دعوى ابتزاز ” بيزوس” ضد “ناشونال إنكويرر” تكشف وجود يد لبن سلمان في التلاعب بالتغطية الإعلامية الغربية للمملكة العربية السعودية
إن الإدانة الدولية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية بعد مقتل جمال خاشقجي دفعها بلا شك إلى محاربة تلك الصورة السلبية التي تكونت لها في الصحافة.
ربما كان ذلك أحد أهم الأسباب التي دفعت الرياض لاختراق هاتف “جيف بيزوس” مالك صحيفة “واشنطن بوست” التي انتقدت بن سلمان بصورة مباشرة.
بعد إعلان “بيزوس” عن طلاقه في أوائل شهر يناير/كانون الثاني الماضي، قامت صحيفة “ناشونال “إنكويرر” بنشر تفاصيل حول علاقة خارج إطار الزواج تربط “بيزوس” بامرأة أخرى، وبعد شهر من ذلك كشف “بيزوس” أنه كان هدفاً للابتزاز والتشهير من قِبل “ناشونال “إنكويرر” وشركتها الأم “أميريكان ميديا”، واتهم المملكة العربية السعودية بالتدبير لذلك الابتزاز.
تم تكليف غافن دي بيكر -المستشار الأمني لبيزوس منذ فترة طويلة- بالتحقيق في الأمر، وبإصداره النتائج التي توصل إليها في أواخر مارس/آذار الماضي تأكد تورط السعودية في عملية الابتزازز، وكشف بيكر بثقة عالية أن “السعوديين تمكنوا من الوصول إلى هاتف بيزوس”.
كجزء من تحقيقه، أجرى بيكر مقابلات مع المديرين التنفيذيين السابقين لشركة “أميريكان ميديا”، وخبراء في المخابرات بالشرق الأوسط، ومع معارضين سعوديين وأيضاً مخبرين، وكذلك مع مستشارين حاليين وسابقين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. تحقيقات بيكر دعمت ادعاء “بيزوس” بأن محمد بن سلمان “ام بي اس” ينظر إلى “واشنطن بوست” كعدو.
أشار بيكر في تحقيقاته إلى أن الابتزاز جاء كنتيجة للتغطية الدقيقة والحساسة التي قامت بها “واشنطن بوست” لعملية الاغتيال التي تمت في 2018 بإسطنبول لأحد الصحفيين العاملين بها، وهو الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وعلى الرغم من مغازلاته الدائمة لوسائل الإعلام الغربي لتصنيفه بأنه أحد المجددين في العصر الحديث، فإن تورط بن سلمان في عملية اغتيال خاشقجي منع العديد من شركات العلاقات العامة الأوروبية والأمريكية من التعامل معه.
وكلاء الابتزاز السعودي
تعمل السعودية على تسليح منصات التواصل الاجتماعي لإخراس منتقديها منذ بداية الربيع العربي -إن لم يكن قبل ذلك- إلا أنها قامت بتكثيف جهودها في هذا الشأن في الفترة الأخيرة رغم الإدانات الدولية المتزايدة لسلسة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها السعودية مؤخراً.
ولأجل هذا، ولأجل أهداف بن سلمان في إخفاء أي صورة للنقد، وإظهار الرواية التي تتبناها المملكة فقط، تم انقاق مليارات الدولارات، والضغط على الصحف، وتوظيف متخصصين في وسائل التواصل الاجتماعي.
في السابع من فبراير/شباط الماضي كشف “بيزوس” أن صحيفة “ناشيونال انكويرر” وشركتها الأم “أميريكان ميديا” قامتا بتهديده بنشر صور خاصة قام بإرسالها إلى عشيقته في حال لم يقم بإغلاق وسحب التحقيق الخاص الذي فتحه حول كيفية حصول “انكويرر” على تلك الرسائل.
لم يستجب “بيزوس” للتهديدات، بل قام بنشر صورة من رسالة البريد الإليكتروني التي تلقاها من “انكويرر”، طالباً منهم الإدلاء “بتصريحات علنية كاذبة” تفيد بأن تغطية علاقته محل الابتزاز لم تكن “لدوافع سياسية أو موجهة من قوى سياسية معينة”.
الملياردير تحدث عن ملكيته لصحيفة “واشطن بوست” واصفاً إياها بـ “المعقدة”، مشيراً إلى استياء ترامب من الصحيفة بسبب انتقاداتها المستمرة لسياساته في الحكم، وتغطيتها “المتواصلة” لعملية مقتل خاشقجي وتورط بن سلمان- حليف ترامب المزوم- في الأمر.
على الرغم من نفيها مزاعم “بيزوس”، ترددت السعودية في محاربة “بيزوس” مرة أخرى عند قيام الأخير بالاستشهاد بمقال نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز” أكد فيه ولاء ديفيد بيكر -المدير التنفيذي لشركة “أميريكان ميديا” للرياض، وحضوره مأدبة عشاء في البيت الأبيض بحضور ضيف تربطه صلة قوية بابن سلمان.
وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، طلب ديفيد بيكر معلومات من وزارة العدل الأمريكية في 2018 للتسجيل كوكيل أجنبي سعودي، وقبل زيارة بن سلمان للولايات المتحدة العام الماضي، نشرت “أمريكان ميديا” مجلة من عدد خاص من 100 صفحة بعنوان “المملكة الجديدة”، مشيدة ببرنامج بن سلمان “رؤية 2030”.
الاستثمار السعودي في الإعلام الغربي
في عام 2015 كانت وسائل الإعلام الغربية تنتقد السعودية بشدة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الداخل، وتدخلها العسكري في اليمن، إضافة إلى الروابط التي تجمع بينها وبين التطرف.
ومع صعود بن سلمان إلى السلطة في 2016، اعتبرت المملكة الإعلام الغربي أرض خصبة للترويج لخطط الإصلاح وتحسين صورتها.
في الولايات المتحدة، استثمرت السعودية نحو 200 مليون دولار أمريكي في مجموعة بينسكي الإعلامية، وهي شركة ضخمة تنشر لأكثر من 20 علامة تجارية رقمية ومطبوعة، بما فيهم Variety و The Rolling Stone.
المستثمر السعودي سلطان محمد أبو الجدايل -والذي تربطه علاقات وثيقة بالحكومة السعودية- قام بشراء 30٪ من جريدة “الاندبندنت” البريطانية الإليكترونية في 2017. أبو الجدايل يعمل لدى شركة “الأهلي كابيتال”، وهي ذراع الخدمات المصرفية للبنك الوطني التجاري السعودي، أحد أكبر البنوك بالشرق الأوسط. أثارت هذه العلاقة مخاوف بين العاملين في “الاندبندنت” حول المخاطر والتضييقات التي قد تتعرض لها حرية السياسة التحريرية للجريدة، خاصة وهي معروفة باستقلالها السياسي الليبرالي وانتقادها لسياسات المملكة العربية السعودية الخارجية وسجل انتهاكات حقوق الانسان بها.
إيفجيني ليبيديف- مالك “الاندبندنت” منذ 2010، أدلى بتصريحات حول هذا الموضوع بأنه “لم يقلق حول أي تدخل في السياسة التحريرية للجريدة من قبل مساهم بأقلية أو أي شخص آخر”، وأضاف “الصحيفة تتمتع باستقلال في السياسة التحريرية بصورة رسمية بموجب اتفاقية المساهمين المبرمة في 2016″، ثم أكد أن “تغطية الاندبندنت للشرق الأوسط لا تزال جيدة ومستقلة مثل أي منفذ أخبار بريطاني، بل أكثر قوة من معظم تلك المنافذ”.
على الرغم من ذلك، انتشر النفوذ السعودي بعد أن أطلقت “الاندبندنت” نسختها العربية عام 2019، وقامت بتعيين عدوان الأحمري رئيساً للتحرير، وهو أحد الأبواق المؤيدة لبن سلمان. علاوة على ذلك، قام أبو الجدايل بشراء 20٪ من صحيفة “ذا ايفنينج ستاندرد”، والمملوكة أيضاً لإيفجيني ليبيديف منذ أواخر يناير/كانون الثاني 2019.
في محاولة لإقامة “إمبراطورية إعلامية” للتصدي لهيمنة نظيرتها القطرية “الجزيرة”، وبناء محتوى يشيد بالإصلاحات السعودية، سعى بن سلمان لطلب المساعدة من الرئيس التنفيذي لمؤسسة “فايس ميديا” الإعلامية -شين سميث، في أغسطس/آب 2018، إلا أن حادث اغتيال خاشقجي أربك كافة الخطط السعودية، وأجبر المملكة على دفع ملايين الجنيهات لشركات العلاقات العامة البريطانية لدعم وتدشين حملات إعلامية تحاول تحسين صورتها.
تشهد الرياض أكثر من أي وقت مضى انعكاساً سلبياً لصورتها في العناوين الغربية، خاصة بعد مقتل خاشقجي، ما عرقل حلمها في بناء “إمبراطورية إعلامية”. وأصبح من غير المؤكد الآن إن كان بإمكان بن سلمان ضخ ما يكفي المال في الإعلام الغربي للترويج لصورة أكثر إيجابية للمملكة.
في الوقت الراهن، يبدو أن ذلك الهدف أصبح هو الأولوية، قيام السعودية بدفع الكثير من المال للصحافة الصفراء لفضح الحياة الخاصة لمنتقدي بن سلمان، ما يشير إلى اتباع استراتيجية جديدة للتلاعب بروايات الأحداث.
منذ إعلان “بيزوس” الانتهاء من إجراءات طلاقه، ظهرت على الساحة مواد لابتزازه، ما يشير إلى الأضواء الشريرة التي تسلطها السعودية للتأثير على التغطية الإعلامية في الغرب، وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة من جهة، والنفي المستمر من الرياض من جهة أخرى، فإن النتائج الآن في أيدي المسؤولين الفيدراليين الأمريكيين الذين يتابعون التحقيقات في قضية “بيزوس”.
ترجمات الصناديق الزرقاء
إن الإدانة الدولية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية بعد مقتل جمال خاشقجي دفعها بلا شك إلى محاربة تلك الصورة السلبية التي تكونت لها في الصحافة.
في عام 2015 كانت وسائل الإعلام الغربية تنتقد السعودية بشدة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الداخل، وتدخلها العسكري في اليمن، إضافة إلى الروابط التي تجمع بينها وبين التطرف.
تشهد الرياض أكثر من أي وقت مضى انعكاساً سلبياً لصورتها في العناوين الغربية، خاصة بعد مقتل خاشقجي، ما عرقل حلمها في بناء “إمبراطورية إعلامية”.
اضف تعليقا