رحل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي تاركاً خلفه إرثاً سياسياً ومواقف ستخلده عبر الزمن، على الرغم من قصر المدة التي أمضاها في السلطة والتي استمرت لعام واحد.

عام واحد كان غنياً بالأحداث والمواقف منذ بدايته بعد أن أصبح أول رئيس مصري منتخب، وأول رئيس بعد ثورات الربيع العربي في يونيو 2012، وصولاً إلى الإطاحة به في يونيو 2013.

من المواقف التي لا تنسى للرئيس الراحل بكاؤه أثناء أداء صلاة الفجر بالمسجد الحرام خلال الزيارة التي أجراها للسعودية في يوليو 2012، وذلك بسبب إحدى الآيات التي قرأها إمام الحرم المكي الشريف.

الآية التي بكى عندها مرسي من سورة إبراهيم هي: “وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال”.

مرسي كان يرتدي ملابس الإحرام وانتهى من أداء العمرة، وظهر عليه التأثر الشديد بالآيات التي يتلوها الإمام.

الرئيس المصري الراحل حرص حينها على إلقاء السلام على كل من قابله أثناء دخوله المسجد الحرام، وشدد حينها على تخفيف الحراسة الشخصية الملازمة له أو الوجود الأمني بجواره إلى أدنى درجة، سواء من جانب الطاقم الأمني المصري أو من الأمن السعودي، لرغبته في عدم إزعاج المصلين في الحرم المكي.

من المواقف التي لاقت صدى واسعاً أيضاً حضور الرئيس الراحل قمة عدم الانحياز التي أقيمت في طهران حينها، في وقت كانت إيران تواجه انتقاداً شديداً لدورها في قمع الثورة السورية إلى جانب قوات نظام بشار الأسد.

يومها جاء خطاب مرسي كالصاعقة لانتقاده النظام السوري أمام كل المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ووفود د الدول المشاركة ومن بينها وفد النظام الذي انسحب احتجاجاً على كلمة الرئيس الراحل.

كما قام التلفزيون الإيراني حينها بتحريف انتقاد مرسي للنظام السوري، حيث غيّر المترجم العبارات إلى البحرين بدلاً من سوريا فضلاً عن عبارات أخرى، ما أثار غضباً رسمياً مصرياً حينها وشعبياً عربياً.

فعندما قال مرسي: “إن الشعبين الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية والعدالة والكرامة”، سمعها الإيرانيون على تلفزيون بلادهم الرسمي “إن شعبي فلسطين والبحرين يناضلان للحرية”.

وبعد رصد كلمة مرسي في القمة وطريقة ترجمتها في التلفزيون الإيراني تبين أن ثمة تغييرات أخرى حصلت، فعندما ذكر مرسي تسلسل ثورات الربيع العربي بدءاً بتونس مروراً بمصر وليبيا واليمن وانتهاء سوريا، حرف المترجم سوريا إلى البحرين وشبه الربيع العربي بالصحوة الإسلامية.

وامتد التحريف لمقاطع أخرى، أبرزها ما قاله مرسي عن حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته كل من روسيا والصين لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن الدولي ضد النظام السوري، فحين قال مرسي: “إن الفيتو شل يد مجلس الأمن عن حل الأزمة السورية”، ترجمت في تلفزيون إيران الرسمي إلى “أن الفيتو شل يد مجلس الأمن عن حل أزمات التحولات الشعبية”.

وحين قال مرسي: “إننا نتضامن مع الشعب السوري ضد الظلم والقمع”، نقلها المترجم “نحن نتضامن مع الشعب السوري ضد المؤامرة الموجهة ضد هذا البلد”، وكذلك عندما قال الرئيس المصري: إن “وحدة المعارضة السورية ضرورة”، نقلها المترجم “نأمل ببقاء النظام السوري المتمتع بقاعدة شعبية”.

وكان من المواقف التي أثارت إعجاباً عربياً وإسلامياً وغضباً إيرانياً حينها، ترضيه على الصحابة الكرام، خلال بداية كلمته في القمة، والذين يتعرضون لإساءات من بعض الشخصيات الشيعية.

وبدأ كلمته حينها بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم تلاها: “اللهم ارض عن ساداتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والصحابة أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين”، علماً أن الترضي على الصحابة في إيران أمرُ مستنكر لكونها تتبع المذهب الشيعي.

مراسلة قناة “الجزيرة” في طهران حينها فرح الزمان شوقي، كانت حاضرة تلك اللحظة، وكتبت عنها عقب وفاة الرئيس الراحل أنها سمعت حينها من الحاضرين “همهمات مختلفة” من قبيل “يا لها من جرأة، يا لها من خطوة، يا له من خطأ”، كما ارتبك كثر في القاعة عندما بدأ بانتقاد نظام الأسد.

ومن المواقف أيضاً التي لن ينساها السوريون تحديداً رعاية الرئيس الراحل لمؤتمر “الأمة المصرية لدعم الثورة السورية” في يونيو 2013، ويظهر فيه وهو يخاطب عشرات الآلاف من مناصريه في استاد القاهرة، ويردد “لبيك يا سوريا”، معلناً “قطع العلاقات” مع النظام السوري وإغلاق السفارة السورية في مصر.

وأعلن التلفزيون المصري، أمس الاثنين، وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي أثناء حضوره جلسة محاكمته في قضية تخابُر، بعد سنوات من التعتيم على أوضاعه داخل السجن.

وعقب رفع الجلسة أُصيب أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في مصر بنوبة إغماء توفي على أثرها، ونُقل الجثمان إلى المستشفى.

وطلب الرئيس الراحل الذي عزله عبد الفتاح السيسي عندما كان قائداً للجيش عام 2013، الكلمة من القاضي، وألقى آخر كلماته خلال الجلسة، قبل أن يصاب بالنوبة.

وقال النائب العام المصري: إن “النيابة العامة تلقت إخطاراً بوفاة محمد مرسي العياط في أثناء حضوره جلسة المحاكمة (بقضية التخابر)”.