العدسة – أحمد عبد العزيز وهادي أحمد

هو رجل يكرهه العراقيون، ويتهمه اللبنانيون، ويعاديه الإيرانيون، ولا يرتاح إليه أبناء الخليج! تراه بعينيه المبهمتين وابتسامته الصفراء، فلا تحسبه سوى موظف كسول في إدارة حكومية ينشغل عن عمله بالتغريد على حسابه بتويتر متسائلا عن موعد الإجازات وحساب العلاوات، ولا يخطر ببالك أبدا أنه رجل يستطيع بتصريحاته المتهورة أن يشعل أزمة في المنطقة قد تستمر توابعها لسنوات! إنه ثامر السبهان.

لا يمكن النظر إلى التطورات التي خلقتها السعودية مؤخرا في الشرق الأوسط، بسياساتها الجديدة التي يقودها الشاب المندفع حسب وصف الصحف الغربية ولي العهد محمد بن السلمان، دون النظر إلى تصريحات وتحركات السبهان، الذي يعد بمثابة “رمانة الميزان” في كل تلك التطورات، بل والوقود الذي يدفعها إلى الأمام على طريق مسدود قد ينتهي بانفجار كارثي في المنطقة لا يمكن لأحد أن يتوقع توابعه.

فهو عراب الخلاف السعودي مع إيران، وراعي فرض وجهة النظر السعودية على العراق ولبنان، وواضع خطة إجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة وإعلانها من الرياض، كورقة ضغط للقضاء على حزب الله.

دبلوماسي بلا تاريخ

ترقى السبهان سريعا داخل الجيش السعودي، عبر قفزات عديدة فوق الرتب العسكرية، وبشكل يثير الكثير من علامات الاستفهام، وبعدما عمل كبودي جارد لبعض القادة العسكريين الأمريكيين، اختير كملحق عسكري في لبنان عام 2014، وهو أمر يدعو للدهشة!

فالرجل لا يتمتع بذكاء لافت، ولا بخبرة دبلوماسية تذكر، ولا حتى بالقدرة على إدارة حوار بشكل مضر دون أن يفرض وجهة نظره بالقوة وبمنطق الأمر الواقع، فما الذي قد يدفع السعودية لاختيار شخص يفتقر إلى كثير من المؤهلات ليعينه في وظيفة بهذه الخطورة؟

ولكن الدهشة لا تتوقف عند هذه النقطة، بل عندما نفاجأ أن السبهان لم يكد يمر عليه في وظيفته كملحق عسكري في لبنان أكثر من عام واحد، حتى قررت الحكومة السعودية تصعيده بشكل مفاجئ، ليصبح أول سفير سعودي في العراق، بعد سنوات طويلة من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد اجتياح صدام حسين للأراضي الكويتية عام 1990.

وبالنظر إلى خلفيته العسكرية الصرفة، كان من الطبيعي أن تكون إدارته للأزمة بين البلدين على هذا النحو، الذي انتهى بمطالبة الحكومة العراقية من نظيرتها السعودية ضرورة استبعاد السبهان من أراضيها!

” ثامر السبهان “

عسكري برتبة سفير

الدبلوماسية توصف أحيانا بالوقائية إذا كان المقصود تدارك انفجار الأزمات، والمعجم الدبلوماسي السائد الآن في العالم كله يجزم بأنها بلغت حدا غير مسبوق من الخشونة، ويكفي أن نتذكر الأوصاف التي تتبادلها الدول عبر وسائل إعلامها من نوعية “الدولة الفجة” أو “فاقدة الذاكرة” أو “العدوانية”، يتضح لنا مدى الخشونة والعنف الذي بات يسيطر على الدبلوماسية العالمية.

وصول إلى السبهان إلى منصبه كسفير في العراق، لا يمكن النظر إليه إلا عبر هذا التطور اللافت في الدبلوماسية العالمية..

وربما كان هذا الاختيار مقصودا من النظام السعودي، فلم يرسل سفيرا دبلوماسيا حقيقيا إلى العراق، بل أرسل عسكريا، ليقول إن العلاقة بيننا لن تكون قائمة على الحوار، بل على السمع والطاعة كما هو الحال في ميادين القتال العسكرية، السعودية تأمر، والعراق تستجيب، ولو لم يحدث ذلك، فالعقاب جاهز، وهو ما لم تقبله العراق.

فكان منذ الشهر الأول لوصوله إلى العراق، يتحرك بما لا يتناسب مع وظيفته كونه مجرد “سفير” دولة شقيقة، حيث بدأ يدلي برأيه عبر وسائل الإعلام، في كثير من الأمور التي اعتبرها العراقيون شأن داخلي بحت لا يحق للسبهان مناقشته، كما أثارت تحركاته في بغداد كثير من علامات التعجب، بعدما حرص على لقاء قيادات كردية وسنية وأيزيدية وطوائف مسيحية عدة، وأخذ يطلق الوعود الغريبة بمساعدتهمفي الحصول على كامل حقوقهم!

وهو ما دفع وزارة الخارجية العراقية إلى إصدارها بيان، اعتبرت فيه أن السبهان يسعى لتأجيج الخطاب الطائفي في العراق، كاشفة أنها سبق واستدعته وأبلغته أن يكون “سفيرا” خاضعا للأعراف والمواثيق الخاصة بتعامل السفراء مع وسائل الإعلام، وألا يتدخل في الشأن العراقي الداخلي.

كما بدأت تحركات برلمانية وشعبية ضده، حيث أطلق بعض النواب في البرلمان العراقي، حملة لجمع توقيعات لطرد السفير السعودي في بغداد ومطالبة الرياض بتقديم اعتذار للعراق عن التصريحات التي أدلى بها، خاصة فيما يتعلق بالحشد الشعبي، وعدت تصريحاته بمثابة “تجاوز لكل الخطوط الحمراء”.

ولم يطق العراقيون بقائه بينهم أكثر من ذلك، لذا اضطر السبهان إلى مغادرة العراق غير مأسوف عليه بعد أقل من عام على تعيينه في المنصب الذي كان أكبر منه، دون تسمية بديل له، ليتراجع مستوى تمثيل السعودية في العراق إلى قائم بالأعمال.

واستمرارا لعلاقاته الغريبة بالقصر السعودي، استحدثوا له منصبا جديدا، ليحفظوا له ماء وجهه، وأسندوا إليه “وزارة الدولة لشؤون الخليج”، حيث تشير وسائل الإعلام إلى أن استحداث المنصب جاء بطلب مباشر من الملك سلمان، أي بطلب مباشر من ولي العهد!.

” محمد بن سلمان “

الوصي السعودي

وقبل تاريخه القصير من الفشل في العراق، أثبت الرجل فشلا مماثلا في لبنان أثناء وجوده كملحق عسكري، فصحيفة “الأخبار اللبنانية”، تنقل عن أحد المقربين من رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، أن السبهان كان “أمني في تفكيره وحركته، يتكلم مباشرة، وكان وقحا يخاطب المسؤولين اللبنانيين بأسمائهم الأولى دون ألقاب”.

أسلوب السبهان كان أحد أسباب أن يتوجس منه الحريري خيفة، ففي أول لقاء بينهما حول مائدة عشاء في منزل رئيس الحكومة، كان الاجتماع عاصفا بحسب “الأخبار”، بسبب التعابير القاسية التي استعملها السبهان في التعبير عن آرائه السياسية وطريقة مخاطبة الجالسين على الطاولة. كان يتكلم مع الرئيس بالقول: “يا سعد”، ووصل انزعاج بعض المستقبليين منه إلى حدّ القول: “السبهان جعلنا نترحّم على رستم غزالي”، لافتة إلى أنه كان يتعامل وكأنه “وصي سعودي على الشأن اللبناني”!.

” سعد الحريري “

وقد كانت ريبة الحريري فيه عند محلها، فقد دارت الأيام، وباتت وسائل الإعلام اللبنانية المحلية، ترى في السبهان خطرا يهدد أمن اللبنانيين واقتصادهم، ومساهم رئيسي في سجن الحريري الذي أجبرته السعودية على تقديم استقالته ووضعته تحت الإقامة الجبرية.

وبمرور الوقت، بات اللبنانيون ينتظرون ما يكتبه الوزير السعودي لشؤون الخليج عبر حسابه على “تويتر”، ليحاولوا تحديد ما تحضره المملكة للبنان، وتقول “الأخبار اللبنانية”، إن معظم الأطراف السياسية أخذت تغريدات السبهان على محمل الجد، بعدما غرد عن حزب الله، محذرا من أن لبنان سيدفع ثمن ممارسات الحزب، قبل وقت قصير من إجبار الحريري على تقديم استقالته في الرياض، ليكتب الرجل بعدها قائلا “لبنان بعد الاستقالة لن يكون أبدا كما قبلها، لن يقبل أن يكون بأي حال منصة لانطلاق الإرهاب إلى دولنا، وبيد قادته أن يكون دولة إرهاب أو سلام”.