تشهد تونس حالة من عدم الاستقرار جراء القرارات الأخيرة التي أصدرها الرئيس التونسي، قيس سعيد، والتي يعدها الكثيرون انقلابًا على المسيرة الديمقراطية التونسية، التي يؤسس لها منذ الثورة. حيث أطاح سعيد بهشام المشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون وزارة الداخلية، وتولي الرئيس نفسه رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد يتولى تعيينه بنفسه. كما قرر “سعيد” تجميد كل اختصاصات المجلس الدستوري، ورفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي. وبذلك، تولي الرئيس التونسي إصدار القوانين كما ينص على ذلك الدستور. 

كذلك جاء من ضمن القرارات، إعفاء إبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني، وإعفاء حسناء بن سليمان، الوزيرة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة. وتولي الكتاب العامين أو المكلفين بالشؤون الإدارية والمالية تصريف الأمور الإدارية والمالية في رئاسة الحكومة والوزارات (الدفاع، الداخلية، العدل)، إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد. 

بالإضافة إلى ذلك، تم تعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية لمدة يومين، وفرض حظر للتجول من السابعة مساء إلى السادسة صباحًا من اليوم التالي، حتى الجمعة 27 أغسطس/ آب باستثناء الحالات الصحية الطارئة وأصحاب العمل الليلي. كما تقرر منع حركة الأفراد والمركبات بين المدن خارج أوقات حظر التجول.

وخلال الأيام الأخيرة بدأت الاعتقالات تزيد في صفوف المعارضين، ومنهم برلمانيون. حيث اعتقل النائب التونسي المستقل، ياسين العياري، وتم إيداعه بالسجن المدني بتونس، بسبب تهمة فضفاضة تذكر القارئ بالتهم التي يستخدمها نظام قائد الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، ضد معارضيه. حيث ذكرت وكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات) أن تهمة العياري هي “المشاركة في عمل يرمي إلى تحطيم معنويات الجيش بقصد الإضرار بالدفاع والمس من كرامة الجيش الوطني ومعنوياته”.

كما اعتقل النائب ماهر زيد في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي، حسب ما قال محاميه. وحكم على زيد بالسجن عامين في 2018، بتهمة مشابهة وهي الإساءة إلى الناس على وسائل التواصل الاجتماعي وإهانة الرئيس. وكذلك، خضع 4 أعضاء من حركة النهضة -أكبر أحزاب البرلمان للتحقيق- بشأن الاحتجاجات السلمية التي عارضت تعليق أعمال البرلمان.

قرارات إدارية قابلة للطعن

ويرى قانونيون أن قرارات سعيد ليس نهائية، وأنها ليست محصنة بحكم القانون، ما يعني أن الطعن عليها ممكن دستوريًا. وفي هذا الإطار يقول القاضي التونسي السابق بالمحكمة الإدارية، أحمد الصواب، إن “ما صدر في الرائد (الجريدة) الرسمي هو أمر رئاسي ويعتبر قرارًا إداريًا قابلًا للطعن لدى المحكمة الإدارية”. لكنه استدرك قائلًا: “لكن هذا الأمر الرئاسي صدر وفق الفصل 80 من الدستور التونسي أي وفقًا لظروف استثنائية”.

فوفق تعريف المحكمة الإدارية التونسية لنفسها، فإنها تختص بفض النزاعات الإدارية المتعلقة بالمؤسسات الحكومية، دون التدخل في القرارات السيادية، مثل تلك الصادرة عن الرئاسة.

لذلك فإن القاضي التونسي يرى أنه بإمكان النواب تقديم قضية في الطعن في القرارات، لكن في الوقت نفسه يقول إن الطعون لن تُقبل؛ وذلك لأن المحكمة قد تفسر هذه القرارات بأنها جاءت كجزء مما يسمى “أعمال السيادة”. وفي الوقت نفسه يؤكد الصواب أن “قرار تجميد البرلمان مخالف للدستور لا جدال في ذلك”.

وعلى عكس ما يقوله الصواب، فإن هناك قضية بالفعل قد قدمت إلى المحكمة الإدارية العليا ضد سعيد من قبل الإعلامي التونسي، زياد الهاني، في 29 يوليو/ تموز الماضي. واتهم الهاني فيها الرئيس التونسي بتجاوز السلطة على خلفية قراراته المتعلقة بإعفاء رئيس الحكومة وعددًا من الوزراء. واعتبر الهاني، أن “القرارات الرئاسية تمثل خرقًا للدستور وتجاوزًا للسلطة” التي يعطيها الدستور التونسي للرئيس.

تدمير أركان دولة القانون

وما يؤكد أن المسار القضائي سيكون أحد مسارات معارضة قرار سعيد، هو تصريح النائب عن “ائتلاف الكرامة”، سيف الدين مخلوف، الذي دعا فيه جميع النواب والمحامين والأحزاب والمنظمات والجمعيات، إلى رفع قضايا ضد قرار تعليق أعمال البرلمان، أمام المحكمة الإدارية، واصفًا قرارات سعيد بأنها “ستدمر كل أركان دولة القانون ومبدأ الفصل بين السلط والدولة الديمقراطية، وستؤسس لديكتاتورية دموية سوداء ستقضي على كل مكتسباتنا الحقوقية والسياسية”.

واعتبر البرلماني التونسي أن الفصل 80 من الدستور الذي اعتمده سعيد في قراراته، بأنه “نص إجرائي واضح وصريح ولا يقبل أي تأويل، ولا يعطي لأحد سلطة تعليق أعمال واختصاصات مجلس نواب الشعب، بل يفرض وبصريح النص وبما لا يقبل أي تأويل، أن يبقى بحالة انعقاد دائم”. 

وأردف: “الفصل 80 من الدستور لا يعطي لرئيس الجمهورية صلاحية تمديد العمل بأحكامه، ولا يعطيه صلاحية رفع الحصانة عن أعضاء مجلس نواب الشعب المنتخبين”، مؤكدًا أن “شرعية مجلس نواب الشعب يستمدها من الانتخابات الحرة والنزيهة والديمقراطية، ولا تنتهي إلا بانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية”.

ويتذرع قيس سعيد بالمادة رقم 80 من الدستور التونسي، الخاصة بالإجراءات الاستثنائية. حيث ورد فيها: “لرئيس الجمهورية في حالة خطرٍ داهمٍ مهددٍ لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدّولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشّعب وإعلام رئيس المحكمة الدّستورية، ويعلن عن التّدابير في بيان إلى الشعب”.

لكن كثير من القانونيين يرون أن هذه المادة لا تعطيه الشرعيّة لاتخاذ مثل تلك التدابير، بالنظر إلى أنها تحتّم وجود خطر داهم يهدد البلاد أوّلًا، وتقتضي من رئيس الجمهورية استشارة رئيسي الحكومة والبرلمان، ولا تخوّله الحقّ بتجميد البرلمان، بل تنصّ على انعقاده على امتداد فترة الإجراءات الاستثنائية المعلنة، كما لا تمنحه الحق بتوجيه لوم إلى الحكومة.

وعلى هذا، فإن هناك عوار في قانونية القرارات الصادرة عن سعيد كما يبدو، وهناك إمكانية لتقديم دعوى بهذا الشأن إلى المحكمة الإدارية، لكن قبول هذه الدعوى أمرًا ليس مؤكدًا، بسبب إمكانية اعتبار القرارات سيادية.