العدسة: محمد العربي
قرارات أمريكية متسارعة تجاه القضية الفلسطينية شهدتها الأيام الماضية، بعضها كان متعلقا بعموم الشعب الفلسطيني وخاصة اللاجئين منهم، وهو قرار الإدارة الأمريكية بوقف دعم منظمة الأونروا الخاصة بشئون اللاجئين الفلسطينيين، أما القرار الثاني، فكان موجها لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تحديدا، وهو القرار المتعلق بغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهو ما يمثل ورقة هامة تمارس بها الإدارة الأمريكية ضغوطها علي عباس وفريقه.
ورغم أن التصعيد تزامن مع تزايد الحديث عن إتمام صفقة القرن، إلا ان هناك قراءات متعددة بعضها يتحدث عن أنها رد فعل أمريكي علي خطوة الشكوي التي قدمتها السلطة الفلسطينية للمحاكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، والبعض الآخر يتحدث عن أنها محاولة لطي صفحة محمود عباس الذي يرفض أن يكون وجوده شكليا في المفاوضات التي تجريها القاهرة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي لإقرار هدنة طويلة، تنهي الحصار علي قطاع غزة.
وهناك رأي ثالث يري أن التصعيد الأمريكي يهدف في الأساس لإحداث تغيير في منظومة السلطة الفلسطينية، مدعومة برغبة مصرية وإماراتية لإزاحة محمود عباس وتولي محمد دحلان رجل إسرائيل القوي مقاليد السلطة.
ردود أفعال
أصل الحكاية يعود لإعلان السلطة الفلسطينية الاسبوع الماضي عن تقديمها شكوي رسمية للمحكمة الجنائية الدولية عن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني والتي كان آخرها القرار الإسرائيلي الخاص بهدم قرية الخان الأحمر.
من جانبه علق صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر الصحفي الذي عقده الثلاثاء 11 سبتمبر الجاري علي القرارات الأمريكية الأخيرة سواء المتعلقة بوقف دعمها للأنروا، أو غلق مكتب المنظمة في واشنطن، علق مؤكدا أن “الإدارة الأمريكية عزلت نفسها من رعاية عملية السلام، نتيجة قراراتها المنحازة لإسرائيل”.
وأكد عريقات أن “المسائل بعد هذه القرارات لن تكون كما كانت قبلها، ونقوم بإجراء مداولات لمواجهة قرارات الإدارة الأمريكية الأخيرة”، مشيرا إلي أن “حكومة ترامب تنتفض وتهدد قضاة المحكمة الجنائية الدولية، وتعاقب الفلسطينيين بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتهدد من يساعد المحكمة الجنائية”.
وأضاف عريقات أن منظمة التحرير تقدمت بشكوى رسمية للمدعية العامة في المحكمة الجنائية بشأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن الشكوى تضمنت “تحمل المدعية العامة مسؤولياتها المباشرة في التحقيق في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية”، مؤكدا أنه بناء على طلب من الضحايا، “نطالب المدعية العامة، بإتاحة الفرصة بلقاء يجمعها معهم، لشرح ما يحدث في الخان الأحمر شرقي القدس، والذي أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا بهدمه وتشريد سكانه بداية الشهر الحالي”.
وأكد عريقات أن البلاغ الذي قدمته السلطة أشار إلى أهمية قيام المدعية العامة بإصدار تحذير لإسرائيل لمنع هدم وتهجير وتشريد سكان الخان الأحمر قسريا، مشيرا إلي إن المساس بالخان الأحمر يندرج ضمن جرائم الحرب، والسياسات الإسرائيلية الممنهجة وواسعة النطاق لتهجير السكان والتطهير العرقي.
وعلي صعيد جامعة الدول العربية التي شهدت اجتماعا لوزراء خارجية الدول العربية العربية ظهر الثلاثاء 11 سبتمر الجاري، فإنها اعتبرت قرار الإدارة الأمريكية بإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن يأتي في إطار هدف تصفية القضية الفلسطينية وإفراغها من مضمونها.
وأكدت الجامعة في بيانها أن الإدارة الأمريكية الحالية منذ إعلانها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، ونقل مقر سفارتها إلى القدس في مايو الماضي، تكشف عن انحياز كامل للأجندة الإسرائيلي، وأن جميع الإجراءات الأخيرة، مثل قطع التمويل عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ووقف المساعدات المقدمة للجانب الفلسطيني، تهدف لتطويع الإرادة الفلسطينية، وهو توجهٌ يعكس قراءةً خاطئة.
واعتبرت الجامعة العربية أن الانتقادات التي توجه للفلسطينيين بالتعنت والتصلب، أو رفض المبادرات والحلول المعروضة عليهم ليس لها أي أساس منطقي؛ إذ لم يُعرض على الجانب الفلسطيني إلى الآن أي اقتراحات ذات معالم محددة، أو خطط للحل يُمكن النقاش حولها، قبولا أو رفضا”.
عرفات جديد
وفي مقال له عن القرارات الأمريكية أكد الكاتب الصحفي توم روجان في مقال له بمجلة “واشنطن إكزامينر” الأمريكية أن “إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية يضر بالمصالح الأمريكية وعملية السلام”، مؤكدا أن “الإدارة الأمريكية أخطأت بإغلاقها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، التي تعتبر بمثابة السفارة الفلسطينية التي تخدم مصالحهم في أمريكا”.
وأشار الكاتب الأمريكي أن “المحكمة الجنائية الدولية منظمة معادية لإسرائيل وللولايات المتحدة، وتعمل مع منظمات أخرى حول القضايا التي تهاجمهم، إلا أن إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لا يضر بالمحكمة الجنائية الدولية، كما أن إغلاق هذا المكتب لا يقدم شيئًا في عمليات السلام، ولكنها “تُقوي متعصبين آخرين مثل حماس”، حسب وصفه.
وطبقا للكاتب الأمريكي فإن بلاده بقراراتها الأخيرة أنهت كل تمثيل للفلسطينيين في واشنطن، عدا الموجود في الأمم المتحدة، وهو ما يجعل يجعل من الصعب على قادة فتح باعتبارهم الفصيل الرئيسي المؤسس بمنظمة التحرير الفلسطينية، التعاون مع الولايات المتحدة، وإذا ما فعلوا ذلك سيجعلهم عرضة للنقد الشديد ووصفهم بـ”الخائنين”.
ويتساءل روجان: “إذا ما وضعنا في الاعتبار صحة أبو مازن المتدهورة ومصداقيته المتناقصة، فهل تريد الولايات المتحدة أن يعمل خليفة “أبو مازن” مع الولايات المتحدة وإسرائيل؟ أم تريد متشددًا يعمل بشكل أقرب مع حماس؟ أم فاسدًا سياسيًا مثل ياسر عرفات الذي يعمل مع الجميع وضد الجميع في نفس الوقت؟”.
فتش عن ابن زايد
ويشير عدد من الباحثين في الشئون العربية والصراع مع إسرائيل أن هناك أطرافا عربية تدعم الموقف الأمريكي من أجل التخلص من أبو مازن، خاصة وأن الأخير بات مزعجا ورافضا لكل الخطوات التي من شأنها وضع اللمسات الأخيرة لصفقة القرن.
وطبقا لهذا الفريق فإن القاهرة ومن خلال رئيس الإنقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، تري أن محمود عباس يقف عائقا أمام تحقيق مكسب سياسي للقاهرة، بعد رفضه الخطة المصرية لإنهاء الانقسام الفليسطيني من جانب، واقرار هدنة بين المقاومة والاحتلال من جانب آخر، وهو الموقف الذي تعتبره القاهرة مرتبطا برغبة أبو مازن بكسر العزلة المفروضة عليه، وأن يكون هو صاحب المشهد في أي اتفاق وليس حركة حماس أو غيرها.
ويري الخبراء أن موقف القاهرة يتناغم مع موقف محمد بن زايد رجل إسرائيل القوي في المنطقة، والذي يتخذ من العدو الأول لمحمود عباس مستشارا هاما له وهو محمد دحلان، ولذلك فإن يد بن زايد في الضغط علي السلطة الفلسطينية للتخلي عن عباس موجودة بقوة في القرارات الأمريكية الأخيرة.
وانطلاقا من ذلك فإن القاهرة وأبو ظبي يمهدان الأرض لتولي دحلان مسئولية السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، في إعادة واضحة للسيناريو التي قامت به القاهرة في الأيام الأخيرة لياسر عرفات، عندما شاركت في تضييق الخناق عليه لصالح محمود عباس التي كانت تراه إسرائيل رجلها داخل منظمة التحرير.
ويستدل أصحاب هذا الرأي بأنها ليست المرة الأولي التي تهدد فيها الإدارة الأمريكية بغلق مكتب منظمة التحرير، حيث سبق لها أن اتخذت نفس الموقف في نوفمبر 2017، ولكنها لم تنفذه.
وتشير التحليلات كذلك إلي أن الخطوة الأمريكية ليست مرتبطة بالشكوي الفلسطينية للمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل، وإنما مرتبطة بالضغط علي عباس للقبول بالرؤية الأمريكية المتعلقة بالقضية الفسطينية، وهي بهذا الضغط إما أن تحقق نجاحا في إجبار عباس بالقبول بالصفقة، أو أن الضغط سيكون سببا في إزاحته خاصة في ظل زيادة عدم القبول الدولي والإقليمي لعباس الذي يستخدم القضية الفلسطينية كورقة للبقاء والوجود في منصبه.
اضف تعليقا