كشفت مجلة بلومبرغ في تقرير أن الجنود والاحتياطيين الإسرائيليين الذين شاركوا في الإبادة الجماعية الذي شنها الاحتلال على قطاع غزة لمدة 15 شهرًا باتوا يواجهون مخاطر قانونية غير مسبوقة عند السفر إلى الخارج، حيث يمكن أن يواجهوا الاعتقال أو الملاحقة القضائية في بعض الدول بناءً على مبدأ الاختصاص القضائي العالمي الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب خارج بلدانهم.
لطالما كان من المعتاد أن يسافر الجنود الإسرائيليون بعد إنهاء خدمتهم العسكرية في رحلات استكشافية حول العالم، لكن مع تصاعد الغضب العالمي تجاه الجرائم المرتكبة في غزة، أصبحت هذه العادة محفوفة بالمخاطر. العديد من الجنود بدأوا يتخوفون من أن وجود صور أو مقاطع فيديو لهم خلال عملياتهم العسكرية قد يتحول إلى دليل إدانتهم أثناء مرورهم عبر المطارات الدولية.
في حوار مع المجلة، قال آشر، 34 عامًا، وهو جندي احتياطي إسرائيلي، إنه يشعر بالخوف من أن يتم التعرف عليه بسبب صورة نشرها أحد أصدقائه على وسائل التواصل الاجتماعي، مما قد يعرضه للاعتقال عند دخول بعض الدول. وأضاف: “من الممكن أن أجد نفسي متهمًا بجرائم ضد الإنسانية بسبب هذه الصورة”.
وأشارت بلومبرغ إلى أن المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت بالفعل مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، ما يزيد من احتمالات استهداف الجنود والضباط الإسرائيليين بقرارات مماثلة.
إجراءات إسرائيلية لمواجهة التهديدات القانونية
نظرًا لتزايد المخاطر، قامت قيادة جيش الاحتلال بفرض قيود جديدة على نشر صور الجنود أثناء العمليات العسكرية، كما تم توجيه أوامر للأفراد بحذف أي محتوى قد يُستخدم كدليل ضدهم.
القلق لم يعد مقتصرًا على الجنود وحدهم، بل وصل إلى عائلاتهم. المحامية شلوميت ميتز-بولات، وهي والدة جندية احتياطية، نصحت ابنتها بعدم السفر خارج الولايات المتحدة- رغم أنها لم تشارك في العدوان على غزة أو لبنان- بسبب نشر صورتها بالزي العسكري في حملة مؤيدة لإسرائيل في كندا. وأوضحت: “الخوف هو أن يتم التعرف عليها باستخدام الذكاء الاصطناعي أو تقنيات التعرف على الوجه، هناك جهات تترصد جنودنا وتحاول الإيقاع بهم.”
حالات فرار من الخارج خوفًا من الملاحقة
تطرق التقرير إلى حالة الجندي الاحتياطي يوڤال ڤاغداني، الذي فر من البرازيل بعد أن أصدرت محكمة هناك أمرًا بالتحقيق معه في جرائم حرب. ڤاغداني، البالغ من العمر 23 عامًا، كان قد نشر صورًا ومقاطع فيديو له أثناء هدم منازل فلسطينية في غزة. وعند وصوله إلى البرازيل، استمر في النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، مما كشف عن موقعه وأدى إلى قيام مؤسسة هند رجب، وهي منظمة فلسطينية دولية، برفع دعوى ضده تطالب باعتقاله بتهمة المشاركة في تدمير جماعي لمنازل المدنيين الفلسطينيين كجزء من حملة ممنهجة لخلق ظروف معيشية غير محتملة.
ووفقًا للمؤسسة، فإنها رفعت شكاوى قانونية مماثلة ضد جنود إسرائيليين آخرين في كل من سريلانكا، تايلاند، الأرجنتين، السويد، وإسبانيا، استنادًا إلى القوانين الدولية التي تتيح مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب أينما كانوا.
إسرائيل تقلل من المخاطر.. ولكن الجنود قلقون
رغم تصاعد القلق بين الجنود الإسرائيليين، حاولت وزارة خارجية الاحتلال التقليل من أهمية هذه التهديدات، ووصفتها بأنها مجرد “حملات دعائية لا تؤدي إلى نتائج”، مؤكدة أنه لم تصدر أي مذكرات اعتقال فعلية حتى الآن.
لكن على أرض الواقع، هناك جهود إسرائيلية مكثفة لحماية الجنود، حيث قامت منظمة “إل هاداغل”، وهي تجمع لضباط احتياط إسرائيليين، بالتعاون مع مكتب هيرتسوغ فوكس & نيمان، أحد أكبر مكاتب المحاماة في إسرائيل، بإطلاق برنامج قانوني خاص لحماية الجنود والاحتياطيين من الملاحقة الدولية. يتضمن البرنامج:
- تحليل الوضع القانوني لكل جندي قبل سفره إلى الخارج
- إرشادات حول كيفية التصرف في حال اعتقالهم أو استجوابهم
- تأمين محامين محليين في الدول التي قد يواجهون فيها مخاطر قانونية
بالإضافة إلى ذلك، تسعى المجموعة إلى حشد الدعم السياسي الأمريكي، حيث قامت بمخاطبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطالبة إياه بفرض عقوبات على المنظمات الحقوقية التي تلاحق الجنود الإسرائيليين ومحاسبة الدول التي تسمح بهذه الدعاوى القضائية.
مخاوف إسرائيلية من تصاعد الضغط الدولي
مع تزايد الضغوط على الجنود الإسرائيليين، قامت منظمة شورات هدين – المركز القانوني الإسرائيلي بإصدار إرشادات جديدة للجنود قبل سفرهم إلى الخارج، تنصحهم بـ:
- حذف أي صور أو مقاطع فيديو لهم بالزي العسكري من وسائل التواصل الاجتماعي
- الاحتفاظ بأرقام الطوارئ للسفارات الإسرائيلية في الدول التي يزورونها
- تجنب الإدلاء بأي تصريحات للمحققين في حال احتجازهم
وتعمل المنظمة على إطلاق موقع إلكتروني وكتيبات إرشادية سيتم توزيعها في الدول التي يتجمع فيها الشباب الإسرائيليون أثناء السفر، لتوجيههم حول كيفية تجنب الاعتقال.
تأمين قانوني ضمن وثائق السفر
في مؤشر على تصاعد القلق داخل إسرائيل، أعلنت شركة هارئيل للتأمين، إحدى أكبر شركات التأمين الإسرائيلية، عن إضافة تغطية قانونية جديدة إلى وثائق التأمين على السفر، بحيث يحصل الجندي أو الاحتياطي الإسرائيلي على دعم قانوني يصل إلى 2000 دولار في حال تعرضه لأي ملاحقة قانونية أثناء وجوده في الخارج.
في ظل الإدانات الدولية الواسعة للجرائم الإسرائيلية في غزة، يبدو أن الجنود الإسرائيليين لم يعودوا يشعرون بالأمان خارج إسرائيل. وبينما تسعى حكومة الاحتلال إلى التقليل من أهمية هذه المخاطر، فإن التقارير المتزايدة عن فتح قضايا في المحاكم الدولية، وفرار جنود من دول كانوا يسافرون إليها تقليديًا، تشير إلى أن المساءلة قد تكون أقرب مما يتوقعون.
اضف تعليقا