في مفاجأة سياسية كبرى، انتخب النائب الإسلامي سليمان شنين رئيسا جديدا للبرلمان الجزائري، في خطوة حملت حسب مراقبين ثلاث رسائل على الأقل، تنازل الأغلبية تحت ضغط الشارع، وأخرى لطمأنة الحراك وثالثة بمهيد الطريق للتوافق.

وتنازلت أحزاب للسلطة عن رئاسة المجلس ، على غرار حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم، و”التجمع الوطني الديمقراطي” الذي يرأسه الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، لأول مرة منذ تأسيس البرلمان سنة 1997 رغم حيازتها الأغلبية المطلقة.

وأفرزت الانتخابات التشريعية، سنة 2017، فوزا ساحقا للحزب الحاكم بـ 160 مقعدا، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي ب 100مقعدا.

بينما حاز تحالف أحزاب حركة البناء الوطني الذي ينتمي إليه سليمان شنين، والعدالة والتنمية، والنهضة، على 15 مقعدا.

الأمر الذي جعل تولي شنين رئاسة الغرفة الأولى للبرلمان، مبطنا بعدة رسائل سياسية.

مفاجأة

ولم يكن إسم هذا السياسي الذي ترعرع في حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في البلاد)، في زمن مؤسسها الراحل الشيخ محفوظ نحناح، متداولا كمرشح لخلافة معاذ بوشارب إلى غاية صباح الأربعاء موعد جلسة الانتخاب.

وبدا الطريق معبدا أمام الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، محمد جميعي أو إطارات من ذات الحزب كانت قد أعلنت ترشحها قبل أيام.

وشكل طرح إسم سليمان كمرشح إجماع للمنصب إحدى المفاجآت السياسية التي تحدث في قلب الحراك الشعبي.

وبعدما نال ثناء واسعا من قبل كافة النواب المتدخلين في الجلسة، انتخب سليمان شنين بالأغلبية الساحقة لرئاسة المجلس الشعبي الوطني.

مقاربة جديدة

وقال شنين في كلمته أمام النواب، إن البرلمان “قدم مقاربة جديدة تتمثل في أن الجزائريين بإماكنهم أن يجمعوا أنفسهم حتى على أقلية العدد من أجل الخروج من الأزمة”.

وتابع موضحًا أن “هذه المقاربة تكمن حرصنا ومسؤوليتنا جميعا بأن الجزائر في حاجة لجميع أبنائها، ولا يمكن أن يكون واحدا لوحده سببا في إخراجها من الأزمة”.

ونوه بتنازل أحزاب الأغلبية التي تعرف داخل قبة المجلس، بأحزاب السلطة التي تزكي كل ما يأتي من مشاريع قوانين من الحكومة

وأضاف ” أكدت مؤسستنا اليوم أنه بإمكان الأغلبية أن تقدم الأقلية عليها”.

ويصنف تحالف البناء، العدالة والنهضة الإسلامي ضمن تيارات المعارضة المعتدلة لنظام الحكم، كما أنه عارض أغلب مشاريع القوانين التي قدمتها الحكومة سابقا للتصويت على مستوى الغرفة الأولى للبرلمان.

ودائما ما آلت رئاسة المجلس الشعبي الوطني، لشخصيات بارزة في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بعد تزكية من رئاسة الجمهورية.

وعلق الأمين العام السابق لحركة النهضة، فاتح ربيع، على انتخاب شنين على رأس المجلس الشعبي الوطني بأنها “لحظة فارقة”.

وكتب على صفحته في موقع فيسبوك “انتخاب سليمان شنين لرئاسة المجلس الشعبي الوطني من أقلية برلمانية معارضة يعد لحظة فارقة وتحولا لافتا”

خطوة تهدئة

ومن رسائل انتخاب سياسي معارض ينتمي إلى التيار الإسلامي، في منصب سيجعله دستوريا الرجل الثالث في الدولة، إعطاء إشارات إيجابية للحراك الشعبي الذي يرفع كل جمعة شعارات تنادي “بالتغيير الجذري”.

ويرفض الجزائريون بشدة تولي أشخاص محسوبة على نظام الرئيس المستقيل وشاركت في التسويق السياسي له طيلة الولايات الانتخابية الماضية، تولي المناصب في المؤسسات الدستورية الكبرى.

وقال أستاذ العلوم السياسية، زهير بوعمامة، إن انتخاب سلميان شنين لرئاسة المجلس الشعبي الوطني، “خطوة في الاتجاه الصحيح، كانت بمثابة الحلم قبل الحراك”.

وكتب في منشور له على فيسبوك “وصول السيد سليمان شنين إلى موقع رئاسة الغرفة السفلى للبرلمان كان أشبه بالحلم المستحيل قبل حراك الشعب”

وأضاف “مهما كان ما حدث، مجرد ترأس شخصية نظيفة غير محسوبة على السلطة للمجلس الشعبي الوطني وفشل الأسماء المنبوذة في المرور بالأساليب القديمة هو خطوة أخرى في الإتجاه الصحيح”

وألمح إلى صناعة القرار السياسي في البلاد باتت تأخذ مطالب الشعبي بالحسبان قائلا “إنها مؤشر إضافي على طريقة تفكير أسياد اللحظة وتصورهم لما هو قادم”.

تهيئة للحوار

ويعتبر بلوغ سياسي من الأقلية البرلمانية المعارضة المحسوبة على التيار الإسلامي، خطوة تهيئة لمرحلة “الحوار الشامل”، الذي دعا إليه الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح في كلمته الاخيرة بمناسبة عيد الاستقلال.

ودعم قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح في كلمته الأربعاء، مقاربة بن صالح للحوار، التي تقوم “على حياد مؤسسات الدولة، وتكليف شخصيات وطنية بإدارة الحوار الذي يفضي إلى انتخابات رئاسية في أقرب الآجال”.

وتبنت أحزاب وشخصيات معارضة السبت الماضي، خيار الحوار كوسيلة وحيدة وفعالة للخرج من الأزمة.

وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي عبد العالي رزاقي، أن “رئاسة شنين للمجلس الشعبي الوطني، ستفتح الباب أمام أحزاب الموالاة للمشاركة في الحوار الشامل المنتظر”.

وقال رزاقي للأناضول، “أن أحزاب الأغلبية المعروفة بدعمها المطلق للرئيس المستقيل، تنازلت عن رئاسة المجلس لشخصية معارضة، من أجل إعادة هيكلة نفسها والمساهمة في الحوار المقبل والمشاركة في الاستحقاقات المقبلة”.

وألمح رزاقي إلى أن “التعايش” الذي أملته الأزمة بين أحزاب المولاة والمعارضة، يصب في اتجاه إنجاح الحوار الذي تدعو إليه رئاسة الدولة والمؤسسة العسكرية.