العدسة – معتز أشرف
عودة جديدة للإمارات للوقوف أمام المجتمع الحقوقي الدولي، بعد خمس سنوات من الاستعراض الدوري الأخير أمام مجلس حقوق الإنسان بالامم المتحدة في عام 2013، عقب الاستعراض الأول في العام 2008، وسط أوضاع حقوقية متردية ومأساوية، برعاية رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان – بحسب رصد وتوثيق حقوقيين متواترين، وعلى نطاق واسع- جعل كل التوصيات الأممية المناهضة للجرائم المتواصلة بدبي في مهب الريح، ما يجعلها في إطار صعب، قد يواجه حسابا خلال أيام .
مراقبة وتخوف
في 22 يناير 2018، من المفترض أن تتحرك عقارب الساعة لبدء عملية الاستعراض الإماراتي، والذي يحظى بمراقبة حقوقية، أعلنتها منظمة ” كوميتي فور جستس”، في بيان لها وصل “العدسة”، مشيرة إلى أن تقارير الإمارات السابقة حظيت بتوصيات عديدة تعليقا على انتهاكات لحقوق الإنسان، كان أبرزها موجة من القمع المسلط على عشرات النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين تم القبض عليهم واعتقالهم تعسفا، عقابا لهم على مطالبتهم بمشاركة أكبر للمواطنين في الحياة السياسية للبلد واحترام الحريات الأساسية.
المنظمة التي تنطلق من جنيف بجوار المجلس الأممي، أعربت عن تخوفها المبدئي من غض الطرف من دول الترويكا (مصر وكوريا وبيرو) في عملها على ملف الإمارات، على انتهاكات إماراتية توصف بالجسيمة، خلال السنوات الأربع الماضية، التي تلت آخر استعراض دوري شامل، دون القيام بأي التزامات من جانبها بالعمل على تنفيذ التوصيات.
وأوضحت أن دول الترويكا تقوم بإعداد تقرير يشار إليه باسم “تقرير النتائج” بمشاركة من الدولة قيد الاستعراض، وبمساعدة من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بعد مناقشات فريق الاستعراض الدوري الشامل، وهو ما جعل المنظمة تعلن تخوفها وتوجيه الدعوة لدول الترويكا (مصر وكوريا وبيرو) بالالتزام بمعايير المهنية والشفافية، خاصة في ظل ما هو متدوال بصورة متواترة من تحالفات سياسية بين النظامين المصري والإماراتي، وهو ما يجعل من مراقبة عملية الاستعراض ذات أهمية قصوى إعلاء للمعايير الحقوقية المثلي.
وأكدت ” “كوميتي فور جستس ” أنه منذ الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان بالإمارات في 2013، لم تقم السلطات الإماراتية بتنفيذ تعهداتها من التوصيات التي قبلتها بشكل كامل أو جزئي أو التي أخذتها بعين الاعتبار، وبالتالي، فإن الاستعراض الحالي المقرر في الأيام المقبلة، معني بمناقشة جدية من المجتمع الدولي الحقوقي لعدم الالتزام الإماراتي بتوصيات الاستعراض الدوري الشامل الأخيرة، انتصارا لمبادئ حقوق الإنسان، وعملا على وضع السلطات الإماراتية على طريق تحسين حالة حقوق الإنسان.
انتهاكات بالداخل والخارج
يأتي إعلان المراقبة في ظل تقرير حديث صادر، الخميس، ضمن تقارير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي 2018، حيث أعلنت أن الإمارات ارتكبت انتهاكات داخل البلاد وخارجها عام 2017، حيث اعتقلت واحدا من آخر المنتقدين الصريحين في البلاد، ولعبت دورا في عمليات تعذيب وإخفاء في اليمن، وهو الحقوقي أحمد منصور.
التقرير أشار إلى تواصل انتهاكات العمل في الإمارات، حيث يواجه عمال البناء الوافدين استغلالا خطيرا، فبينما اعتمدت الإمارات للمرة الأولى قانونا للعمالة المنزلية في سبتمبر الماضي، ينص على حقوق للعاملات الوافدات، ولكن بعض الأحكام أضعف من تلك التي تضمن الحماية للعمال الآخرين بموجب قانون العمل في البلاد، وهو ما وثقه كذلك المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في أكتوبر 2017، حيث أكد في تقرير له أن السلطات الإماراتية تفرض قيودًا على العمالة الأجنبية وتعرضهم للاستغلال والمعاملة السيئة من خلال تطبيقها لنظام الكفالة، مضيفا أن العمال في الإمارات يتقاضون أجورًا متدنية للغاية، مقارنة بغلاء المعيشة وسوء أوضاع المساكن المخصصة لهم، بما يمثل شكلًا من أشكال العبودية الحديثة.
كما وثّقت “هيومن رايتس ووتش” 87 اعتداء غير قانوني بعضها على الأرجح جرائم حرب، قتل فيها نحو 1000 مدني منذ مارس 2015، لم يقدم أعضاء التحالف، بمن فيهم الإمارات، معلومات كافية عن الدور الذي تلعبه قواتهم في الحملة لتحديد قوات البلد المسؤولة عن الهجمات غير القانونية، مؤكدة تورط الإمارات في الاعتداءات باليمن، من خلال دعم القوات اليمنية المسيئة التي تنفذ حملات أمنية جنوب اليمن، حيث تدير الإمارات ما لا يقل عن مرفقين غير رسميين للاحتجاز في اليمن، يستمران في احتجاز الأشخاص المحتجزين هناك، رغم أوامر الإفراج عنهم، فضلا عن إخفائهم قسرا، ونقل المعتقلين البارزين خارج البلد، بحسب تحريات “هيومن رايتس ووتش”.
من جانبها، أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، عن قلقها من الوضع الحقوقي في الإمارات العربية المتحدة، لا سيما لجهة قمع حرية التعبير، وتعذيب السجناء، وظلم العمال الأجانب، والتمييز ضد المرأة.
وتناولت المنظمة في تقرير من 13 صحفة انتهاك حقوق الإنسان في الإمارات، وذلك من خلال عرض وضع الحريات العامة وحرية الفرد، ومعتقلي الرأي، والتمييز ضد المرأة، واستغلال الأطفال، فضلاً عن تبعية القضاء للسلطات التنفيذية وأجهزة الأمن، والذي أكد انتهاك حقوق الإنسان في الإمارات، فضلاً عن التمييز العنصري، وتعذيب السجناء، وخنق الحريات، ما جعل المفوضية تستنكر بقوة توقيف الأشخاص خارج الإطار القانوني وإخفاءهم قسرياً، ونقلهم إلى سجون سرية، بذريعة اتهامهم بالإرهاب وارتكاب جرائم ضد أمن الدولة، كما أبدت قلقها من العقوبات التي لا تتناسب مع الجرائم، فضلا عن توقيف أشخاص من دون أمر بالتوقيف ونقل معظهم إلى مرافق احتجاز سرية تعرض فيها الكثير إلى التعذيب، ومنهم أطفال، بالتزامن مع بُعد محاكم الإمارات عن الاستقلالية، حيث يخضع القضاة والمدّعون العامون للسلطة التنفيذية وجهاز أمن الدولة، كما يتم محاكمة النشطاء تحت ذريعة الأمن القومي، لادعاءات تتعلق بحرية التعبير.
انتهاكات لا تتوقف إذن، ففي تقرير منظمة العفو الدولية لواقع حقوق الإنسان في عام 2016، أكدت أن المعتقلين في الإمارات، ما زالوا يتعرضون لمختلف أشكال التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، مع رفض الحكومة إجراء تحقيق مستقل في حوادث التعذيب واستمرارها في توفير الغطاء لمرتكبي هذه الانتهاكات بما يعزز من سياسة الإفلات من العقاب.
ويشير المركز الدولي لدعم الحقوق والحريات وعضو تحالف المحكمة الجنائية الدولية إلى قيام السلطات الإماراتية باعتقال عدد كبير من المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهو ما يؤكده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في تقرير حديث صادر عنه، حيث قال: “إن السلطات الإماراتية هناك ما زالت تواصل سياسة الاعتقال التعسفي بشكل واسع دون مبرر من القانون” .
قائمة طويلة
قائمة معتقلي الرأي في الإمارات طويلة منها: الحقوقي الإماراتي أحمد منصور، عضو اللجنة الاستشارية لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” في منطقة الشرق الأوسط والأكاديمي الإماراتي ناصر بن غيث والصحفي الأردني المقيم في الإمارات تيسير النجار والناشطين: أسامة بن حسين النجار، وليد الشحي، محمد الزمر، وعبد الرحمن باجبير، وزوجة المدافع عن حقوق الإنسان محمد بن صقر الزعابي، أو اعتقال ثلاث شقيقات لسجين الرأي المعتقل في سجن الرزين السياسي، الدكتور عيسى السويدي، أو الاستمرار في احتجاز المدافع عن حقوق الإنسان عبيد الزعابي على الرغم من حصوله على حكمٍ بالبراءة صادر من المحكمة الاتحادية العليا، فضلا عن المختل عقلياً محمد المخيال، الذي حوكم بتهمة “المس بالذات الأميرية”، بعدما قام بالاتصال بمركز عمليات الطوارئ، التابع لوزارة الداخلية 37، مرة خلال نصف ساعة، حيث حكمت عليه السلطات الإماراتية بالسجن لمدة خمسة أعوام !!.
صمت المصالح
“عندما تكون مدينة دبي سوقاً ضخماً للبضائع الأوروبية والأمريكية، فلن يتحدث أحد عن الانتهاكات “هكذا يتحدث كثيرون من الساسة المعارضين للإمارات لكن الحقوقيون أكدوا ذات العبارات بمضامين متقاربة، حيث أكدت منظمة العفو الدولية في تقريرها في عام 2014، الصادر عن الانتهاكات الإماراتية في 80 صفحة، أن هناك “فجوة هائلة بين الصورة العامة التي تسعى الإمارات إلى إظهارها من خلال مشروعات حديثة وقوة اقتصادية متنامية تضم فنادق فاخرة وناطحات سحاب ومراكز تسوق، والواقع المظلم للنشطاء الذين يتعرضون للاضطهاد بشكل روتيني والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة”.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” في مقدمة تقرير المنظمة لعام 2018: “تحاول الحكومة وشركات العلاقات العامة المتعددة التي تمولها رسم الإمارات كدولة حديثة سائرة في طريق الإصلاح ولكن ستظل هذه الرؤية الوردية خيالية طالما رفضت الإمارات إطلاق سراح الناشطين والصحفيين والمنتقدين الذين سُجنوا ظلما مثل أحمد منصور، وكلما أشادت الولايات المتحدة وغيرها بالإمارات لدعمها الحاسم في مكافحة الإرهاب في أماكن مثل اليمن، فإن ذلك يغطي واقعا أكثر قتامة يسوده الإخفاء والتعذيب وإساءة معاملة المحتجزين، ويؤكد تواطؤهم المحتمل في هذه الانتهاكات”.
اضف تعليقا