العدسة – معتز أشرف
الانتهاكات السعودية الإماراتية في اليمن في الفترة الأخيرة ظاهرة للعيان، وهو ما سجلته الناشطة اليمنية (الفائزة بجائزة نوبل للسلام) توكل كرمان، في تصريحاتها خلال قمة «وورويك» الاقتصادية بالعاصمة البريطانية لندن، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن التحالف استغل “الانقلاب على الشرعية (في اليمن) في صنعاء لممارسة احتلال بشع ونفوذ أبشع”، فأطيح بها من الحزب اليمني الذي ظل يفخر بها كثيرا، وهي حالة تكررت مع شباب ثورات الربيع العربي عندما لم يسمع لصوتهم في بداية الثورات، واستبعدوا من دوائر القرار بحسب مراقبين، ليجدوا أنفسهم بعد فترة إما في السجون أو تحت قيد الملاحقة، دون تحقيق لأهداف ثورتهم، أو محبطين في منطقة ترصد بيانات الأمم المتحدة أن نحو 30% من المواطنين في العالم العربي تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا.
صمود جيل
حزب التجمع اليمني للإصلاح، قرر تجميد عضوية توكل كرمان، بعد انتقادها للتحالف العسكري بقيادة السعودية، الذي يدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، حيث أثنى على التحالف وأدان تعليقاتها، ثم قرر الإطاحة بها، وهو ما أشادت به الدوائر المحسوبة على النظامين الإماراتي والسعودية، حيث نشرت جريدة البيان الإماراتية القرار باحتفاء، تحت عنوان “«الإصلاح» يتبرأ من توكّل كرمان”، فيما اعتبر الصحفي والكاتب السعودي مشاري الذايدي في مقاله بجريدة الشرق الأوسط المحسوبة على السعودية، القرار ضربة إلى “كرمان” وثورات الربيع العربي التي قامت بأجندة قطرية تركية، وفق ما قال، إلا أن “توكل كرمان” أكدت على صحفتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك ” صمودها في مواجهة القرار، قائلة: “إلى تحالف الشر والعدوان السعودي الإماراتي على اليمن: لن تضربوا قيدا على حريتي، اليمن أكبر منكم، وستخرجون منها مذمومين مدحورين”، فيما وجهت رسالة إلى الأمانة العامة للتجمع اليمني للإصلاح، قالت فيها: ” أثبتم أنكم لستم مجرد معتقلين لدى الرياض لا حول لكم ولا قوة، بل عبيد لحكام الرياض وشيوخ أبو ظبي.. الذين ذهبوا بعيدا في الانحراف بأجندة التحالف العربي من مساند للشرعية، إلى مقوض لها.. ومحتل للبلاد، ومدمر لوحدته الوطنية وسلامة أراضيه!، وأنتم الذين لا تمثلون المزاج العام لحزب الإصلاح الذي يرفض كسائر الشعب اليمني هذا الانحراف للتحالف العربي وهذا العدوان، وليس من لوائح الحزب وأدبياته أن يكون عضو الإصلاح تابعًا للرياض أو عبدا لأبو ظبي!، وليس من حق قيادات الأحزاب المسلوبة الإرادة أن تتخذ أي مواقف أو قرارات بمعاقبة أو حتى تجميد عضوية من ينتمون لها لكي ترضى السعودية في الظروف والحالات الطبيعية، فكيف إذا كانت هذه الأحزاب والقيادات صارت رهائن لدى السعودية والإمارات، وتتعرض للابتزاز السياسي والمعنوي!.
“كرمان” نيابة عن شباب الربيع العربي مجددا، دفعت ثمن الحقيقة التي أثبتها قبلها بوضوح رئيس الوزراء أحمد بن دغر، الذي يدعمه حزب الإصلاح اليمني للإصلاح، عندما قال تعليقًا على المهلة التي حددها المجلس الانتقالي الجنوبي لحكومة الشرعية: إن الإمارات صاحبة قرار إيقاف الحرب في المدينة، متهمًا القوات الانفصالية الجنوبية التي تدعمها الإمارات بتنفيذ «انقلاب» بعد أن استولت على عدة مكاتب حكومية خلال مواجهات دامية في عاصمة البلاد المؤقتة عدن، كما أعلنها كذلك مهران قباطي، وهو أحد القادة الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي والحزب اليمني للإصلاح، في حديث على تليفزيون اليمن الرسمي، أنه تم اقتحام المؤسسات الحكومية في عدن، بواسطة مدرعات إماراتية عبر قوة الحزام الأمني، كما أن طيران الأباتشي التابع للإمارات، كان يحلِّق فوق معسكراتهم، متهمًا الإمارات بوضوح بالوقوف خلف الانقلاب الجديد على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا.
دفع الثمن
الحالة في مصر فجة بحسب مراقبين، وتجسد معاناة شباب ثورة لم يسمع لهم، وعوقبوا على إعلانهم الحقائق منذ اللحظة الأولى، ووفق جهاز التعبئة العامة والإحصاء، فإن الفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و29 عامًا تبلغ 19 مليون نسمة، أي ما يقرب من 24.2% من إجمالي سكان مصر، حيث دفع الشباب الثمن بعد أن تجاهلت النخبة والقوى الرئيسية في المشهد السياسي -سواء الإسلاميون أو الليبراليون أو اليساريون المنحازون لثورة 25 يناير- مطالبهم الثورية، التي لخصها هتاف “يسقط حكم العسكر” وهتاف «عيش حرية عدالة اجتماعية»، حتى فوجئت الحركة الإسلامية، وفي القلب منها الإخوان المسلمون، بانقلاب وزير الدفاع وقتها الفريق عبدالفتاح السيسي، على الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد في يوليو 2013، أعقبه تلقي النخبة المحسوبة على الليبرالية واليسار، صدمة قوية بعد إطاحة السيسي بهم، عقب استغلاله لحراكهم في 30 يونيو المناهض للإخوان، حيث أعلن الانقلاب العسكري، وبدأ في ملاحقة لم تتوقف حتى الآن لمنظمي الحراك وكل قياداته، خاصة الشباب من كل الاتجاهات، حيث رصدت النخبة المصرية إصرار النظام العسكري الحالي على قتل الشباب وحبسهم بأعداد غير مسبوقة، وأصدرت الأحزاب والتحالفات السياسية من مختلف التوجهات المعارضة للاستبداد والانقلاب في مصر وخارجها، إدانات لاحتجاز آلاف الشباب من الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، وهو ما علق عليه الناشط السياسي وأحد أيقونات ثورة يناير في مصر، وائل غنيم، في تغريدات له في الذكري السادسة لثورة 25 يناير، قائلا: «شاركنا في ثورة يناير، وكل منا قد استعد للتضحية من أجل وطن للجميع، لكننا لم ندرك لسذاجتنا حينها أن الطريق إلى تحقيق الحلم طويل ومليء بالهزائم»، مضيفا: «قدرنا أننا أردنا أن نغير من مسار التاريخ.. أخطأنا كثيرا وأصبنا كثيرا.. تشجعنا كثيرا وتخاذلنا كثيرا.. تكلمنا كثيرا وصمتنا كثيرا.. لكننا لم نخُن»، مشددًا على أنه «سَتُهزم يناير حين يصمت الجميع.. لا تيأسوا.. ولا تصمتوا.. فكلامكم ثورة».
تطلعات وإحباط
وفي دراسة أجراها المجلس الثقافي البريطاني ومركز جون جيرهارت للأعمال الخيرية والمشاركة المدنية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في عام 2013، أوضح الباحثون أن الناشطين الشباب الذين شاركوا في الثورات في ثلاث من دول الربيع العربي، وهي مصر وتونس وليبيا، يشعرون بالإحباط من الوضع السياسي القائم في بلادهم في الوقت الحالي، مؤكدين أن أكثر ما خيب آمال الشباب الناشطين، في كل من تونس ومصر وليبيا، هو استئثار الفاعلين العسكريين والسياسيين – الأكبر سنا والأكثر خبرة – باتخاذ القرار في مرحلة إعادة البناء الوطني، هذا في الوقت الذي كان الشباب، الذي قاد الثورة، يتوقع الإنصات إلى صوته وتلبية احتياجاته.
وذكرت الدراسة التي استمرت عبر الشهور الثمانية الأخيرة من عام 2012، وهي بعنوان “الوعد الثوري: التحول في مفاهيم الشباب في مصر وليبيا وتونس”، أن المصريين من الشباب الذين قادوا الثورة ضد نظام حسني مبارك بلغ بهم الإحباط مداه، حتى أصبحوا يتساءلون: “هل قمنا بثورة؟”.
في المقابل، كشفت دراسة ألمانية حديثة، نشرت في 2018، عن أن الكثير من الشباب يقيّمون التطورات التي حدثت في بلادهم عقب ثورات الربيع العربي عام 2011، على نحو سلبي حاليا، مشيرة إلى أن ما يشغل اهتمام معظم الشباب في المنطقة الآن، هو تأمين احتياجاتهم الأساسية ونبذ العنف، بدلاً من القضايا السياسية مثل حرية الرأي، معتبرين أن الساسة غير موثوق بهم وفاسدون في نظر الغالبية، موضحة أنه حتى في البلدين اللذين شهدا أكبر ثورتين خلال “الربيع العربي”؛ أي مصر وتونس، فإن نسبة الذين يأملون بتأسيس نظام ديمقراطي لا تتجاوز 50%، فيما لا تكاد تتجاوز هذه النسبة 20% في المغرب والأردن واليمن.
وأكدت الدراسة التي نشر خلاصتها موقع (DW) الألماني، أن غالبية الشباب في البلدان العربية يتطلعون للمستقبل بتفاؤل رغم المشكلات التي تعصف بأوطانهم، مع ضعف الأمل بقيام نظم ديمقراطية فيها، وأظهرت أن للدِّين دورًا مهمًّا في حياتهم، وشملت الدراسة، التي أجرتها مؤسسة “فريدريش إيبرت” الألمانية، وعنوانها “بين الارتياب والتفاؤل”، 9 آلاف شاب تتراوح أعمارهم بين 16 و30 عاما، وأجريت الاستطلاعات والمقابلات في ثمان دول بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من بينها المغرب وتونس ومصر والبحرين واليمن، خلال صيف وشتاء 2016-2017، وخلصت إلى أن 65% من المستطلع آراؤهم من الشباب العربي متفائلون بالمستقبل، رغم كل المشكلات في بلدانهم، فيما أظهرت الدراسة أن الدين يمثل واحدة من أهم القيم بالنسبة إلى معظم الشباب في الشرق الأوسط، حيث إن 94% من الشباب المشارك في الدراسة هم من المسلمين، وللدين دور مهم بشكل متزايد في حياتهم اليومية، وقد وصف 87% من الشباب البحريني، و54% من الشباب اليمني، أنفسهم بأنهم متدينون جدا، وهناك من يأمل في قيام دولة دينية تعتمد الشريعة (17% في اليمن، و18% في الأردن)، فيما قال 10% من الشباب المشارك في الدراسة إنهم مصممون على الهجرة من بلدانهم، وعلى العكس من ذلك فإن غالبية الشباب الآخرين يريدون رسم مستقبلهم داخل أوطانهم.
اضف تعليقا