السمات المشتركة بين عصري مبارك والسيسي: ديكتاتورية وقمع وتغافل دولي عن انتهاكات حقوق الإنسان

سقوط الديكتاتور الراحل تحذير لأولئك الذين يسعون إلى طمس المعارضة في بلد يقطنه 100 مليون مواطن

ترجمة للعدسة عن مقال لمراسل الغارديان السابق في مصر جاك شينكر

قبل 9 سنوات، تحديداً في 28 يناير/كانون الثاني 2011 ذهبت مع مراسل آخر إلى منطقة وسط العاصمة ]وسط البلد[، حيث يتجمع ملايين الناس في ميدان التحرير مطالبين بإسقاط النظام.
كانت العاصمة مشتعلة، الشوارع الجانبية والرئيسية كانت ممتلئة بآلاف المتظاهرين مناهضين للحكومة والشرطة، يواجهون الدخان وقنابل الغاز المسيل للدموع التي تم إطلاقها عليهم من قبل الأجهزة الأمنية بأوامر من النظام الاستبدادي الذي حاول بكل الطرق وأد تلك التظاهرات قبل انتشارها، وفي سبيل ذلك، قام بقطع كافة شبكات المحمول والانترنت عن الشعب، في محاولة لإضعاف تلك المظاهرات، لذلك كان من الصعب الحصول على أخبار موثوق بها ولم نكن نعرف من سيخرج منتصراً في “جمعة الغضب” كما أطلق عليها المصريون.

أثناء رحلتنا في المترو قبل الوصول إلى وسط العاصمة حيث تجمع المصريون، مررنا بمحطة مترو “مبارك”، وكانت أدخنة قنابل الغاز تملأ المكان، رغم كون تلك المحطة تحت الأرض، والتي كانت تبعد عن المحطة المتواجدة في وسط البلد محطتين فقط.

بعد أسبوعين من تلك الرحلة، تم الإطاحة بالفعل بأحد أكبر الديكتاتوريين في المنطقة. خلال ذلك الأسبوعين، قام رجال الأمن التابعين لنظام مبارك بالفرار وترك أقسام الشرطة ومقرات الحزب الحاكم، وهي جميعها دلالات كانت تشير إلى أن قبضة مبارك التي استمرت لمدة 30 عاماً في طريقها للانهيار.
اللقطات الأخيرة داخل القصر لم تكن معروفة، إلا أنه قيل أن سوزان مبارك زوجة الرئيس كانت تبكي داخل القصر الرئاسي، وتصرخ مستجيرة بالضباط “هل يمكنهم الدخول إلى هنا؟… من فضلكم لا تدعوهم يدخلون”، قبل أن يرافقهم الضباط إلى طائرة هليكوبتر تنقلهم إلى مقرهم الجديد.

“هم”… أي الشعب المصري، بثورتهم تلك، لم يثوروا فقط على نظام مستبد، بل ثاروا على موروثاتهم التي أورثها لهم مبارك بأن نظامه لا يُقهر، لينتهي بهم الأمر بخرق المتاريس التي شيدها مبارك حول نظامه.
الثورة على تلك الموروثات لم تدم طويلاً، في صدمة لم يفق منها المصريون بعد، ولعل السبب يرجع إلى قوة نظام مبارك الذي حارب لأجل الرجوع مرة أخرى، وهي من سمات عصر مبارك التي تساعد في شرح الكثير مما يحدث حالياً من عنف وقمع.

وفاة مبارك هذا الأسبوع عن عمر 91 عامًا يجب أن تكون فرصة للتفكير في العلاقة المعقدة بين دكتاتوريته ودكتاتورية عبد الفتاح السيسي اليوم، على الرغم من أنه يتعين على المرء أن يتعمق أيضاً في الفجوات والصمت الذي تبع نعي النظام الحالي لمبارك.

النظامين، نظام مبارك ونظام السيسي، تجمعهما العديد من السمات المشتركة، فكلا النظامين متشابكين مع قوى خارج حدود مصر، حيث كان مبارك صديقًا شخصيًا لكلينتون، وتوني بلير، الذي قضت عائلته أجازتها في ضيافة الديكتاتور مبارك شخصياً في شرم الشيخ، وأشاد به قائلاً عنه أنه “شجاعًا للغاية ويسخر قوته من أجل الخير”.
كما أن مبارك، كان أحد الشركاء الرئيسيين لبرنامج الترحيل الاستثنائي الذي قامت به وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وهو مرحب به من قبل مجتمع رجال الأعمال العالمي – الذي فتحت له مصر مجموعة من الصفقات الاستثمارية المربحة بعد التعديلات الهيكلية التي رعاها صندوق النقد الدولي، على الرغم من تضاعف عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بسبب ​​فساد مبارك والقمع الذي كان يواجه به شعبه، إلا أنه نادراً ما أزعج سجل حقوق الإنسان المروع لمبارك حلفائه العديدين في العالم.

وينطبق الشيء نفسه على السيسي، فداخل سجونه، يقبع حالياً نحو 60 ألف سجين سياسي سجين، بالإضافة إلى تفشي التعذيب داخل المقار الأمنية المختلفة في جميع أنحاء البلاد، لدرجة أن هيومن رايتس ووتش تعتبر أن ما يحدث في مصر يرقى إلى أن يكون جريمة ضد الإنسانية.
وفي الوقت نفسه، تقوم أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بتزويد مصر بمليارات الدولارات من صفقات الأسلحة، بالإضافة إلى الدعم المالي الذي يقدمه صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري رغم كل ما يشوبه من إخفاقات.

يُذكر أنه في عام 2018، بعد أن “فاز” السيسي بـ 97٪ من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، هنأته تيريزا ماي بفوزه قائلة أن فرصة أن يأخذ مصر “في طريق الانتقال الديمقراطي” ترتفع بهذا الفوز؛ كما قام بوريس جونسون في الشهر الماضي بالتقاطه على سجادة حمراء في داونينج ستريت.

البعد الآخر الذي لم يتم الإبلاغ عنه في عهد مبارك هو مدى مقاومة الشعب له: الاحتجاجات والاشتباكات مع رجال الأمن في وزارة الداخلية، التي كانت مستمرة لفترة طويلة قبل الانتفاضة المناهضة لمبارك في عام 2011، لكنها نادراً ما كانت تتصدر العناوين الدولية.
من موجات الإضراب في المدن الصناعية مثل كفر الدوار والمحلة الكبرى إلى المعارك ضد الإصلاح الزراعي والإخلاء القسري في بعض القرى والمدن، كانت “المباركية” دائماً موضع خلاف، على الرغم من أن المعارضة لم تتلاقى أبداً حتى النهاية، ولم يتحدوا.

على النقيض من ذلك، فإن سيسي مصر، لا يسمح حتى بهذا المقدار الضئيل من المعارضة الذي كان يسمح به مبارك، حيث كان مبارك يعتبر ذلك سبباً تحقيق الاستقرار السياسي، مع وجود قضاء مستقل، على عكس قضاء السيسي، كذلك فإن قمع حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام المختلفة، أو حتى التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي في الهواتف الشخصية.
الكاتب وائل إسكندر علق ما يحدث في مصر حالياً قائلاً “الهدف الآن لم يعد مجرد الفوز في ساحة المعركة السياسية، بل القضاء على ساحة المعركة تمامًا”.

هذا المستوى من الاختناق الجماعي، بغض النظر عن غضب الزعماء الغربيين تجاهه، لا يمكن تحمله على المدى الطويل داخل بلد يضم 100 مليون شخص.
القمع الحالي، ليس اختياراً من قبل النظام الحالي، ولا ينم عن مدى قوة ذلك النظام، إنما سببه هو ضعف الشعب.
الوضع الحالي في مصر يؤكد أن مصر عادت للوراء، بل وتعيش فترة أسوأ من فترة مبارك من انتهاكات وقمع وفساد وتجاوزات.
إن الذعر الذي يشعر به أشخاص مثل سوزان مبارك – من فكرة أن المصريين العاديين الذين يرفضون الإذعان للسيطرة، وللسلطة المطلقة، لمظاهر استبدادية كأن تُسمى محطات المترو باسم حاكم تركها في حالة خراب – تمر بضراوة عبر القصر الرئاسي اليوم كما فعلت في أيام الثورة عام 2011.
مات حسني مبارك؛ بين خلفائه، تاركهم في خوف من الوصول لذات المصير، مهما كانت قوتهم.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا