كتب- باسم الشجاعي
في الوقت الذي يشتكي فيه المصريون من الارتفاع الجنوني لأسعار مستلزمات رمضان “الياميش”، فُوجئوا برفع أسعار “تعريفة” مترو أنفاق القاهرة، وسيلة التنقل الشعبية، أمس “الجمعة” 12 مايو، مما يزيد من أعباء الحياة عليهم، وخاصة محدودو الدخل؛ الشريحة الكبرى من الشعب.
الأزمة التي فجرت غضبًا شعبيًا؛ حيث تظاهر عدد من المواطنين في محطات المترو الأكثر زحامًا؛ “حلوان، والمرج وشبرا الخيمه”، مرددين هتافات: “حسبي الله ونعم الوكيل” و”مش هنمشي”، فيما حاول آخرون تعطيل المترو اعتراضًا على الزيادة.
وفي محطة المرج تجاوز آخرون ماكينات الصرف الإلكترونية وتخطوا ماكينات صرف التذاكر والدخول إلى المترو بدون تحصيل تذاكر الدخول.
يأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه المصريون أزمات حادة وعنيفة بسبب الموجات الكبيرة في ارتفاعات الأسعار التي تشهدها البلاد مع بدء تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي الذي حدد مجموعة اشتراطات لمنح مصر قرضًا قيمته 12 مليار دولار.
كما تأتي بعد ما يقرب 6 أشهر من حديث قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي” عن ضرورة رفع أسعار تذكرة المترو، وذلك في الوقت الذي يئِنّ فيه المواطنون من ضنك العيش تحت وطأة حكمه.
ففي ديسمر الماضي، قال “السيسي”، خلال افتتاح أنفاق جديدة للسيارات أسفل قناة السويس: إنَّ “أسعار المشروعات الجاري تنفيذها لن تُقدم للمستخدم بأسعار عادية، كما يحدث الآن.. تذكرة المترو لن تبقى بنفس السعر، أو بضعف ثمنها، أو بثلاثة أضعافها.. بصراحة كده”.
استنفار أمني واعتقالات
وشهدت المحطات انتشارًا أمنيًا مكثفًا للتعامل مع الاحتجاجات الحاصلة، ولمواجهة دعوات العصيان المدني والإضراب التي دعا إليها بعض المواطنين احتجاجًا على قرارات الحكومة.
كما قامت أجهزة الأمن المكلفة بتأمين مترو الأنفاق، باعتقال 15 شخصًا تظاهروا داخل محطة مترو طرة البلد، اعتراضًا على زيادة أسعار التذاكر.
وبحسب وسائل إعلام محلية فإنّه تم الإفراج عن 5 أشخاص وجارٍ تحرير محاضر لـ10 آخرين، تبيّن تحريضهم على أعمال الشغب وتنظيم تظاهرة دون ترخيص داخل مترو الأنفاق وتكدير السلم والأمن العام.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي اعتلى هاشتاج #المترو من بين الأوسمة الأكثر تداولًا “الترند” في مصر بعد ساعات من القرار، وتداول نشطاء صورًا ومقاطع مصورة ساخرة من قرار وزارة النقل من جهة وغاضبة من جهة أخرى.
الغضب يطال موظفي المترو
الغضب لم يتقصر على ركاب المترو وحسب؛ حيث أبدى عدد من سائقي وصرافي مترو الأنفاق استياءهم من تبعات قرار وزارة النقل، بتطبيق تسعير جديدة للتذاكر وفقًا لعدد المحطات التى يقطعها الراكب، قائلين إنّ الوزارة أصدرت القرار وتركتهم يواجهون غضب المواطنين.
وأوضح السائقون والصرافون، أنّ قيادات الوزارة دائمًا ما يُصدِّرون لهم المشاكل بمثل هذه القرارات “وهم جالسون فى التكييف”.
وأضافوا: “نحن من نتلقَّى السِّباب وأحيانًا الضرب”، مطالبين بوضع حدّ لهذه التجاوزات؛ حيث إنهم يتحملون مسؤولية أرواح المواطنين، والحفاظ على مبالغ طائلة، ومهامهم لا تتحمل أي ضغوط إضافية”.
حيل لمواجهة غلاء الأسعار
وقد لجأ بعض المصريين لحيل لتفادي غلاء الأسعار؛ حيث أطلق مغردون ساخرون على تلك الطريقة “اضحك على الحكومة في جنيه؛ حيث تعني أن يدفع المسافر لـ18 محطة مثلًا 6 جنيهات فقط مع توفير جنيه، بدلًا من أن يشتري تذكرة واحدة بـ7 جنيهات، فيما تساءل المغردون الساخرون: “ليه تشتري تذكرة وحدة لما تقدر تشتري 2”.
لكن آخرين قرروا أن يوفروا أكثر؛ حيث أنشأوا مجموعة على “فيسبوك” تحت شعار “محدش هيشتري غير تذكرة الـ 3 جنيه فقط”، وترتكز الحيلة الطريفة على تبديل التذاكر بين مستخدمي المترو في اتجاهات مختلفة في منتصف الطريق.
وشرح أحد أعضاء الجروب، فكرة تبديل التذاكر بشكل مُبسّط، قائلًا “أنا حقطع من حلوان (بداية الخط من جهة الجنوب) ولما أوصل المرج (بداية الخط من جهة الشمال) حبدل تذكرتي مع واحد قطع من المرج ورايح حلوان مثلًا فيبقى كأني دخلت وخرجت ومركبتش ولا محطة، ولو حبدل المحطات أنزل في محطات التبادل أبدل تذكرتي مع واحد راجع في الاتجاه اللي ركبت منه فيبقي أنا وهو ركبنا أقل محطات فالناس كدا كلها حتركب بـ3 جنيه”.
لكن آخرين تخوفوا من عدم العثور على شخص يوافق على ذلك الاقتراح، فعملوا على تطويره لاقتراح إنشاء تطبيق لتطوير حيلة تبديل التذاكر؛ حيث اقترح بعضهم تدشين “أبليكيشن” يتواصل من خلاله الركاب لتبديل التذاكر من خلال تحديد المحطة التي يلتقي فيها طرفا التبديل.
الحيلة شرحها مقترحها بالتفصيل موضحًا “الفكرة تبقى إن اللى يركب يحدّد المحطة وهيروح فين، والأبلكيشن بقى هيجمع الاتنين فى محطة فى النص يبدلوا التذاكر بحيث يبقى التذكرة اللى معاك توديك محطه قبل أو بعد المحطة اللى ركب منها اللى اداك التذكرة، ويبقى عدد المحطات أقل من 9″، كما أنّ “الأبليكيشن” المقترح إنشاؤه سيحدد المحطات التي سيتم فيها التبديل، بما يسمح لمستخدم الخدمة بتغيير اتجاه الخط الذي يستقله.
رفع الأسعار 300%
ويشار إلى أنّ أسعار تذاكر المترور الجديد تبدأ من 3 جنيهات لـ9 محطات، ثم 5 جنيهات لـ16 محطة، ثم 7 جنيهات لأكثر من 16 محطة.
وتعد الزيادة الجديدة ثاني وأكبر زيادة في عهد قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، والتقسيم لأول مرة في تاريخ خدمة المترو، التي بدأت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مترو الأنفاق يستخدمه حوالي 42% من إجمالي عدد المواطنين المستخدمين لوسائل النقل العام على مستوى الجمهورية، وذلك نظرًا لضعف أو انعدام منظومة النقل العام خارج القاهرة، واقتصار شبكات الحافلات الحكومية بمختلف أحجامها على القاهرة الكبرى وبعض عواصم محافظات الدلتا.
وكانت حكومة السيسي تتجه منذ 2014 إلى تخفيض أعداد الحافلات العامة المملوكة لهيئات النقل العام بنسب متدرجة، وصلت هذا العام إلى 5% من إجمالي الحافلات المسجلة عام 2014، وفي ظل عدم دخول حافلات جديدة حيز التشغيل منذ مشروع الحافلات “الذكية” المدعوم من دولة الإمارات قبل 3 سنوات، علمًا بأن عدد الحافلات المكيفة أو القابلة لتشغيل تكييف هواء يضفي بعض الآدمية على النقل العام بالعاصمة لا يتجاوز 30% من إجمالي الحافلات المملوكة للدولة.
وما يزيد خطورة القرار الأخير؛ أن ثلث المصريين العاملين بالقاهرة والجيزة يرتحلون يوميًا من محافظات أخرى، كالقليوبية والمنوفية والغربية والفيوم وبني سويف والسويس، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ويمثل مترو الأنفاق وسيلة النقل الأساسية لهذه النسبة الكبيرة، لا سيما الذين يستقلونه من ضواحي بعيدة عن قلب العاصمة، كالمرج وأحياء حلوان وشبرا الخيمة وضواحي الجيزة.
وعلى عاتق هؤلاء تقع الزيادة الكبرى في سعر تذكرة الرحلة، من جنيهين إلى 7 جنيهات، بنسبة 350% من السعر القديم، وإذا وضعنا هذا الرقم إلى جانب حقيقة أنَّ الضواحي الأبعد عن قلب العاصمة هي الأفقر والأكثر عوزًا، فهذا يعني أن الفقراء هم الأكثر تضررًا من القرار بالنسبة لباقي محدودي الدخل.
وبلغت نسبة المصريين الذين أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر العالمي بعد قرار تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر 2016 حوالي 32%، يعيش نصفهم تقريبًا في العاصمة وضواحيها بحسب تقديرات إعلامية قياسًا بعدد السكان في القرى الأكثر فقرًا، ويحصلون على أقل من 36 جنيهًا يوميًا.
اضف تعليقا