العدسة – منصور عطية
على مدار أشهر اجتهد الأردن ليلعب لعبة مسك العصا من المنتصف في الأزمة الخليجية، وليحافظ على علاقات متوازنة بأطرافها، لكن يبدو أن الجفاء الذي وجده من دول الحصار، أو رهاناته الخاسرة بتبني رؤاهم دفعته ليميل قليلا تجاه الدوحة.
الميل لم يكن مجرد تحليلات سياسية أو تكهنات، لكن شواهد عدة مؤخرا قادت إلى هذا الاستنتاج، على نحو يرجح معه أن تعود المياه إلى مجاريها في العلاقات الأردنية القطرية، لكن هل تكتفي دول الحصار بالمشاهدة؟
مؤشرات لكسر الجمود
محاولات كسر الجمود تصاعدت بشدة في الأسابيع القليلة الماضية من الجانبين على المستويين السياسي والاقتصادي، فقبل أيام قليلة وقّع 45 نائبا في مجلس النواب الأردني (أكثر من نصفه) مذكرة نيابية تطالب بعودة سفير بلادهم إلى الدوحة.
وفي 11 من الشهر الجاري، استقبلت غرفة تجارة وصناعة قطر وفدا اقتصاديا أردنيا برئاسة رئيس غرفة تجارة الأردن ورئيس اتحاد الغرف العربية، نائل الكباريتي، وناقش الطرفان، السبل الكفيلة بتعزيز الاستثمارات المتبادلة، وإمكانية إقامة مشروعات مشتركة.
لكن الحقيقة أن محاولات الأردن لكسر جمود العلاقات مع الدوحة، بدأت مبكرا جدا، ففي 7 ديسمبر الماضي، تواصل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني هاتفيا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.
وفي 14 من نفس الشهر هنأ العاهل الأردني الأمير تميم بالعيد الوطني لاستقلال بلاده، وقالت وكالة الأنباء الأردنية “بترا” حينها إن الملك عبد الله قدم “أحر التهاني باسم شعب المملكة وحكومتها متمنيا للأمير تميم موفور الصحة والعافية وللشعب القطري مزيدا من التقدم والازدهار”.
عمّان غاضبة وتُكايد!
هذا التوجه الأردني ربما ليس وليد اليوم لكنه بمثابة رد الفعل تجاه الأفعال التي اتخذتها دول حصار قطر خاصة السعودية والإمارات ضد مصالح عمّان، الأمر الذي يفسر كون محاولة العودة لأحضان قطر مجرد مكايدة سياسية أردنية بوجه رباعي الحصار.
الموقف الأردني الرسمي والشعبي الرافض في البداية لقرار اعتبار القدس عاصمة للاحتلال، كان فضحًا لمواقف دول الحصار التي كُشف حينها أنها كانت متواطئة ضد القضية الفلسطينية ومشجعة أمريكا وإسرائيل لاتخاذ تلك الخطوة.
هذا الموقف أسفر عن ضغوط تعرض لها الأردن باعتراف رسمي من رأس السلطة بالمملكة الهاشمية، ففي أواخر يناير الماضي اعتبر الملك عبدالله أن جزءا من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بلاده يعود إلى الضغط المطبق عليها بسبب مواقفها السياسية، وقال إن “رسائل وصلتنا مفادها امشوا معنا في موضوع القدس ونحن نخفف عنكم”.
وليس بعيدا عن الضغوط الأمريكية، فإن ثمة ضغوطا أخرى أكثر حدة مارستها كل من السعودية والإمارات لدفع الأردن نحو التراجع عن موقفه بشأن القدس، وتجلت مظاهر الأزمة في محاولة الانقلاب الفاشلة التي أحبطها ملك الأردن.
فبعد القرار الذي أصدره العاهل الأردني بإحالة كل من: أخويه الأمير فيصل بن الحسين والأمير علي بن الحسين بالإضافة إلى الأمير طلال بن محمد، إلى التقاعد من الخدمة في القوات المسلحة، نقلت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” العبرية عن مصادر، قولها إن الأجهزة الاستخباراتية الأردنية رصدت اتصالات بين شقيقي الملك عبدالله وابن عمه مع مسؤولين في السعودية والإمارات لتنفيذ انقلاب ضد الملك، مشيرة إلى أن الأمراء الثلاثة تم وضعهم حاليًا تحت الإقامة الجبرية.
وقال موقع “بريتبارت نيوز” الأمريكي إن الأمراء الثلاثة “كانوا يتآمرون مع قادة سعوديين لتنفيذ انقلاب ضد الملك عبد الله”، كما أشار إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعى للضغط على الملك عبدالله لتجنب حضوره اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في مدينة “اسطنبول”.
ووفق تحليلات سياسية، فإن الاختبار الحقيقي للعلاقة بين الرياض وعمّان كان قضية القدس، حيث تسعى السعودية إلى انتزاع الوصاية الأردنية عن القدس والمسجد الأقصى.
صحيفة “هآرتس” العبرية، قالت إن العلاقات الأردنية السعودية يشوبها الكثير من التوتر، بسبب سياسات وإجراءات ولي العهد السعودي، الذي يسعى إلى تجريد المملكة الهاشمية من الهيكل الحاكم لها.
وأوضحت في تقرير لها أن مسؤولا أردنيا، لم يكشف عن هويته، اشتكى في نوفمبر الماضي من طريقة تعامل ولي العهد السعودي مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية، وأشارت إلى أنه يتعامل معهم كأنهم “خدم وهو السيد الذي عليهم أن يتبعوا ما يأمر به فقط، وهو ما رفضته الأردن بصورة قاطعة”.
من جانبه، نقل موقع “ديبكا” الاستخباراتي الإسرائيلي، عن مصادر عربية تأكيده أن الملك عبد الله أثار غضب القادة السعوديين والإماراتيين بإقامته علاقات وثيقة مع تركيا وقطر.
ووصل الصدع إلى ذروته باعتقال الملياردير الأردني الفلسطيني، صبيح المصري، وطالب الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي من العاهل الأردني أن ينفصل عن الحلف التركي القطري مقابل الإفراج عن المصري، الذي شكلت عملية احتجازه ضربة قوية للاقتصاد الأردني، قبل أن يفرج عنه لاحقًا.
هل يضحي الأردن بحلفائه الخليجيين؟
في يونيو الماضي عندما قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت الدول الأربع حصارا بريا وبحريا وجويا عليها بدعوى “دعمها للإرهاب”، قررت الحكومة الأردنية تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر، إضافة إلى إلغاء ترخيص مكتب قناة “الجزيرة” في عمّان.
تلك السياسة الأردنية اتسمت بالتوازن محاولة إبقاء الباب مفتوحا والحرص على علاقات طبيعية مع طرفي الأزمة، ربما بشكل يمكنها من لعب دور الوسيط، نظرا لعلاقات وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى الرغم من الشواهد السابقة التي تشير إلى ترجيح احتمالية أن تسعى عمان إلى تطبيع كامل للعلاقات مع الدوحة، فإن توقع أن تكون الخطوات الأردنية مجرد مكايدة سياسية أو حلحلة بسيطة لحالة الجمود يبقى واردا.
في هذه الحالة، فإن الأردن يكون مجبرا على الحفاظ على علاقات قوية ومتينة بدول مجلس التعاون وفي مقدمتها السعودية والإمارات اللتان تقودان حصار قطر، وقد يكمن السر هنا في الاقتصاد؛ فالبلاد تعاني أزمة اقتصادية خانقة دفعتها لرفع الدعم عن الخبز والوقود ورفع أسعار السلع والخدمات الأساسية.
وبحسب دائرة الإحصاء العامة الأردنية بلغت التجارة الخارجية للمملكة مع دول مجلس التعاون الخليجي نحو 5.8 مليارات دولار خلال 2017، وسجلت قيمة الواردات السلعية الأردنية من دول الخليج نحو 3.957 مليار دولار، فيما وصلت الصادرات الكلية الأردنية لدول الخليج إلى 1.847 مليار دولار.
ومن المعروف من السياسة بالضرورة أن علاقات قوية مع الرياض وأبو ظبي تعني رضا أمريكا، والعكس صحيح، فالفتور يعني غضب واشنطن وهو ما لا طاقة للأردن به.
وفقًا لسجلات “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID“، فإن 20 دولة عربية تلقت الدعم عام 2016، وحل الأردن في المرتبة الثالثة بين تلك الدول الـ20 حيث حصل على 1.21 مليار دولار، مالت نسبيًا لصالح الدعم التنموي على الدعم العسكري.
وعليه بقى التساؤل: هل يضحي الأردن بعلاقاته مع دول الخليج ويؤزمها مع أمريكا مقابل مصالحة قطر، أم يستمر في سياسة مسك العصا من المنتصف؟
اضف تعليقا