جلال إدريس
صفعة جديدة وضربة اقتصادية قوية تلقتها دولة الإمارات مؤخرًا من الدولة الإفريقية السمراء “جيبوتي”؛ حيث افتتحت جيبوتي الأسبوع الماضي منطقة للتجارة الحرة شيَّدتها الصين في مشروع بقيمة 3.5 مليار دولار، قالت: إنها لتعميق الروابط مع العملاق الآسيوي ومساعدة البلد الواقع في القرن الإفريقي على توليد المزيد من الوظائف.
وبرغم من أنَّ المبررات والدوافع الجيبوتية لافتتاح منطقة تجارة حرة صينية على أراضيها، مقنعة تمامًا من الناحية الاقتصادية، إلا أنَّ مراقبين اعتبروا هذا الافتتاح بمثابة ردّ على تحركات الإمارات في البحر الأحمر ومحاولاتها محاصرة موانئ جيبوتي وعزلها، خصوصًا وأن افتتاح المنطقة الحرة جاء بعد أشهر من إلغاء جيبوتي امتياز لشركة موانئ دبي العالمية في ميناء “دوراليه” الذي لا يبعد كثيرًا عن المنطقة الحرة.
ما أثار الشكوك حول الرسالة التي تريد أن تبعث بها “جيبوتي” للإمارات، هو الحفل الضخم والحضور الكبير للقادة والزعماء الأفارقة الذين حرصت جيبوتي على تصدُّرهم مشهد افتتاح هذه المنطقة الصينية الجديدة.
وإلى جانب رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله، حضر نظيراه السوداني عمر البشير والرواندي بول كاغامي، ورئيسا وزراء إثيوبيا والصومال آبي أحمد وحسن علي خيري، وهو ما يوحي بأنّ زعماء إفريقيا متحدون خلف تصرفات “جيبوتي” وراضون تمامًا عن التوسع في النفوذ الصيني في إفريقيا.
حصار لميناء جبل علي
ويعتقد خبراء أنه بافتتاح المنطقة الحرة سيتحول ميناء جبل علي في مدينة دبي إلى شبه ميناء داخلي، وهو ما يعني الإضرار بشريان رئيسي لتجارة الإمارات الساعية لمدّ نفوذها التجاري والسياسي في القرن الإفريقي واليمن من بوابة السيطرة على الموانئ.
ميناء جبل علي بالإمارات
ووفقًا لـ”الجزيرة الإخبارية” فإنَّ المرحلة الأولى من مشروع منطقة التجارة الحرة الدولية في جيبوتي، ستمتدّ على مساحة 240 هكتارًا، وستبلغ عند اكتمالها 4800 هكتار، مما يجعلها أكبر منطقة تجارة حرة في إفريقيا.
وصرَّح رئيس مجلس إدارة هيئة موانئ جيبوتي أبو بكر عمر، أنها تمثل عهدًا جديدًا من انفتاح جيبوتي ومن ورائها منطقة القرن الإفريقي على مسارات التجارة العالمية والتنويع الاقتصادي، مضيفًا أن بلاده ستعمل على جعل المنطقة الحرة مركزًا للصناعات التحويلية، وإعادة تصنيع المواد الخام القادمة من إفريقيا وتصديرها للأسواق.
ورأى مراقبون في حضور قادة أفارقة افتتاح المشروع رسالة دعم إفريقية لهذه المنطقة الحرة التي ستكون ذات مردود اقتصادي واستثماري على منطقة القرن الإفريقي برُمّتها.
وأشاروا إلى أنّ المشروع جزء من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية التي تهدف لإحياء وتطوير طرِيق الحرير التاريخي عبر تشييد شبكات من الممرات البرية والبحرية تربط الموانئ الصينية بإفريقيا.
ووفق الإحصائيات الرسمية الجيبوتية، فإنّ موانئ جيبوتي تشهد يوميًا عبور تسعين سفينة تشكّل السفن القادمة من آسيا 59% منها، في حين تمثل السفن القادمة من أوروبا 21%، ومن القارات الأخرى بما فيها إفريقيا 16%.
والعام الماضي زادت حركة الحاويات في موانئ جيبوتي إلى تسعمائة ألف حاوية، كما بلغ حجم الشحنات الجافة والمنتجات النفطية تسعة ملايين طن متري.
الصين تنافس دبي
ومن المعروف أن الصين تنافس منذ عدة سنوات “دبي”، للسيطرة على ميناء “دوراليه” الاستراتيجي بجيبوتي.
وتشكل “محطة دوراليه” ثروة لجيبوتي الواقعة قرب البحر الأحمر وتحمل أهمية استراتيجية بالنسبة لدول مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وفرنسا، التي تملك جميعها قواعد عسكرية في المنطقة.
وقبل نحو شهرين رحّب وزير المالية في جيبوتي إلياس دواله بمشاركة الصين في “تطوير موانئ بلاده”، بحسب ما نقلت شبكة الصين بنسختها العربية الجمعة، وذلك بعد أيام من فسخ عقد مع شركة تابعة لإمارة دبي كانت تدير “محطة دوراليه” الاستراتيجية.
فيما قالت الشبكة الصينية للأنباء: إنَّ جيبوتي توصلت لاتفاق مع شركة متعاونة مع الصين هي “باسيفيك انترناشونال لاينز ليميتد” ومقرها سنغافورة لتعزيز تجارة الشحن بميناء “دوراليه”.
ميناء دوراليه
واحتلَّ الميناء مكانة إقليمية عالية، بعد النزاع الحدودي بين إريتريا وإثيوبيا ما بين 1998-2000، وإغلاق منافذ إريتريا البحرية أمام إثيوبيا، الدولة غير الساحلية والأكثر اكتظاظًا بالسكان في القرن الإفريقي.
صفعة ثانية لعيال زايد
ويعدّ افتتاح هذا المشروع الاقتصادي الضخم بمثابة صفعة ثانية لـ”عيال زايد” في جيبوتي، حيث كانت الصفعة الأولى الشهر الماضي، حين قررت “جيبوتي” وعلى نحو مفاجئ إنهاء عقد الشركة الإماراتية العملاقة لتشغيل “محطة دوراليه للحاويات” ذات الموقع المتميز قرب مضيق باب المندب.
واتّهمت دولة جيبوتي، وقتها نظيرتها الإمارات بالاستمرار في محاولة التأثير على مصالحها العليا، من خلال التأثير على الشركات العالمية الراغبة في الاستثمار بميناء “دوراليه”.
وأشارت وكالة “إيكوفان” الإفريقية، إلى أنّ الرئاسة الجيبوتية اتهمت في بيان صدر، “الأربعاء” 11 أبريل، الإمارات بالتعدّي على حريتها الاقتصادية.
وقال البيان: “نرفض بشكل قاطع تهديدات موانئ دبي العالمية التي أصدرت أخيرًا بيانًا بخصوص إلغاء تعاقدها في ميناء دوراليه، وهو العقد الذي وقع عام 2006 بين شركة (حاويات دوراليه) و(موانئ دبي العالمية)، فقرار إلغاء التعاقد تمّ عبر اللجوء إلى القضاء وبشكل قانوني”.
كيف ردت أبو ظبي؟
وعلى إثر إنهاء العقد، اتهمت شركة “موانئ دبي العالمية” حكومة جيبوتي بـالاستيلاء بطريقة “غير مشروعة” على”محطة دوراليه للحاويات”. وأعلنت عن بدء إجراءات ضدّها أمام محكمة لندن “للتحكيم الدولي”.
فمنذ العام 2006 تتولى شركة مملوكة من قبل “موانئ دبي العالمية” تصميم وبناء “محطة دوراليه” وتشغيلها بموجب عقد امتياز مع حكومة جيبوتي.
وقال سلطان بن سليم، رئيس مجلس إدارة “موانئ دبي العالمية”: إذا كان بإمكان الدول تغيير قوانينها للسيطرة على الأصول، فإنَّ ذلك سيزيد صعوبة جذب الاستثمارات في الأساس.
أهمية جيبوتي لدبي
وبالمرور على القرن الإفريقي والدول المشاطئة للبحر الأحمر من جهة إفريقيا، تجد أن الإمارات تعمل على بسط نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، لأسباب عدة.
ومن بين هذه الدولة، كانت جيبوتي التي منحت عقد تشغيل وإدارة ميناء “دوراليه” لمجموعة موانئ دبي العالمية، ويمتد عشرين عامًا منذ عام 2004، تملك من خلاله حصة 33% في ميناء دوراليه في جيبوتي، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمحطة 1.25 مليون حاوية نمطية”.
ويعتبر ميناء “دوراليه”، ذا أهمية قصوى في إفريقيا؛ حيث يقع بمحاذاة أحد الممرات البحرية الأكثر استخدامًا في العالم بين المحيط الهندي وقناة السويس، كما تشهد حركة الذهاب والإياب لسفن الشحن في تزايد مستمر بنسبة تتراوح بين 6 و10% سنويًا.
ولا تعمل الإمارات على بسط نفوذها في منطقة القرن الإفريقي لمجرد طموح اقتصادي وحسب، بل تسعى إلى صياغة سياسة خارجية واضحة لتحديد مصالحها الأمنية والاستراتيجية تجاه هذه المنطقة الحيوية.
وتدير الإمارات من خلال مجموعة “موانئ دبي العالمية”، 78 ميناء بحريًا وبريًا في 40 دولة في مختلف أنحاء العالم.
وتريد أبوظبي من خلال النفوذ الاقتصادي التاثير على دول الجوار وعبر العالم أيضًا، لتتمتع بحصانة سياسية تحميها من الحملات السياسية التي تطالبها بالكفّ عن ملاحقة المعارضين والسماح بنوع من التعددية السياسية والسماح بتأسيس أحزاب ونقابات وما شابه ذلك.
قاعدة عسكرية صينية تزعج الإمارات
ويبدو أن الصين لا تسعى فقط للانتشار الاقتصادي في القرن الإفريقي، لكنها تسعى لتمكين نفسها عسكريًا في إفريقيا من أجل حماية مصالحها الاقتصادية وسفنها من القرصنة وغيره، وهو الأمر الذي يزعج الإمارات بشكل كبير أيضًا.
وخلال العام الماضي حصلت الصين على الضوء الأخضر لبناء قاعدة عسكرية بحرية في جيبوتي بعد مفاوضات بين البلدين، بحسب ما أعلن وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف، على هامش القمة الإفريقية الصينية في جوهانسبرج عام 2017.
وأكد الوزير أنَّ الصين “حليفة استراتيجية” لهذا البلد الواقع في القرن الإفريقي، إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة.
وقال يوسف، إنَّ “المفاوضات مع الصين انتهت”، موضحًا أنها “قاعدة تهدف إلى مكافحة القرصنة وضمان أمن مضيق باب المندب، وخصوصًا ضمان أمن السفن الصينية التي تمر عبر هذا المضيق”.
وأضاف أن هذه القاعدة الجديدة “تندرج في إطار الجهود التي تبذلها جيبوتي لمكافحة الإرهاب والقرصنة”، مشيرًا إلى أنها ستقام على أحد أرصفة ميناء جيبوتي الجديد الذي يجري بناؤه.
وقامت البحرية العسكرية الصينية منذ نهاية 2008 بحوالي عشرين مهمة قبالة سواحل الصومال وخليج عدن، في إطار الجهود لمكافحة القرصنة، لكنها واجهت “صعوبات في محطات الرسو وإعادة التموين”.
اضف تعليقا