منصور عطية

الجنسية مقابل الحماية.. هذا هو ملخص المخطط الإماراتي الجديد، الذي يسعى بموجبه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى تجنيس “البدون” من الكويت والخليج بصفة عامة، بغية تشكيل ميليشيات مسلحة ربما ليوكل إليها بعض المهام القذرة، سواء داخل البلاد أو خارجها.

فهل تنجح الإمارات في تنفيذ مخططها؟ وما رد فعل أنظمة دول الخليج خاصة الكويت؟ وأي ميدان ينتظر هؤلاء المرتزقة الجدد؟.

مخطط “بن زايد”

البداية كانت بتغريدة للمغرد الإماراتي الشهير “حمد المزروعي”، شديد القرب من ولي عهد أبوظبي، قال فيها: “شرق أوسط جديد وبدون الكويت إماراتيون..”.

التغريدة التي لاقت ردود فعل مستهجنة من قبل الكويتيين والخليجيين، حذفها المزروعي لاحقًا، لكن تلتها تغريدة مشيدة من الصحفي الإسرائيلي “إيدي كوهين” قال فيها: “سبق وأن طالب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتجنيس كل “بدون” الكويت بالجنسية الإماراتية سنة 92، ورفضت الكويت تسليمهم، الآن محمد بن زايد على خطى والده سوف يتم تجنيسهم كلهم، وهذه التغريدة حذفها المزروعي بعد تدخل وساطات، لكن العمل مستمر لأجل البدون”، بحسب تقارير إعلامية.

مؤسس حركة “الكويتيين البدون” المقيم في لندن، محمد والي العنزي، التقط التغريدة ليروي ما قال إنها تفاصيل مخطط كان يعده ولي عهد أبوظبي، مشيرًا إلى مفاوضات جرت بينه وبين “بن زايد”.

وفي تغريدة عبر حسابه على “تويتر“، قال “العنزي”: “محمد بن زايد حينما أرسل لي، كان المخطط أن أخرج في البداية على يوتيوب مما يبث عبدالله الصالح الآن، ثم يمكنني “بن زايد” من قناة فضائية تبث من لندن تطالب بحقوق “البدون” في كل دول الخليج، ثم أتقدم بمناشدة لمحمد بن زايد، ولكنني بعد أن رفضت سألت نفسي كيف يخطط للحل؟”.

وأضاف في تغريدة أخرى: “الآن فهمت ماذا كان “بن زايد” يخطط عندما أناشده، خطط لتجنيس بدون الخليج جميعًا كإماراتيين، ويؤكد هذا تخطيطهم لجعل عبدالعزيز بن فهد بن تركي ولي عهد للسعودية، ثم ضم بدون السعودية للإمارات، الصورة أصبحت أكثر وضوحًا بالنسبة لي، أعتقد أن أمريكا طلبت منه عددًا محددًا للجيش”.

واختتم بالقول: “… “بن زايد” سيأخذ بدون الخليج ليكوِّن منهم جيشًا للحرب القادمة”.

ويطالب نحو 100 ألف من “البدون” الذين لا يحملون جنسية بشكل متواصل، بمنحهم الجنسية الكويتية، فيما تقول حكومة البلاد إن غالبية هذه الفئة يحملون جنسيات عراقية أو سعودية أو سورية، لكنهم أخفوها للحصول على الجنسية الكويتية.

وبينما تسعى الإمارات لمنح بدون الكويت جنسيتها، كانت تقارير إعلامية كشفت أنها اتفقت مع جزر القمر بمنح جنسيتها لآلاف “البدون” الإماراتيين مقابل مساعدات مالية ضخمة.

هذا الجيش المحتمل من البدون يفتح الباب واسعًا أمام الاحتمالات التي تسعى الإمارات من خلالها لتوظيفه في إحدى مهامها القذرة، سواء كانت داخل البلاد أو خارجها.

داخليًّا، يبدو أن الأمر سيشبه كثيرًا مسألة المرتزقة الأجانب على شاكلة “بلاك ووتر” لحماية سلطة آل زايد، ربما من أي توترات قائمة أو محتملة.

وفي اليمن، تحدثت تقارير عن قرب سحب السودان لقواتها، الأمر الذي يجبر الإمارات – صاحبة النفوذ القوي والمسيطرة على العديد من الميليشيات هناك- على تعويض ذلك.

أما في سوريا، فلا صوت يعلو فوق صوت المطالبات الأمريكية والخليجية المتبادلة بضرورة إحلال قوات عربية محل الأمريكية، التي ينتظر أن تغادر البلاد في وقت لاحق لم يتحدد بعد.

أوغندا ليست ببعيد

اللافت، أن الحديث عن الأغراض الإماراتية الكامنة وراء مسألة تجنيس البدون ليست مجرد توقعات أو تحليلات سياسية، لكنه يتزامن مع تقارير تحدثت عن اعتزام دولة الإمارات الاستعانة بجنود أوغنديين في اليمن، دون التنسيق مع السعودية.

ونقلت التقارير عن مصدر يمني قوله إن ولي عهد أبوظبي يعتزم زيارة أوغندا قريبًا لتوقيع اتفاقيات مع الرئيس “يوري موسيفيني”، من بينها اتفاقية تلتزم فيها أوغندا بتأمين 10 آلاف مقاتل أوغندي، يكون ألفان منهم في الصومال، على أن يتم إرسال البقية إلى اليمن لدعم القوات الإماراتية المتواجدة هناك.

وأضافت أن سبب استعانة الإمارات بالقوات الأوغندية، يأتي تحسبًا لسحب السودان قواتها المشاركة في التحالف العربي باليمن.

المثير أن الكشف عن تلك الأنباء يأتي بعد أشهر قليلة من تقارير إعلامية أزاحت الستار بشأن إقامة رئيس شركة “أكاديمي” حاليًا و”بلاك ووتر” سابقًا، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث يدار آلاف المرتزقة من جنسيات مختلفة في أكثر العمليات الأمنية والعسكرية سيئة السمعة التي عرفتها المنطقة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، واحتلال أفغانستان في العام نفسه، ثم العراق في 2003.

مرتزقة بلا حدود

منذ 2010، غيّر “إريك برنس”، رئيس شركة “بلاك ووتر” اسمها واختار الإقامة في الإمارات، بعد أن تلطخت سمعته وواجه ملاحقات قضائية في أمريكا، ثم أنشأ قوة لحساب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد قوامها 800 مقاتل أجنبي هدفها قمع أي ثورة داخلية في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي.

التقارير الأمنية الغربية أشارت إلى أن “بلاك ووتر” تعاونت على نطاق واسع مع الإمارات والسعودية منذ سنوات، وقد تزايد هذا التعاون خلال سنوات الربيع العربي، جراء الخوف من انتقال عدوى الانتفاضات إلى هذين البلدين.

وقالت صحيفة “التايمز” البريطانية، إن الشركة حصلت عام 2010 على عقد من أبوظبي بقيمة 500 مليون دولار تتولى بمقتضاه حماية أنابيب النفط والأبراج المهمة، وتوفير الدعم اللوجستي للجيش الإماراتي واحتواء الاحتجاجات الداخلية.

وكشفت الصحيفة عن استئجار أبوظبي مئات المرتزقة من كولومبيا، كجزء من جيش خاص وفرته شركة “بلاك ووتر”، وأشار موقع “كاونتر بانتش” الأمريكي أيضًا إلى أن المئات من العناصر من كولومبيا وبنما والمكسيك وتشيلي يقاتلون إلى جانب الإمارات في اليمن.

من جانبها، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، في مايو 2011، أن “برنس” وقع اتفاقًا مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بقيمة 529 مليون دولار، استقدمت شركته بموجبه ودربت 800 عنصر – معظمهم من كولومبيا وجنوب إفريقيا- للقتال تحت قيادة القوات الإماراتية.

وفي نوفمبر الماضي، أكدت مجلة “إنتليجنس أونلاين” المتخصصة في متابعة أجهزة الاستخبارات في العالم أن إريك برنس يعمل لصالح عمليات إماراتية خاصة في ليبيا، ووفقًا لمصادر المجلة، فإن الطائرات المتمركزة في قاعدة سرية إماراتية في ليبيا يقودها طيارون يوظفهم “برنس”.

وأشارت تقارير إلى أن أبوظبي تعد عناصر “بلاك ووتر” لما هو أخطر، حيث أفادت مجلة “أي بي سي” الإسبانية، في أكتوبر الماضي، بأنها أعدت قبل حصار قطر مخططًا لغزوها، باستعمال مرتزقة “بلاك ووتر”، لكن الخطة سقطت، خاصة بعد رفض البيت الأبيض لها.

وفي أبريل 2017، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن دولة خليجية رتبت اجتماعًا سريًّا بين مؤسس شركة “بلاك ووتر” وشخصية روسية مقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، كجزء من محاولة على ما يبدو لتأسيس قنوات اتصال خلفية بين موسكو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

بعدها بأشهر اعترف “إريك برنس” أن الشخصية الروسية، هي رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي “كيرل ديمترييف”، وأن الدولة الخليجية هي الإمارات.