العدسة_ بسام الظاهر
خلال الأشهر القليلة الماضية باتت تونس أحد أبرز الدول التي تخرج منها رحلات الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا، وتحديدًا إيطاليا، في ظلّ هروب الشباب من أوضاع داخلية سيئة.
وشهدت تونس عدة وقائع للهجرة غير الشرعية خلال الشهر الجاري، بما يُنْذِر بعودة نشاط دوائر السماسرة وتدفق الشباب إلى أوروبا بما يعرضهم بالغرق في البحر.
وتسعى الدولة التونسية إلى دراسة ظاهرة الهجرة غير الشرعية؛ تمهيدًا لوضع آليات أكثر صرامةً في التعامل معها والحدّ من انتشارها، بالتعاون مع الجانب الأوروبي.
وتعيد تزايد حالات الهجرة ذكريات 2011 التي شهدت انطلاق عددٍ كبيرٍ من الرحلات تجاه إيطاليا بعد الثورة التونسية.
تزايد الحالات
وأحبطت السلطات التونسية عمليات هجرة غير شرعية خلال الشهر الجاري في إطار الجهود التي تبذل لوقف هذه الظاهرة.
وتمكنت أجهزة الأمن التونسية من منع 16 شخصًا من اجتياز الحدود البحرية بصورة غير مشروعة عبر سواحل قلعة الأندلس بولاية أريانة شمال غربي البلاد، باتجاه إحدى دول الاتحاد الأوروبي…
مهاجرين بطريقة “غير شرعية”
وقالت الوزارة، إن المحتجزين الستة عشر تونسيون تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة، وتمّ العثور معهم على مبالغ مالية بالعملة المحلية والأجنبية من أجل دفعها للوسطاء.
وأشارت إلى أنّه تم القبض على منظمي العملية والوسطاء فيها وعددهم 6 أشخاص.
وبشكل شبه يومي تعلن السلطات التونسية عن ضبط شباب خلال محاولات للهجرة غير الشرعية من عدة مناطق متفرقة من البلاد.
ومع مقارنة البيانات التونسية يتضح أنَّ أغلب المهاجرين يحملون الجنسية التونسية وهم من فئة الشباب ولا يوجد هجرة بعائلات كاملة مثلمَا يحدث في مصر.
كما بدا أنَّ هناك حرصًا على تتبع الوسطاء حتى في المناطق الجنوبية من البلاد، الذين يقومون بترتيب عمليات السفر عبر الحدود البحرية لتونس في محاولة لكشف الشبكة المسؤولة عن الهجرة غير الشرعية.
وظهر من خلال عمليات السلطات التونسية وجود عدد من الأفارقة يتوجهون إلى تونس أولًا كمحطة ثم الاتفاق مع شبكات الهجرة للسفر إلى أوروبا، يتم ضبط بعضهم من قبل الأمن هناك، ولكن يتمكن آخرون من الفرار والتسلل عبر الحدود.
المنظمة الدولية للهجرة أفادت بأن 1357 تونسيًا وصلوا إلى سواحل إيطاليا بين يناير وأغسطس الماضيين، مقارنة بوصول 1200 إلى إيطاليا عام 2016، هذا بخلاف الرحلات التي تمّ إحباطها قبل السفر أو بعض المراكب التي غرقت في البحر.
مجموعة “أفارقة” محتجزين
أوضاع اقتصادية
تونس مثلها مثل باقي الدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي، بما انعكس بشكل أو بآخر على الأوضاع الاقتصادية ربما بشكل متعمد من قبل ما يُعرَف بـ “الدولة العميقة” التي كانت توالي الأنظمة التي خرج الشعب عليها.
هذه الأوضاع الاقتصادية إضافة إلى البطالة، كانت سببًا مباشرًا لتفكير بعض الشباب إلى الهجرة بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، حالمين بالعمل والإقامة ومستقبل أفضل لهم.
ووصلت نسب البطالة في تونس خلال الأشهر القليلة الماضية إلى 15.3%، وهى نسبة مرتفعة للغاية.
نجاح بعض رحلات الهجرة غير الشرعية في الوصول إلى أوروبا، كان محفزًا أكثر للشباب هناك لخوض هذه التجربة غير مكترثين لمخاطر هذه الرحلات التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى مفارقتهم الحياة حال غرق القوارب التي لا تكون مُجَهَّزة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة، فضلًا عن الإبجار لمسافات طويلة.
واعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنَّ السبب الأساسي وراء موجة الهجرة هو الإحباط الذي يعاني منه الشباب.
وقال المتحدث باسم المنتدى رمضان بن عمر، إنَّ الناجين هم مِن سكّان مناطق محرومة مثل القصرين، وبن قردان وأحياء شعبية في تونس العاصمة.
وتعيش تونس وضعًا اقتصاديًا صعبًا للغاية، وكانت التخوفات العامة تتجه إلى أنها تواجه “شبح الإفلاس” العام الماضي خاصة مع تراجع السياحة، ولكن يبدو أنَّ محاولاتٍ تُجْرى خلال العام الحالي للهروب من الأزمة الاقتصادية على الرغم من وجود عقبات.
تظاهر الشعب “التونسي”
آليات الحل
في دراسة حديثة حول الهجرة غير الشرعية في تونس، كشفت النتائج وجود كارثة حقيقية، إذ إن حوالي 55 ألف أسرة في تونس تشجع أبناءها على الهجرة السرية.
وأكّد 15% من الشباب المستجوبين في الاستطلاع رغبتهم في الهجرة غير القانونية، وأرجع حوالي 42% منهم أسباب ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، فيما قال 32% منهم إنّ انعدام فرص الشغل يجعلهم يفكرون في الهجرة.
ولكن كيف تواجه الدولة هذه “الكارثة”، أحدث التحركات هو ما أعلنه النائب عن نداء تونس محمد بن صوف، من تكليف رئيس الحكومة يوسف الشاهد لجنة يترأسها كاتب الدولة للهجرة وتضم وفدًا يتكون من نواب دائرة إيطاليا وممثلين عن وزارتي الداخلية والدفاع ليتحول إلى إيطاليا بهدف لقاء المسؤولين وبحث سبل تسوية وضعية التونسيين هناك.
ولأنَّ الحل لن يأتي إلا بإنهاء أسباب الهجرة غير الشرعية، قال النائب زهير المغزاوي عن حزب حركة الشعب المعارض، إن غرق العشرات من الشباب التونسي في عرض البحر هو كارثة وطنية، مبينًا أنهم كانوا ضحايا للفقر والتهميش.
ودعا النائب عمار عمرو سية عن الجبهة الشعبية، البرلمان والحكومة والرئاسة إلى العودة إلى الشعب، والنظر في مشاكله من الشمال إلى الجنوب.
وعلى الرغم من تحرك الدولة ووضع قانون للحد من الهجرة غير الشرعية عام 2003، فضلًا عن تحرك دبلوماسي بالتنسيق مع الدولة الأوروبية للتعاون حول وقف هذه الرحلات والقبض على المتورطين من السماسرة، إلا أنّها لا تزال مستمرة.
اضف تعليقا