كلينتون ومونيكا) حيث كانت مونيكا متدربة في البيت الأبيض وقامت بينها وبين الرئيس كلينتون علاقة جنسية قصيرة الأمد وأثارت ضجة كبيرة كادت تطيح بالرئيس الأمريكي وقتها ، واستمرت ورقة ابتزاز في يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية في مواجهة هيلاري كلينتون.

المساومات لا تتوقف!

الابتزاز لا لون له ولا موقع ، وورد اسم “المخابرات الصهيونية” مطلع شهر فبراير الجاري  في التورط في بث فيديو غير لائق منسوبا إلى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية الفلسطينية طلال أبو ظريفة.

 

وقال نشطاء أنه قد سبق وأن تم ابتزاز أبو ظريفة عليه، ورجح ناشط فلسطيني يدعى أحمد شعبان أن يكون من قام بتسريب فيديو أبو ظريفة ضباط الموساد الإسرائيلي أو من ينوب عنهم مؤكدا أنه في كل الأحوال من غير المقبول تسجيل فيديو لشخص وابتزازه.

وفي أكتوبر 2018  كشف وزير الشؤون الداخلية في جنوب أفريقيا، مالوسي جيجابا، عن أن لقطات جنسية خاصة له تسربت بعد اختراق هاتفه وإنه تعرض للابتزاز لهذا السبب عندما كان يتولى منصب وزير المالية.

وأوضح جيجابا على حسابه الرسمي في “تويتر”:  “علمنا أنا وزوجتي بكل أسف وحزن أن فيديو يحتوي على مواد ذات طبيعة جنسية، وكان للاستخدام الخاص فحسب، سُرق عندما جرى اختراق هاتفي. وتم تداوله وسط شخصيات سياسية معينة”، مضيفا أن “الفيديو محور عدد من محاولات الابتزاز والاستغلال تعود إلى الفترة التي أعقبت للتو تعييني وزيرا للمالية في 31 مارس 2017 و رفضت الإذعان لها جميعا”.

البرلمان العراقي لم يكن بمنأى عن ظاهرة الابتزاز بواسطة الفضائح الجنسية، إذ كشفت عضو لجنة المرأة ريزان شيخ دلير في تصريحات لموقع بغداد اليوم في العام 2017 عن أن بعض السياسيين قاموا بـ”فبركة صور إباحية لنائبات في البرلمان لغرض التشهير والابتزاز السياسي”.

الإطاحة دائما !

واستخدمت الفضائح الجنسية كسلاح عموما في المباريات السياسية الخشنة في أكثر من دولة ، وتسببت بحسب المراقبين في أزمات كبيرة لشخصيات عديدة حيث ساهمت في الإطاحة بهم في نهاية المطاف سواء كانت عبر التلفيق أو عبر وقائع حقيقية.

ويبرز في سياق تصفية الحسابات القديمة الزعيم الماليزي أنور إبراهيم ورئيس الحكومة آنذاك والحالي مهاتير محمد، حيث فبركت في العام 1998 اتهامات لإبراهيم باللواط والفساد بعد استقالته من منصبه كنائب لرئيس الوزراء وقتها إثر خلاف مع “مهاتير” ثم أمضى سنوات في السجن قبل العفو والخروج مجددا ليتحالف مع خصمه القديم بعد اعتذاره.

لكن من أبرز المدانين قضائيا في هذا الشأن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني والذي لاحقته علاقاته الجنسية بشكل درامي وسيء وقد حوكم بيرلسكوني عام 2013 وأصدرت محكمة إيطالية الحكم عليه بالسجن سبع سنوات ومنعته من تولي أية مناصب سياسية مدى الحياة بسبب اتهامه بممارسة الدعارة مع قاصرة مغربية تدعى كريمة المحروقي وإساءة استعمال السلطة ، وكذلك الرئيس الصهيوني الأسبق موشيه كاتساف الذي أمضى 7 سنوات بالسجن بسبب إدانته بجريمة اغتصاب اثنتين من مساعداته ، ليكون سلاح الفضائح الجنسية الضربة القاضية لكثيرين من ساسة العالم.