العدسة – منصور عطية
يبدو أن التوترات الأخيرة في إثيوبيا على خلفية الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء لن تكون في صالحها فيما يتعلق بسد النهضة الذي شارف على الانتهاء، وسط حالة ترقب تعيشها مصر على المستويين السياسي والشعبي.
فإلى أي مدى يمكن أن يستغل طرفا أزمة السد التطورات الأخيرة لصالح كل منهما، وكيف يمكن للوضع الحالي أن يؤثر في مستقبل الأزمة؟.
مصر تترقب توترات إثيوبيا
في الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد 18 فبراير الجاري، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا أكدت فيه أنها تلقت إخطارًا بتأجيل الاجتماع الوزاري الثلاثي الخاص بسد النهضة، بناء على طلب من إثيوبيا للجانب السوداني.
المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم الوزارة قال في البيان: “إنه مع إدراكنا للظروف التي ربما دفعت إثيوبيا لطلب تأجيل الاجتماع، والتي نأمل أن تزول في أقرب فرصة، إلا أننا نتطلع لأن يتم الالتزام بالإطار الزمني الذي حدده القادة لحسم الخلافات الفنية القائمة”.
وتابع البيان: “لاسيما وأن قضية سد النهضة تمس مصالح شعوب الدول الثلاث، وأن التنفيذ الدقيق لتكليفات القادة يقضي باعتبار مصالح شعوب الدول الثلاث مصلحة لدولة واحدة وشعب واحد، الأمر الذي يقتضي التحرك العاجل للتوصل الي حلول تحفظ مصالح الجميع”.
وكان مقررًا انعقاد اجتماع يومي ٢٤ و٢٥ فبراير الجاري بالخرطوم، بمشاركة وزراء الخارجية والمياه ورؤساء أجهزة الاستخبارات في الدول الثلاث، لبحث أزمة “سد النهضة”، إلا أن إثيوبيا تعيش أزمة سياسية بعد استقالة رئيس الوزراء “هايلي ميريام ديسالين”.
وأُعلنَت قبل يومين حالة الطوارئ في إثيوبيا، بعد يوم واحد فقط من استقالة رئيس الوزراء، وقال بيان صادر عن الإذاعة الرسمية، إن هذه الخطوة ضرورية لوقف موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
تطورات متلاحقة
وكانت الأسابيع الماضية قد شهدت موجة من التطورات المتلاحقة بشأن أزمة سد النهضة، كان آخرها على لسان لرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي أكد أنه لا توجد أزمات بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا فيما يخص هذا الملف.
وقال في تصريحات أعقبت القمة الثلاثية، التي عقدت في أديس أبابا أواخر يناير الماضي: “لن يحدث أي ضرر لمواطني أي دولة من الدول الثلاث فيما يتعلق بقضية المياه.. نحن نتحدث كدولة واحدة وكصوت واحد”.
وردًّا على سؤال أحد الصحفيين عما إذا كانت أزمة سد النهضة قد انتهت، أجاب السيسي: “لم تكن هناك أزمة من الأساس”.
وفي وقت سابق من الشهر نفسه، نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن “ديسالين” قوله، إن بلاده لا تقبل طلب مصر ضم البنك الدولي للتحكيم في مباحثات آثار سد النهضة الإثيوبي على جريان نهر النيل.
اللافت، أن تلك الرسالة السلبية جاءت في أعقاب رسالة إيجابية وجهها السيسي لأديس أبابا قبلها بأيام فقط، حيث أكد في كلمته لدى افتتاحه عددًا من المشروعات التنموية بمدينة السادات في المنوفية، أن مصر “لن تحارب أشقاءها أبدًا”.
وأتبع تلك العبارة بقوله: “أقول للأشقاء في السودان وإثيوبيا، إن مصر لا تتآمر ولا تتدخل في شؤون أحد، ونحن حريصون على علاقتنا الطيبة، ويكفي ما شهدته المنطقة خلال الأعوام الماضية”.
في ملعب إثيوبيا
ولعل محاولة البحث في توقعات سير الأزمة السياسية على الجانب الإثيوبي لا تخرج عن سيناريوهات ثلاثة: أولها، أن يبقى الحال كما هو عليه، أي الاستمرار في خطى متسارعة لاستكمال بناء السد وتشغيله، وفق ما هو مقرر مسبقا من جانب، ومواصلة استخدام سياسة المماطلة ضد مصر بهدف كسب الوقت لإنجاز المشروع من جانب آخر.
السيناريو الثاني، يشير إلى تأثيرات سلبية يمكن أن تلعبها الأزمة السياسية التي تضرب البلاد ضد سد النهضة، بحيث يتأخر اختيار رئيس وزراء جديد، وتستمر حالة الطوارئ؛ الأمر الذي من شأنه عرقلة بناء السد، ولو بشكل مؤقت.
أما السيناريو الثالث، فيقود إلى نجاح إثيوبي في استغلال أزمة البلاد السياسية لصالح تسارع بناء السد وتشغيله، استثمارا لتلك الأزمة، ولعل طلب تأجيل الاجتماع الثلاثي الذي كان مقررا في أديس أبابا يصب في الإطار ذاته.
وتبدو إثيوبيا في هذا السياق قادرة على كسب مزيد من الوقت، ربما لم يكن متوفرا في الظروف العادية، تحت غطاء الأزمة السياسية، بما يمكنها ربما من إنجاز خطوات على الأرض، تضع مصر أمام الأمر الواقع في المستقبل القريب.
سيناريوهات مصرية متوقعة
في المقابل، فإن الخيارات المصرية للتعامل مع أزمة سد النهضة لصالحها -وفق المعطيات الجديدة التي يوفرها الوضع السياسي الإثيوبي- تبدو محدودة للغاية.
بيان الخارجية سالف الذكر، ألمح إلى إصرار مصري على ضرورة وضع حل سريع لقضية السد، رغم تفهم القاهرة لما آلت إليه الأمور في أديس أبابا، عبر تطلعها “لأن يتم الالتزام بالإطار الزمني الذي حدده القادة لحسم الخلافات الفنية القائمة”.
وبناء عليه؛ فإن السيناريو الأول المتوقع بالنسبة لمصر، يقف عند حدود الاستمرار في البحث عن وسائل سياسية ودبلوماسية للخروج من المأزق الحالي، أي ما يعني تلقائيا الاستمرار في خسارة الوقت الذي لا يصب في صالحها.
ولعل الجدل الدائر عن احتمالية توجيه ضربة عسكرية تقضي على سد النهضة، يتجدد في الوضع الحالي، حتى ولو كانت المؤشرات القادمة من القاهرة تشير إلى عكس ذلك.
الحديث بعد عدة أشهر على صدور تقرير بريطاني، كشف النقاب عن حالة استنفار في صفوف القوات المسلحة الإثيوبية والسودانية، بعد تداول تقارير عن نوايا مصرية لضرب السد.
موقع “ميدل إيست مونيتور” نقل حينها عن مصادر استخبارتية وأمنية سودانية، قولها: إن “هناك حالة استنفار من قبل القوات العسكرية في السودان وإثيوبيا على حدود البلدين، لوصول أنباء لها باستعداد مصر للقيام بهجوم محتمل على سد النهضة في إثيوبيا”.
وقبلها أفادت تقارير إعلامية، بأن مصر تُجري اتفاقًا سريًّا مع إريتريا لتأسيس قاعدة بحرية على جزيرة “نورا” في البحر الأحمر، الأمر الذي أثار مخاوف إثيوبيا من شن القاهرة لضربة عسكرية تدمر سد النهضة.
وجدير بالذكر أنه في مارس الماضي تصدت أديس أبابا لهجوم مسلح استهدف السد، شنته مجموعة مسلحة تابعة للمعارضة الإثيوبية.
تلك المعارضة التي سبق وأن اتهمت إثيوبيا مصر رسميًّا بدعمها، وفي مقدمتها “جبهة تحرير الأورومو” المعارضة المسلحة، والتي يتمتع أعضاؤها ومناصروها بتواجد علني في القاهرة.
فهل يمكن أن تشجع التوترات الإثيوبية الداخلية مصر على تحركات مخابراتية أو عسكرية محدودة، بهدف إشعال الوضع هناك، أو تقديم المزيد من الدعم للمعارضة المسلحة للهدف ذاته؟.
اضف تعليقا