بعد طول انتظار، انتهت قمة مجلس التعاون الخليجي 41، الثلاثاء الماضي، في السعودية، بإعلان المصالحة الخليجية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين قطر ودول المقاطعة الأربع، ورغم الأجواء الإيجابية التي غطت القمة، إلا أن خبراء وصحفا غربية، تحدثوا عن امتعاض إماراتي غير ظاهري من التوصل لحل للأزمة التي بدأت في عام 2017.
وعقب اجتماع ليوم واحد في مدينة العلا شمال غربي المملكة، خرج “إعلان العلا” (البيان الختامي) ليؤكد “العلاقات الراسخة بين دول الخليج واحترام مبادئ حسن الجوار”، إضافة إلى “تكاتف دول الخليج في وجه أي تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في شؤون أي منها”.
وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، خلال مؤتمر صحفي بعد القمة، إنها “فتحت صفحة جديدة لاستقرار وتضامن الخليج، وأسفرت عن عودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية”. مضيفا أن القمة “أعلنت المصالح العليا لمنظومة التعاون، و”تفتح صفحة جديدة لاستقرار وتضامن الخليج”.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت المصالحة ستنهي التوترات بالكامل، خاصة وأن جذور التوتر لم يتم التطرق إليها، كما أن موقف الإمارات وإن كان مؤيدا – ظاهريا – لإنهاء الخلاف الخليجي، إلا أنها كانت ترغب في استمراره أطول فترة ممكنة. وغاب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد عن القمة، ومثَّل بلاده فيها حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم.
محاولة فاشلة:
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن الإمارات قاومت المصالحة مع قطر واختلفت مع السعودية حول ما إذا كان ينبغي إنهاء المقاطعة، لكن الرياض “أرادت إنهاء المقاطعة، وعدم بقاء الأزمة على طاولتها مع قرب دخول إدارة جو بايدن البيت الأبيض”.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة على المفاوضات، أن المملكة وحلفاءها أسقطوا قائمة الطلبات الـ13 التي قدموها لقطر لإنهاء الحصار، وكان من بينها إغلاق قناة “الجزيرة” وتقليص تعاون الدوحة مع طهران.
وأكدت المصادر التي تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها، للصحيفة، أن قطر وافقت بدورها على تجميد الإجراءات القانونية ضد الدول المحاصرة في منظمة التجارة العالمية ومؤسسات أخرى.
ويرى مراقبون أن هذه المرة ليست الأولى التي تتحدث عن محاولة الإمارات وخاصة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد عرقلة اتفاق مصالحة خليجية ينهي المندلعة منذ سنوات.
ووفق الصحيفة الأمريكية، فإنه إذا تم إبرام اتفاقية مصالحة، فإنها ستنهي النزاع الذي ولّد سنوات من الخطاب المنمق من قبل الحكومات المعنية، مشيرة إلى أن الخلاف بدا أنه يعقد فقط حياة الأشخاص الذين تربطهم علاقات تجارية وعائلية عبر الحدود، فضلاً عن العمال والطلاب الذين ينحدرون من دول المقاطعة ولكنهم يقيمون في قطر.
انعدام الثقة:
وفي سياق متصل، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، إنه على الرغم من تأكيد البيان الختامي لقمة العلا بالسعودية على عودة العلاقات الكاملة بين قطر ودول المقاطعة واحترام مبادئ حسن الجوار، إلا أن انعدام الثقة ما يزال قائما.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما حصل هو تخفيف لحدة التوتر، أكثر من كونه مصالحة إقليمية واسعة النطاق. ونقلت عن الباحثة السياسية “باربرا سلافين”، قولها: “أشك في أننا نشهد تكثيفا مفاجئا للتعاون بين الدول الخليجية التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكرية متوافقة منذ أربعين عاما، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجية”.
وأوضحت “لوفيغارو” أن انعدام الثقة لن تختفي فجأة، خاصة بين الدوحة من جهة، وأبوظبي والقاهرة من جهة أخرى. متسائلة إن كان الإماراتيون سيعيدون فتح مجالهم الجوي أمام الطائرات القطرية؟.
فيما اعتبر المحلل في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية “كوينتين دي بيمودان” أن “أبوظبي هي الخاسرة؛ لأنها استثمرت الكثير في وسائل الإعلام ضد قطر”.
ويرى مراقبون أنه بالنسبة لمحمد بن سلمان، الذي يعد من الداعمين الكبار لدونالد ترامب، فإن بداية المصالحة هذه تريح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من أزمة بين حلفاء الولايات المتحدة، قبل خمسة عشر يوما من دخوله البيت الأبيض.
ولفتت الصحيفة الفرنسية أن الاختراق الدبلوماسي الذي تحقق في القمة الخليجية بمدينة العلا السعودية، من المحتمل أن يكون النجاح الدبلوماسي الأخير لإدارة دونالد ترامب، بعد اتفاقيات التطبيع لكل من الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل.
مواقف غامضة:
من جانبه، اعتبر الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري، أنه “من المبكر الحديث عن أن الانفراج في العلاقات القطرية السعودية هي مصالحة خليجية، فاتفاق العلا جرى بين الدوحة والرياض فقط، وإجراءات فك الحصار لم تقم بها سوى السعودية”.
وأضاف الكندوري في حديث لوكالة الأناضول: “ما زالت مواقف باقي دول الحصار غامضة وغير صريحة تجاه هذه المصالحة وما يترتب عليها فيما بعد، لكن بالتأكيد إعلان المصالحة القطرية السعودية سيكون له صدى إيجابي على شعوب الخليج والمنطقة”.
وعن غياب التفاصيل قال الباحث: “البيان كان عامّا دون التطرق إلى باقي التفاصيل، التي يُمكن أن تكون محل خلاف ومصدر اعتراض من باقي الأطراف”.
وتابع الكندوري: “جميع الأطراف، وبالذات الطرف الذي يقود المصالحة وهو الكويت، حريصة على عدم التطرق إلى التفاصيل، وتأجيلها إلى الجلسات الحوارية المقبلة، بهدف إحداث خرق في جدار هذه الخصومة وحلحلتها مستقبلا”.
وأردف: “بتقديري هناك خلافات كبيرة في التفاصيل التي سيتم مناقشتها لاحقا، وإعلان المصالحة جاء بضغوط أمريكية، وربما وافقت السعودية لتتخلص من تلك الضغوط، ولرغبتها في تحسين صورتها أمام الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن”. الذي يتسلم مهامه رسميا في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري.
واستطرد: “الخصومة الحالية فيها طرف دائما ما كان يقف بالضد أمام أية مصالحة قطرية سعودية، وهي دولة الإمارات، بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فهو يعتقد أن قطر دولة منافسة له، وبالتالي فإن التضييق عليها من مصلحته”.
ولفت الكندوري إلى أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد “لا يرغب أن تخرج الرياض من طوعه، فعقد مصالحة قطرية سعودية دون الرجوع إليه يعتبر خروجا على الإرادة الإماراتية التي تتحكم بالمواقف السعودية”.
بدوره، وصف رئيس مركز عمران للدراسات “عمار قحف” المصالحة الخليجية بـ”المتأخرة”، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن “المصالحة ضرورية لترسيخ الاستقرار السياسي والدبلوماسي في المنطقة”.
ورأى قحف أن الأمور “لن تعود لطبيعتها بشكل سريع، لكن ستأخذ مجراها، ربما تكون هناك تغييرات بسيطة، وتغييرات أخرى بحاجة إلى وقت لنشهد نتائجها، ونتطلع إلى اتحاد الموقف الخليجي تجاه الوجود الإيراني في المنطقة ورفضه ومقاومته في سوريا”.
وأضاف: “الجانب الوحيد الذي ينبغي أن نرصده هو السلوك الإماراتي تجاه هذه المصالحة، ولا يبدو على الأقل أن هناك مؤشرات على انفراج إماراتي قطري، وقد يأخذ وقتا أطول”.
اضف تعليقا