منصور عطية
لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع إلا أن تكون مجرد أزمة عابرة، وسحابة صيف سرعان ما تنجلي، إلا أن التوتر القائم بين تونس والإمارات تطور بشكل دراماتيكي خلال الساعات الماضية، إلى أن وصل لقرار تونسي، مساء الأحد، بتعليق رحلات شركة الخطوط الإماراتية من وإلى تونس.
الإجراء التونسي المفاجئ يأتي بعد يومين من قرار إماراتي بعدم قبول التونسيات – غير المتمتعات بإقامة في الإمارات – على متن خطوط الشركة في اتجاه الإمارات، ثم سرعان ما تم التراجع عنه.
لكن رغم هذا التراجع، إلا أن الأزمة استمرت، ولم يجد التوضيح الإماراتي صدى لدى السلطات التونسية التي مضت في التصعيد.
ماذا حدث يوم الجمعة؟
بدأت الأزمة صباح يوم الجمعة الماضي، برسالة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين التونسيين، مفادها أن التونسيات ممنوعات من دخول الإمارات، وهو إجراء فوري.
وجاء في الرسالة أن الحكومة الإماراتية أعطت التعليمات لشركات الطيران في الدولة، بأن كل حاملات الجنسية التونسية ممنوعات من دخول الإمارات أو المرور بها، باستثناء المتمتعات بإقامة في البلاد أو بجوازات سفر دبلوماسية.
وأعلنت وزارة النقل التونسية بعدها بساعات أن “شركة الخطوط الإماراتية منعت في ذلك اليوم التونسيات المسافرات من مطار تونس قرطاج، والقاصدات مطار دبي الدولي عبر رحلة الخطوط الإماراتية رقم EK748، باستثناء النساء التونسيات المقيمات بدولة الإمارات العربية المتحدة، مما تسبب في حصول ضرر للركاب وخلق حالة من الاضطراب بالمطار”.
وفي مساء اليوم نفسه، أصدرت وزارة الخارجية التونسية بياناً أشارت فيه إلى استدعاء سفير الإمارات لدى تونس، للاستفسار وطلب توضيحات بخصوص الإجراء المتعلق بمنع التونسيات من السفر إلى وعبر الإمارات.
ونقلت الوزارة أن الدبلوماسي الإماراتي أكد أن القرار “كان ظرفيًّا ويتعلق بترتيبات أمنية”، وأنه تم رفعه، وتم تمكين كل المسافرات من المغادرة.
ثم أعلنت شركة طيران الإمارات الجمعة أيضًا، أن “كل الرعايا التونسيين الذين حضروا للسفر على متن رحلتنا المتجهة من تونس إلى دبي اليوم، تم قبولهم بشرط حيازتهم تأشيرة صالحة إلى مكان وجهتهم النهائية، أو في حال كانوا متجهين إلى الإمارات في رحلة ترانزيت، وهم في هذه الحالة ليسوا بحاجة لتأشيرة”.
ظنها الجميع قد انتهت
إلى هنا تبدو الأمور طبيعية، وظن الجميع أن الأزمة قد انقشع غبارها بلا رجعة، لكن بعد يومين، وفي صباح الأحد 24 ديسمبر الجاري، نقلت وكالة أنباء تونس (وات)، عن مواطن يعمل بالخليج ويدعى (محمود ر.) قوله: إن “شركة الاتحاد الإماراتية للطيران منعت زوجته (40 عامًا) وبناته الثلاث (14 و11 سنة وعام واحد)، من الصعود على متن رحلة إلى تايلاند تمر عبر مطار أبو ظبي”.
وأضاف المواطن التونسي أن مندوب شركة خطوط طيران “الاتحاد” الإماراتية أبلغه بعد “التأكد من هويته وجواز سفره الذي يحمل الجنسية، بأنه يمكنه السفر أو العبور دون أن يرافقه أفراد عائلته”.
أثير الجدل من جديد وظل لأمر هكذا، حتى خرج وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بتصريح عبر تويتر قال فيه: “تواصلنا مع الإخوة في تونس، حول معلومة أمنية فرضت إجراءات محددة وظرفية، وفي الإمارات حيث نفخر بتجربتنا في تمكين المرأة، ونقدر المرأة التونسية ونحترمها، ونثمن تجربتها الرائدة، ونعتبرها صِمَام الأمان، ولنتفادَ معا محاولات التأويل والمغالطة”.
مجددًا ظن الجميع أن هذا التصريح يضع حدًّا للأزمة المفاجئة، إلا أن الرد التونسي كان أسرع مما توقعوا، حيث أصدرت وزارة النقل قرارها سالف الذكر، بتعليق رحلات شركة الخطوط الإماراتية من وإلى تونس، إلى حين تمكن الشركة من إيجاد الحل المناسب لتشغيل رحلاتها طبقا للقوانين والمعاهدات الدولية.
ضغوط مجتمعية تونسية
اللافت، أن القرار التونسي الأخير سبقته حملة ضغط قوية قادتها منظمات المجتمع المدني، وتلك المعنية بحقوق الإنسان، مطالبة حكومة بلادها بالرد الفوري والقوي على الإجراء الإماراتي المستغرب.
4 منظمات حقوقية أدانت في بيان مشترك، قرار الإمارات منع التونسيات من السفر، ووصفته بـ”التمييزي والعنصري” واعتبرت أن فيه مساسا بسيادة الدولة التونسية وكرامة النساء التونسيات وانتهاك حقوقهن الأساسية.
وعبّرت المنظمات عن استيائها من الموقف الرسمي التونسي، مشيرة إلى أنه “لم يترجم أي التزام للدولة في الدفاع عن مواطناتها ومواطنيها في الداخل والخارج، مما يتنافى مع مقتضيات الدستور وقانون مناهضة كافة أشكال العنف المسلط ضد المرأة”.
الاتحاد التونسي للشغل، اعتبر القرار الإماراتي “إجراء مرتجلاً وتعسفياً وعنصرياً”، فيما دعا الحزب الجمهوري الحكومة التونسية إلى “الرد على هذه الخطوة العدائية بما يحفظ كرامة التونسيين، وذلك بمنع شركة الطيران الإماراتية من استعمال مطاراتنا أو عبور الأجواء التونسية، واستدعاء السفير التونسي لدى دولة الإمارات للتشاور، وبحث كل الخطوات الكفيلة بردع هذا التصرف الأرعن”.
ودعا حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، “مؤسسة الرئاسة والدبلوماسية التونسية، إلى مراجعة العلاقة الثنائية مع دولة الإمارات العربية المتحدة”.
علاقات متوترة
وربما لا يمكن فصل تلك الأزمة عن واقع التوتر الذي يشوب العلاقات بين البلدين منذ الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، على خلفية صعود حركة النهضة الامتداد الفكري لجماعة الإخوان المسلمين والنفوذ الذي تمتع به تيار الإسلام السياسي منذ ذلك الحين.
ورغم عدم تصدر النهضة للمشهد، واتفاق الأطراف التونسية على الوحدة لإنقاذ المسار الديمقراطي، لم تتوقف الإمارات عن محاولة تأجيج الخلافات بين مكونات المعادلة التونسية.
وفي يونيو الماضي، كشفت وثيقة مسربة ملامح الخطة الإماراتية للتدخل في السياسة الداخلية التونسية، للوقوف ضد تجربة التوافق و”تحالف الدساترة والإسلاميين”.
الوثيقة التي تقع في 7 صفحات فقط، عبارة عن ورقة سياسات خاصة بتونس بعنوان: “الإستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس” أعدتها وحدة الدراسات المغاربية في مركز الإمارات للسياسات ومقره أبو ظبي، والذي يتمتع بنفوذ قوي لدى صناع القرار هناك.
وبحسب الوثيقة، تنقسم الإستراتيجية الإماراتية لاختراق تونس على 3 محاور، هي: محاربة الإسلام الراديكالي في أبعاده الأمنية والسياسية والفكرية، بناء كتلة سياسية موالية في الساحة الداخلية، وكبح النفوذ القطري في الساحة التونسية.
اضف تعليقا