العدسة – إبراهيم سمعان
كشفت وثيقة اطلعت عليها صحيفة “جارديان” البريطانية الطريقة التي اشترت بها السعودية ذمم محققي وزارة العدل الأمريكية الذين أنيط بهم التحقيق في مدفوعات فاسدة في صفقة سلاح ضخمة بين الرياض ولندن تم إبرامها في الثمانينيات.
أشارت الصحيفة البريطانية إلى أن السعوديين استخدموا شركات محاماة أمريكية في التأثير على مجريات التحقيق في صفقة الأسلحة المعروفة باسم “صفقة اليمامة”، والتي بلغت قيمتها 43 مليار جنيه إسترليني.
وفقا لوثيقة مسربة، فإن نتيجة تحقيق جنائي أمريكي في رشاوى مزعومة في صفقة الأسلحة تم تخفيفها عقب حملة ضغط سرية.
وتوفر الوثيقة السرية التي اطلعت عليها الصحيفة البريطانية نظرة نادرة في كواليس المفاوضات بين شركات محاماة أمريكية عينها أمير سعودي ووزارة العدل الأمريكية.
تابعت الصحيفة البريطانية: “جرت المناقشات في الفترة التي سبقت إتمام وزارة العدل الأمريكية للتحقيق في 2010 للصفقة بين السعودية وأكبر شركة سلاح بريطانية هي BAE”.
وأضافت: “تباهت شركة المحاماة التي يوجد مقرها في واشنطن في المذكرة بأنها انتزعت سلسلة من التنازلات من المحققين أدت إلى إزالة تفاصيل محرجة محتملة من وثيقة رسمية تعلن نتائج التحقيق”.
وعلقت “جارديان” بالقول: “تلقي الوثيقة ضوءا جديدا على واحدة من أكثر صفقات الأسلحة إثارة للجدل في التاريخ، وتبرز الجهد المبذول لمنع الإفصاح عن أية مادة ربما تضر بعلاقة الغرب مع السعوديين”.
وأضافت: “طالما سعت بريطانيا والسعودية إلى الحفاظ على سرية تفاصيل صفقة الأسلحة المعروفة باسم اليمامة، التي تضمنت طائرات ومعدات عسكرية أخرى”.
ومضت “جارديان” تقول: “تُظهر الوثيقة المسربة أن الأمير السعودي بندر بن سلطان استأجر شركة من الشركات التي تقوم بحملات ضغط يديرها الرئيس السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي لويس فريه، وفقا للمذكرة، كان الأمير هدفا رئيسيا لتحقيق وزارة العدل الأمريكية بعدما كشفت “الجارديان” أنه تلقى أكثر من مليون جنيه إسترليني كمدفوعات سرية من BAE “.
ونوهت إلى أن المذكرة كُتبت من الشركة إلى السفير السعودي لدى أمريكا في يناير 2010.
وأردفت: “زعمت الشركة أن عملها المتواصل بما في ذلك عشرات الاجتماعات والاتصالات مع محامي BAE ومسؤولين حكوميين أمريكيين بارزين أقنعت محققي وزارة العدل بإزالة أي شيء يحدد هوية الأمير بندر من الوثيقة الرسمية التي تعلن عن ختام التحقيق في الرشاوى الخاصة بالصفقة”.
وأضافت: “كما تم حذف أية تفاصيل عن المدفوعات الفاسدة لبندر من مسودة الوثيقة، ما دفع شركة Freeh Sporkin & Sullivan FSS)) إلى الادعاء بأنها حققت نتيجة ملحوظة فيما يخص تبرئة الأمير في التحقيق”.
زعمت الشركة أن المذكرة حققت سلسلة من الانتصارات من المحققين فيما يرقى إلى تبرئة سمعة الأمير والسعودية.
كما أشادت الشركة بالتسوية في قضية BAE باعتبارها تغييرًا جذريًّا كبيرًا وانقلابًا في الخطة الأصلية للمحققين.
وردًّا على سؤال حول محتويات المذكرة، قالت “FSS”: “بينما تم الإبلاغ علنا بأننا مثلنا سمو الأمير بندر فيما يخص مسألة BAE، فإننا نأخذ مسؤولياتنا بموجب امتياز المحامي وموكله بأكبر قدر من الجدية، ولهذا لا يمكن أن نعلق على تمثيلنا”.
وتابعت “FSS”: “غني عن القول أن سمو الأمير بندر لم يتم الادعاء عليه أو اتهامه من قبل أية سلطة حكومية، بما في ذلك وزارة العدل الأمريكية، بأي انتهاك للقانون أو التنظيم أو أي من معايير السلوك المناسبة، على العكس من ذلك، كان صاحب السمو الملكي الأمير بندر موظفا عاما لفترة طويلة في المملكة العربية السعودية، وصديقًا وحليفًا كبيرًا للولايات المتحدة”.
وأشارت الشركة إلى أنها اعترضت على دقة رواية “جارديان” بشأن المذكرة، وحذرت من أن النشر قد يخلق سببا لادعاءات بالتشهير.
لكن الصحيفة البريطانية قالت إن الشركة لم ترد عندما سئلت عما هو غير دقيق بشكل محدد.
ونوهت “جارديان” إلى أن المزاعم بأن BAE استخدمت مدفوعات غير مشروعة للفوز بعقد صفقة اليمامة، أكبر صفقة سلاح في تاريخ بريطانيا، طفت على السطح فور إبرامها في عام 1985.
وتابعت: “لسنوات، أنكرت بريطانيا وجود أي فساد، أطلق مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة تحقيقا في 2004، وبعد ذلك بعامين، تدخل رئيس الوزراء آنذاك توني بلير وأوقف التحقيق فجأة، مجادلا بأن استمراره سيضر بالأمن القومي لبريطانيا”.
وأردفت: “في 2007، أطلقت وزارة العدل الأمريكية تحقيقها بعدما كشفت الصحيفة البريطانية عن أن BAE كانت تقدم دفعات منتظمة لبندر عبر بنك ريجز في العاصمة واشنطن”.
نفى بندر -الذي كان سفيرا سعوديا في الولايات المتحدة لأكثر من 20 عاما- تلقيه مبالغ مالية غير مناسبة من شركة BAE، وقال إن المدفوعات مكونة من أموال رسمية سعودية، واستخدمت لأغراض وافقت عليها وزارة الدفاع السعودية .
ولم يكن بندر من بين الذين اعتقلوا واحتجزوا في فندق “ريتز كارلتون” في الجولة الأخيرة.
وعين بندر فريه، الذي كان يرأس مكتب التحقيقات الفدرالي في إدارة بيل كلينتون، ومع قاضيين سابقين أنشأ مكتب المحاماة “فريه، سبوركين وسوليفان” بعد أن ترك مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2001.
وسجلت المذكرة اجتماعا هاما بين BAE و”فريه” وزميله يوجين سوليفان، في يناير 2010، وقد تبادلت شركة الأسلحة تفاصيل مفاوضاتها السرية مع محققي وزارة العدل قبل أسابيع من نشر التسوية.
وكتب “سوليفان”، محرر المذكرة، فيها أن المحققين كانوا ينوون تحديد هوية “بندر” كشخص مجهول، ولكن بشكل لا لبس فيه كمتلق لملياري دولار كرشاوى فاسدة من شركة BAE .
وأوضح “سوليفان” أن التسوية لم تعد تشير إلى المدفوعات الفاسدة التي تم الزعم بأنه تم توجيهها إلى بندر عبر بنك ريجز، وقال إنه و”فريه” كانا يتمتعان بتأثير كبير على المفاوضات مع وزارة العدل والمكتب البريطاني لمكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة خلال سنوات تمثيلهما لبندر.
وكتب أنه في المراحل الأولى من التحقيق الذي قامت به وزارة العدل في السداد المزعوم للرشوة من قبل شركة BAE في عدد من الدول، كان بندر والسعوديون أهدافا رئيسية، ويشكلون جزءا رئيسيا من أي صفقة لتسوية القضية.
وادعى أن عمل شركته أدى إلى موافقة وزارة العدل على أنه لن يكون هناك سوى إشارة محدودة إلى أنشطة الفساد المزعومة للسعوديين.
وأضاف أن التسوية لن تشير إلى الرشوة في صفقة اليمامة، ولا الصفقة نفسها – في انقلاب كامل فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، وبزاوية 180 درجة من حيث بدأت وزارة العدل، وتابع: “لن يتم الإشارة إلى سعودي، وبدلا من ذلك ستتم الإشارة إلى مسؤول سعودي”.
اضف تعليقا