العدسة – معتز أشرف
في تحدٍّ لكافة ظروف القمع الأمني والملاحقة الأمنية للحقوقيين ومنظماتهم في مصر، صدرت 3 تقارير حقوقية جديدة وموثقة فضحت -برصد ميداني- استمرار صعود مستوى الانتهاكات في مصر مع بداية الولاية الثانية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والتي كشفت عن استمرار نفس المنهجية القمعية التي سيطرت على الولاية الأولى له في مواجهة المصريين -بحسب وصف مراقبين وحقوقيين- وهو ما نرصد مظاهر جديدة فيه عبر هذه التقارير تصدرت فيه محافظة الشرقية مسقط رأس الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد كافة الانتهاكات.
تعذيب حتى الموت
في تقرير منظمة “كوميتي فور چستس”، الذي وصل (العدسة)، عن الانتهاكات في مقار الاحتجاز بمصر عن شهري مارس وأبريل 2018، فصول جديدة من رواية القهر المستمرة في السجون وأقسام الشرطة، حيث خلصت النتائج التي توصل لها التقرير إلى أنه تم رصد 135 حالة من الانتهاكات في أماكن الاحتجاز، في مارس 2018، فيما شهد أبريل 2018، تسجيل 163 حالة من الانتهاكات، ومن أصل 135 حالة في مارس، تم رصد ما مجموعه 103 حالة اختفاء قسري (76.2٪ من الانتهاكات المرصودة في مارس 2018)، فيما كان الإهمال الطبي هو ثاني أكثر الانتهاكات تكرارًا، حيث تم الإبلاغ عن 16 حالة (11.8٪ من الانتهاكات المرصودة)، ثم عمليات القتل خارج نطاق القضاء مع 11 حالة مبلغ عنها (8.1 ٪)، وأخيرًا، التعذيب مع 5 حالات مبلغ عنها بنسبة 3.7 ٪، وفي مارس 2018 كذلك عانى 22 طالبًا من انتهاكات حقوق الإنسان، حيث عانى 2 من الاعتقالات التعسفية، و18 تعرضوا للاختفاء القسري واثنين آخرين من انتهاكات أخرى.
ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ مسقط رأس الرئيس المعتقل الدكتور محمد مرسي، تصدرت ملف الانتهاكات بحسب المنظمة، حيث وقع 27 ﺣﺎدث اﺧﺘﻔﺎء ﻗﺴﺮي ﺑﻨﺴﺒﺔ 26.2٪ ﻣﻦ إﺟﻤﺎﻟﻲ اﻟﺤﺎﻻت اﻟﻤﺒﻠﻎ ﻋﻨﻬﺎ، كما رصدنا 11 حالة وفاة في مارس 2018، بسبب عمليات القتل خارج نطاق القضاء، سواء داخل أماكن الاحتجاز أو بعد الاختفاء القسري، وبمراقبة 5 حالات وفاة بسبب الإهمال الطبي في الاحتجاز في مارس 2018، تبين أن اثنين من الوفيات وقعت في سجن المنيا شديد الحراسة، الذي يواصل الاتجاه المزعج لارتفاع عدد الوفيات في السجن منذ بدأنا بمراقبة مراكز الاحتجاز في يناير 2017.
أما في أبريل 2018، تم بحسب المنظمة رصد 134 حالة من حالات الاختفاء القسري (82.2 ٪ من الانتهاكات المرصودة في أبريل 2018)، فيما كان الإهمال الطبي هو ثاني أكثر الانتهاكات تكرارًا حيث تم الإبلاغ عن 17 حالة تصل إلى 10.4٪ من الانتهاكات المرصودة، تبعتها عمليات القتل خارج نطاق القضاء مع 8 حالات بنسبة 4.9 ٪، والتعذيب مع 4 حالات بنسبة 2.4٪ من جميع الحالات المبلغ عنها، ﺗﺒﻠﻎ أﻋﻠﻰ ﺣﺎﻻت اﻻﺧﺘﻔﺎء اﻟﻘﺴﺮي ﻓﻲ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ اﻟﺸﺮﻗﻴﺔ 41 حالة اعتقال واختفاء (30.5٪)، أي ﻣﺎ ﻳﻘﺮب ﻣﻦ ﺿﻌﻒ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ القاهرة اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺒﻊ 21 ﺣﺎﻟﺔ ﺑﻨﺴﺒﺔ 15.6٪.
ورصدت “كوميتي فور چستس” 8 حالات وفاة في أماكن الاحتجاز في مصر بسبب الإهمال الطبي في أبريل 2018، حيث وقعت 5 من حالات القتل في مراكز الشرطة، في حين وقعت واحدة من الوفيات في سجن المنيا شديد الحراسة، ويعني ذلك أنه في غضون شهرين، كان سجن المنيا شديد الحراسة قد قُتل فيه ثلاثة محتجزين بسبب الإهمال الطبي وعدم توافر العلاج.
وفي أبريل 2018، عانى 14 طالبًا من انتهاكات حقوق الإنسان، حيث عانى 13 طالبًا من الاختفاء القسري، وتعرض واحد منهم لحبس انفرادي، ومن بين الطلاب الأربعة عشر، هناك 5 طلاب من طلاب المدارس الثانوية بينما الطلاب الآخرون هم طلاب جامعيون، وقام باحثو “كوميتي فور چستس” بتوثيق 34 حالة من الانتهاكات التي استهدفت 28 معتقلاً في بعض مراكز الاحتجاز، في مارس وأبريل من عام 2018، وشكل الاختفاء القسري المخالفة رقم واحد مع 50٪ من جميع الانتهاكات الموثقة، يليها الاعتقال التعسفي الذي يشكل 29.4٪ من مجموع الانتهاكات الموثقة، فيما تعرض 26 معتقلًا من أصل 28 شخصًا للاختفاء القسري (92.8٪ من جميع حالات المعتقلين التي تم التحقق منها) وكانت أكثر الفئات العمرية المستهدفة هي الشباب خلال سنوات مراهقتهم وعشرينياتهم، وتتبع هذه المجموعة بشكل متساو الجيل الأقدم (في الثلاثينات والأربعينات)، وكبار السن (فوق سن الخمسين)، فيما كان معظم المحتجزين (22 من أصل 28 معتقلًا أو ما نسبته 78.5% من جميع قضايا المحتجزين الذين تم التحقق من صحتهم) لا يقضون حكمًا ضدهم ولكنهم رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة.
مسقط رأس “مرسي” يتصدر!
وبحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريات التي لازال مديرها التنفيذي عزت غنيم، رهن الحبس التعسفي، تم رصد استمرار الانتهاكات الحقوقية في مصر منذ يوم 12 مايو وحتى 18 مايو 2018، ووثق باحثو التنسيقية 26 حالة انتهاك لحقوق الإنسان في مصر، تنوعت ما بين 24 حالة اعتقال تعسفي أبرزها اعتقال المحامي اليساري والحقوقي “هيثم محمدين” من منزله بالجيزة، فضلًا عن الإخفاء قسري، والإهمال الطبي، وانتهاكات السجون.
الشرقية، مسقط رأس ” محمد مرسي”، كانت الأعلى أيضًا في الانتهاكات، حيث رصدت التنسيقية المصرية في الأسبوع الماضي (24) حالة اعتقال تعسفي وإخفاء قسري، وقد احتلت محافظة الشرقية العدد الأكبر من حيث حالات الإخفاء القسري والاعتقال، بعدد (11) حالة، ثم تأتي بقية المحافظات، فيما تواصلت معاناة المعتقلين من الإهمال الطبي المتعمد داخل مقار احتجازهم، والذي يمثل خرقًا واضحًا للقوانين الدولية والمحلية، حيث إن الدستور المصري أوجب في مادته رقم (18) “حصول كل شخص على الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة دون استثناء السجناء من ذلك”، وهو ما قامت الأجهزة الأمنية بتجاهله وعدم الالتزام به، وأشارت التنسيقية إلى أن الإهمال الطبي يهدد حياة “محمد عنتر” بسجن الزقازيق، حيث إنه مصاب بزيادة شحنات الكهرباء نتيجة تعرضه للتعذيب أثناء فترة إخفائه قسرًا بمقر الأمن الوطني، وفي إطار رصد التنسيقية المصرية لانتهاكات السجون، رصدت تصاعد الانتهاكات بحق 19 معتقلًا بعد ترحيلهم لسجن (طرة تحقيق)، وذلك يوم 8 مايو، دون أية أسباب معلنة.
الاختفاء القسري
منظمة “السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان – SPH” في ذات السياق أصدرت تقريرًا يرصد حالة الاختفاء القسري التي يتعرض لها الشاب المصري أنس البلتاجي بعنوان “أنس فين؟”، موضحة أن هذا الشاب ينكِّلَ به نكاية في والده، الدكتور محمد البلتاجي، القيادي البارز في ثورة يناير، بُغية الانتقام السياسي من قبل النظام الحالي ممن كان مُشاركًا ومؤثرًا في ثورة 25 يناير 2011، فيما أشارت المنظمة في تقريرها إلى أن أنس البلتاجي أُدين باتهاماتٍ وجرائمَ طوال أربع سنوات مضت، ولُفقت له (أربع) قضايا جنائية، انتهى بهم المطاف جميعًا ببراءة تامةٍ من كل الاتهامات في جميع القضايا، ومع ذلك لم يتوقف النظام عن التنكيل به وبأسرته، فلم يتم إخلاء سبيله حتى الآن، بل وتم إخفاؤه قسريًّا بعد آخر حكم بالبراءة له، حيث انقطعت سُبل التواصل معه منذ 12 أبريل 2018، وحتى الآن، من قسم شرطة مدينة نصر أول بمحافظة القاهرة.
وأوضحت المنظمة أن هناك الكثير من النصوص الدولية التي وضعت مفهوم الاختفاء القسري وجرمته، إلا أنَّ الدستور المصري، لم يضع تحديدًا واضحًا لمصطلح الاختفاء القسري، وأشار فقط لتجريم التعدي على الحرية الشخصية، وتبعته في ذلك القوانين المصرية، فلم يرد ذكر لتلك الجريمة بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ في أيٍ من نصوص أي قانون، مشددة على أن هذه الجريمة الآن باتت سلاحًا مستخدمًا في أيدي السلطات المصرية بلا أدنى تورع، فبشكل يومي تسجل حالات اختفاء قسري لمعارضين مصريين، بعضهم يظهر بعد فترات متفاوتة لحسن طالعه، والآخر يلقى مصير الموت أو المجهول، وما حالة “أنس البلتاجي” إلا نموذج مُصغر لعشرات ومئات الحالات، التي تتعرض لنفس الانتهاك ونفس الجريمة، في انتظار معرفة مصير جيل بأكمله.
وفي توصياتها، طالبت المنظمة السلطات المصرية بسرعة إجلاء مصير “أنس البلتاجي”، وتنفيذ الأوامر القضائية التبعية بإخلاء سبيله، بعدما حصل على أحكامٍ بالبراءة في كافة القضايا التي لُفقت له، وسرعة إجلاء مصير كافة الحالات التي تتعرض للاختفاء القسري في مصر، والتوقف (التام) عن تلك الجريمة، باعتبارها من الجرائم ضد الإنسانية التي “لا تسقط بالتقادم”، والتزام السلطات المصرية بكافة المواثيق الدولية التي صدقت عليها، فضلًا عن الالتزام بنص الدستور المصري والقوانين المعنية في هذا الشأن، ولكن يبدو أن توصيات المنظمات الحقوقية ستذهب أدراج الرياح في ظل بقاء السيسي في سدة القرار، وعلي هذا أجمع المراقبون.
اضف تعليقا