حرائق جديدة في ألمانيا تحت شعار “الإسلاموفوبيا”، تشعل الغضب، وتدفع إلى إطلاق تحذير من دار الخلافة العثمانية القديمة، على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، وتحذير ثان من دار الأزهر الشريف، فالاثنان دقا نواقيس الخطر في تصاعد الحركات اليمينية المتطرفة والتمييزية والعنصرية، وتحكمها في منحى السياسة المركزية الأوروبية، حتى باتت المواقف العنصرية ضد المسلمين والمساجد أمرًا طبيعيًّا في سياسة البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، ولهذا قصة نروي بعض فصولها .
950 اعتداءً!
فتيل حرائق جديدة تم انتزاعه في ألمانيا، لتنفجر قنابل الغضب، حيث شن مجهولون في ألمانيا، الأحد، 3 هجمات بمواد حارقة على مسجدين ومبنى تابع لجمعية الصداقة التركية-الألمانية، خلال الـ 48 ساعة الماضية، حيث هاجم مجهولون مسجد “قوجه سنان” في شارع كولفاين شتراسا، في برلين، بمواد حارقة، وأدى الهجوم -حسب شهود عيان- إلى اشتعال النيران فيه مدة ساعة، قبل أن تنجح عناصر الدفاع المدني في السيطرة على الحريق، وفي حادثة ثانية، ألقى مجهولون زجاجات تحوي مواد حارقة على واجهة جمعية الصداقة الألمانية التركية في مدينة مشيده، بولاية شمال الراين ويستفاليا، غربي البلاد، وجاء هذان الهجومان، بعد ثالثٍ بمواد حارقة على مسجد بمدينة لاوفن في ولاية بادن فورتمبرج، جنوبي ألمانيا، أمس الأول الجمعة، ما أدى لاشتعال حريق فيه، وحسب بيانات وزارة الداخلية الألمانية، وقع 950 هجوما على منشآت إسلامية ومسلمين، في جميع أنحاء البلاد، خلال 2017.
من جانبه، أدان الأزهر الشريف، ما حدث، مؤكدا أن “مثل هذه الأعمال الإجرامية البغيضة، التي تنتهك حرمة بيوت العبادة، تسهم في نشر الكراهية والعنصرية في المجتمعات”، فيما طالب الأزهر بضرورة حماية دور العبادة من أي اعتداء واحترام قدسيتها، وتوفير المناخ الآمن لأداء الشعائر الدينية.
ظروف قاسية!
وبحسب وصف صحيفة دويتشه فيله الألمانية، فلقد كان “عام 2017 قاسيا على المسلمين في ألمانيا” ، مشيرة إلى أول حصيلة للاعتداءات التي استهدفت المسلمين ومنشآتهم في ألمانيا في عام 2017، حيث تحدثت مصادر حكومية عن 60 هجوما بدوافع سياسية ضد دور اللاجئين حصلت في الربع الأخير من عام 2017، بجانب ما ذكرته وزارة الداخلية أنها بلغت 950 هجوما.
وفي ردٍّ على سؤال من كتلة حزب اليسار المعارض في 5 مارس الجاري، أكدت الحكومة الألمانية أن 60 هجوما بدوافع سياسية استهدفت دورا لإيواء اللاجئين، وما تزال هذه الأرقام مؤقتة، كما توجد -حسب معطيات حكومية- معلومات حول 301 جنحة بدوافع سياسية بين بداية أكتوبر ونهاية ديسمبر 2017، “استهدفت طالبي لجوء ولاجئين خارج دور اللاجئين، كما حصل في نفس الفترة 23 هجوما بدوافع سياسية ضد “منظمات إغاثة أو مساعدين متطوعين”، ووقع في السنة الماضية، حسب الحكومة 950 هجوما ضد مسلمين ومنشآت إسلامية كالمساجد، أدت إلى جرح 33 شخصا، وسجلت السلطات حوالي 60 اعتداءً، وتلطيخ جدران مساجد ومنشآت إسلامية أخرى، موضحة أنه في جميع الحالات تقريبا كان الجناة من اليمين المتطرف.
من جانبه، أكد رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أيمن مزيك، أن هذه الإحصاءات لا تشمل جميع الجنح، وتعكس بالتالي جزءا من الحقيقة، كما أن العديد من المعنيين لا يقدمون شكاوى.
وعبرت المتحدثة باسم حزب اليسار للشؤون الداخلية، أولا يلبكه، عن قلقها بالنظر إلى زيادة شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبي أن تتجذر أجواء معادية للمسلمين في ألمانيا، وقالت إن ممثلي الحزب الشعبي يساهمون من داخل مقر البرلمان الألماني في تسميم الأجواء ضد المسلمين.
إنها محرقة!
“الإسلاموفوبيا” تخطت ألمانيا لتشمل أوروبا، تصدرتها حركة “بيديغا” المتطرفة، والتي تأتي اختصارًا لاسم “أوروبيون وطنيون مناهضون لأسلمة الغرب”، وتعهدت بتنظيم عدة احتجاجات لطرد المسلمين من أوروبا خلال العام 2017، حيث شارك نحو 100 ألف شخص في تظاهرات مناوئة للإسلام والمهاجرين، وحشدت حركة “بيديغا” نحو 25 ألف متظاهر في شوارع دريسدن وحدها، عدا آلافٍ آخرين شاركوا في تظاهرة مماثلة في كولون، وتخلل تظاهرة دريسدن مقتل مهاجر إريتري، وهو أحد 20 مهاجراً من طالبي اللجوء ممن يقطنون في نزل في المدينة.
وبحسب منظمة “فيث ماترز“، التي تراقب الكراهية ضد الإسلام، فقد أكدت في تقرير لها، أن هناك تزايدا في استهداف المساجد والاعتداء المتكرر من قبل متشددين عليها، والتي وصل عدد الحوادث التي تعرضت المساجد في دول أوروبية إلى 642 حادثة، حيث تعرض مسجد السلام بمدينة بيتربورو الكندية لانتهاك صارخ بإشعال النيران بداخله وإحراقه تماما، وأعلنت الشرطة الكندية قيام مجهولين بإشعال النار عمدا في مسجد بمدينة بيتربورو وسط مقاطعة أونتاريو كبرى المقاطعات الكندية الواقعة شرقى كندا، واعتبرتها جريمة كراهية تشعل الفتنة.
وطبقاً لما كشفته “منصة المواطنة الإسبانية حول الإسلاموفوبيا“ فقد شهدت البلاد أكثر من خمسمائة حادثة متعلقة بالإسلاموفوبيا في عام 2017، منها حوادث استهدفت نساء وأطفالاً ومساجد، مؤكدة أنه لوحظ اتجاه متزايد للتحيز ضدّ الإسلام بين مختلف الآراء السياسية في البلاد، حيث وقعت حوادث مرتبطة بـطالإسلاموفوبيا” في الشوارع والإعلام وحملات الإنترنت من قبل مجموعات يمينية متطرفة، مشيرًا إلى أن 386 حادثة من مجموع 546 حادثة مرتبطة بـ”الإسلاموفوبيا” في 2017 وقعت عبر منصات إعلامية أو مواقع الإنترنت.
وفي فرنسا، تزايدت وتيرة العداء للإسلام، وانتشرت شعارات مناهضة للعرب، مثل “أيها العرب اذهبوا بعيدًا” و”العرب قذرون”، وفي سويسرا يخطط نشطاء معادون للإسلام والمسلمين لتنظيم مسيرات مماثلة لتظاهرات “بيديغا” في ألمانيا، أما إنجلترا وويلز، فقد كشفت دراسة بريطانية نُشرت مؤخرًا عن تسجيل 734 جريمة كراهية بين عامي 2013 و2014، منها 23 اعتداء و13 هجومًا عنيفًا و56 هجومًا على مساجد، ومئات الإساءات عبر الإنترنت، بجانب تنظيم يوم عقاب المسلمين في بريطانيا، وفي إيطاليا حرّض زعيم الرابطة الشمالية المناهضة للمهاجرين “ماتيو سالفيني” ضدّ المسلمين قائلاً: إنّ ردّ الأوربيين على الهجمات بالتسامح والإصلاح السياسي يعتبر انتحاراً.
تحذير تركي!
متحدث الرئاسة التركية ”إبراهيم قالن” دق ناقوس الخطر قبل أيام بوضوح لا يحتمل أي شك، حيث حذر من “أن تقود “الإسلاموفوبيا” إلى مآسٍ جديدة في أوروبا والعالم الغربي، على غرار “الهولوكوست” حال عدم اتخاذ تدابير في هذا الخصوص”، مشيرًا إلى أنه “علينا أن نتحدث بوضوح أن ظاهرة ”الإسلاموفوبيا” في أوروبا والعالم الغربي، قد تقود إلى مآسٍ جديدة شبيهة بـ”الهولوكوست” (المحرقة) حال لم يتم اتخاذ تدابير تحول دون تفاقم تلك الظاهرة من قبل مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية والأكاديميين وقادة الرأي والزعماء الدينيين هناك”، فيما دعا إلى التصدي “لاعتبار المقاربات الإسلاموفوبية الأمر الطبيعي الجديد للعالم المعاصر”، مشيرًا إلى أنه “ينبغي علينا، أيضا، تجنب نبذ الآخرين، وأن نرفض نبذ الآخرين لنا، إن تأسيس عالم أكثر عدلًا وتشاركًا ومساواةً، أمر ممكن فقط من خلال هذه المبادئ”.
بالكرة والتعريف!
وفي المقابل، لم يصمت المسلمون في مواجهة “الإسلاموفوبيا”، فقد ابتكروا العديد من الطرائق لكسر الحاجز، منها ما تشهده برلين منذ عام 1997،من فعالية “يوم المسجد المفتوح” في الثالث من أكتوبر من كل عام، والذي يصادف يوم الوحدة الألمانية، فالجاليات الإسلامية باختيار هذا اليوم تود -كما يقول المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا- أن تؤكد “أن المسلمين جزء من الوحدة الألمانية، بالإضافة إلى التعبير عن ارتباطهم بمجموع السكان في ألمانيا”، وتريد في هذا اليوم أن تقرب الزوار من الإسلام أكثر، واختارت المساجد كأفضل مكان للالتقاء، فالمساجد ليست مكاناً للصلاة فقط، بل ولعقد اللقاءات والندوات أيضاً.
وفي هذا اليوم يتاح للألمان -بحسب آخر فعاليات له- زيارة المسجد المركزي في مدينة دويسبورج، الذي يعتبر من أكبر المساجد في ألمانيا، وتم افتتاحه عام 2008، ويتيح المسجد لزواره، بالإضافة للجولة، فرصة مشاهدة صلاتي الظهر والعصر، بالإضافة إلى تقديم الشاي لهم، وهو نشاط متكرر في العديد من مساجد ألمانيا، كالمسجد الأزرق في هامبورج، الذي أخذ اسمه من المسجد الأزرق في إسطنبول، ومسجد المصطفى في مدينة دريسدن.
كرة القدم، كانت الضربة الأقوى مؤخرا في مرمى “الإسلامفوبيا”، وهو ما رصدته صحيفة “ذا صن” البريطانية حيث قالت: إن نجم كرة القدم المصري الشهير، ومهاجم نادي ليفربول البريطاني، والذي حصد لقب ثاني أحسن هدافي الفريق بتسجيله 31 هدفا في أول موسم له بـ «الآس المصري»، الذي ألهم المشجعين، وتمكن من تحطيم فكرة التحامل العنصري ضد المسلمين في بريطانيا، حيث قضى على ما يسمى بـ«الإسلاموفوبيا» من خلال عالم كرة القدم”.
اضف تعليقا