بدأت ظهر أمس الخميس 9 أبريل 2020، هدنة لوقف إطلاق النار في اليمن، بالاتفاق بين الأطراف المتنازعة، التحالف الذي تقوده السعودية بمشاركة الإمارات عن من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، برعاية الأمم المتحدة، وآمال معلقة من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وترقب من المجلس الجنوبي المدعوم إماراتيا.

وقال المتحدث باسم التحالف، العقيد “تركي المالكي”، إن قرار إعلان وقف إطلاق النار جاء دعما للحكومة اليمنية في قبولها دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار لمواجهة تبعات انتشار فيروس كورونا.

مواقف طرفي النزاع

وأضاف المالكي أن “الخطوة تهدف أيضا إلى تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الأممي لعقد اجتماع بين الحكومة الشرعية والحوثيين وفريق عسكري من التحالف لبحث مقترحاته بشأن خطوات وآليات تنفيذ وقف إطلاق النار في اليمن”، مؤكدا أن “قيادة التحالف تجد أن الفرصة مهيأة لتضافر كافة الجهود للتوصل إلى وقف شامل ودائم لإطلاق النار في اليمن”.

وتشمل الوثيقة التي اقترحها الحوثيون أن توافق كل من قيادة التحالف السعودي الإماراتي وقيادة الجمهورية اليمنية على إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار وإيقاف كافة الأعمال العسكرية البرية والبحرية والجوية، وأن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بأثر مباشر فور توقيع الوثيقة في جميع المحاور القتالية، وأن يصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا بها عقب التوقيع عليها تحت إشراف الأمم المتحدة، كما تنص الوثيقة على إنهاء الوجود الأجنبي في جميع أراضي اليمن وجزره وموانئه وأجوائه، وبالمقابل إنهاء أي وجود عسكري يمني في الأراضي السعودية.

وقال “محمد الحوثي”، رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة الحوثيين، مغردا عبر تويتر: “ينبع تقديمنا لرؤية الحل الشامل لإنهاء الحرب على بلدنا ومعالجة آثارها وتبعاتها من حرصنا على نجاح جهود السلام في اليمن والمنطقة، ومن التوجه الصادق لدينا لتلافي أسباب فشل المفاوضات السابقة، واستجابةً لدعوات السلام وانحيازنا للعدل والإنصاف، وسيلمس أبناءشعبنا أننا لم ولن نفرط بتضحياته”.

 ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصدر في مكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن “مارتن جريفيث”، قوله إن الأطراف المتحاربة في البلاد أبلغت المبعوث الأممي موافقتها على وقف كامل لإطلاق النار في كافة الجبهات.

كما رحب الأمين العام الأمم المتحدة، “أنطونيو جوتيريش” بالإعلان عن وقف اطلاق النار، وقال في بيان إن ذلك “يمكنه أن يساعد في تعزيز الجهود نحو السلام وكذلك استجابة البلاد لوباء كورونا المستجد”، داعيًا الحكومة اليمنية والحوثيين “لمتابعة التزامهما بوقف الأعمال العدائية على الفور”، و”إلى الانخراط معا وبحسن نية ودون شروط مسبقة” في مفاوضات يقوم لتيسيرها مبعوثه الخاص “مارتن جريفيث”.

 الحلفاء يفترقون

في 9 فبراير 2020، أعلنت الإمارات بدء قواتها في اليمن بالعودة إلى بلادهم، وذلك عبر بث مشترك بين القنوات الإماراتية احتفت خلاله بعودة القوات، حسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”.

وغرد ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، في 8 فبراير، على حسابه بتويتر، “تحية اعتزاز وفخر.. نوجهها لجنودنا وأبناء وطننا ونحن نحتفي غدا بمشاركتهم في المهمة الوطنية والإنسانية ضمن التحالف العربي باليمن.. كما عهدناهم، عبر تضحياتهم وشجاعتهم يزرعون الخير وينشرون الأمل.. يد تحمي وأخرى تبني، وبإذن الله باقون سندا وعونا للشقيق في صيانة أمن منطقتنا واستقرارها”.

لم يكن هذا هو الانسحاب الأول، ففي أواخر أكتوبر 2019، أعلنت وسائل إعلام محلية إماراتية وسودانية، سحب البلدين عدد كبير من الآليات والجنود من “عدن” اليمنية، بالتزامن مع تسلم القوات السعودية دفة الأمور هناك.

قبل ذلك بنحو شهرين ونصف، وتحديدا في 10 أغسطس، شكل استيلاء قوات “الحزام الأمني” التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، على القصر الرئاسي بالعاصمة “المؤقتة” عدن، علامةً فارقةً، ما خلق أجواءً من التوتر الأمني وعدم الاستقرار واشتباكات بين القوات الحليفة للإمارات وقوة الحماية الرئاسية التابعة للحكومة اليمنية، راح ضحيتها العشرات. ورغم التقدم غير المسبوق الذي أحرزته أبوظبي من خلال هذه الخطوة، فإنها غادرت الميدان بعد ذلك تاركةً انتصارها الجزئي إلى السعودية.

وكانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قد أرجعت أسباب الانسحاب الإماراتي حينها إلى سعي الإمارات للنأي بنفسها عن المملكة التي توجد حاليا في عين العاصفة السياسية الأميركية، حيث بلغت المواجهة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والكونجرس حول مبيعات الأسلحة إلى الرياض ذروتها، عندما تخطى ترامب قرارا للكونجرس يقضي بتجميد صفقة بقيمة ثمانية مليارات دولار، وهي الخطوة التي قد تعرقلها تشريعات جديدة، خصوصا بعد توجه الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات على المملكة بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان، تستند فيها إلى دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها بلاده خلال حربها على اليمن.

 ماذا جنت السعودية؟

لعل أكبر ما جنته السعودية من حرب اليمن، بجوار خسائرها العسكرية والبشرية الفادحة، هي الخسارة الاقتصادية، في ظل ارتفاع الدين الخارجي للمملكة، واضطراب الوضع السياسي في الداخل، ويأتي على رأس الخسارات الاقتصادية والسياسية معا، قصف العملاقة العالمية التي تمتلكها السعودية: “أرامكو”.

وتبنى الحوثيون في 14 سبتمبر قصف أكبر منشأة نفطية في العالم بالصواريخ الباليستية، وهو ما شككت فيه أميركا والسعودية، مفصحين عن كون الهجمات قادمةً من مكان آخر غير اليمن، وأن تبني جماعة الحوثي يأتي لصرف النظر عن ضلوع إيران بشكل مباشر في العملية.

وكلف قصف مصفاتين عملاقتين في “أرامكو” والذي يعد حدثا تاريخيا بالمملكة، فقدان أكثر من نصف لإنتاجها اليومي للنفط، إذ صرح وزير الطاقة السعودي بأن الهجوم تسبب في توقف إنتاج نحو 5.7 مليون برميل يوميا من الخام.

وعلى النطاق العسكري وفي ظل غياب مصدر رسمي سعودي يوضح حجم الخسائر التي تكبدتها المملكة في حربها، يقول موقع “راصد اليمن” المقرب من الحوثيين، إن الجماعة دمرت نحو 173 آلية ومدرعة ودبابة، حتى العام الماضي، بالإضافة إلى إسقاط عدد من الطائرات الحربية، وطائرات الاستطلاع.

وتقدر خسائر السعودية في حربها في اليمن ضد الحوثيين بنحو 800 مليار دولار على أقل تقدير، بحسب إعلاميين مناهضين لسلطات المملكة.

لكن هنا نجد إحصائيات 5 سنوات من الحرب في اليمن، على لسان قوات الحوثي.

 اليمن الخاسر الأكبر

ونشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريرا تقول فيه إن الحرب في اليمن تحولت إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، مما أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 100.000 شخص وترك 80٪ من السكان -حوالي 24 مليون شخص- يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

وأضاف التقرير أن التحالف، الذي تدعمه المملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، فرض حصارا على أراضي الحوثيين، وهو ما دفع نحو نصف إجمالي السكان المدنيين إلى حافة المجاعة وأدى إلى تفشي الكوليرا والدفتيريا. ويواجه اليمن الآن أزمة مدمرة جديدة محتملة في مواجهة جائحة كوفيد 19.

كما أدى القتال العنيف في “الجوف” وحدها، شمال مأرب، إلى فرار ما لا يقل عن 1750 عائلة، مما أدى إلى إرباك وكالات الإغاثة المحلية التي تعمل بالفعل في مخيمات النازحين في ضواحي مدينة مأرب، حيث يحتاج حوالي 70.000 شخص الآن إلى المساعدة اليومية.

وبخصوص تفشي كورونا، فأعلنت وزارة الصحة اليمنية أن 93% من الأجهزة والمعدات الطبية خرجت عن جاهزيتها بسبب الحرب، مشيرةً إلى معاناة نحو 16 مليون شخص من انعدام الامن الغذائي كما أن 3 مليون شخص يعانون من سوء التغذية، فضلا عن انتشار الأمراض المعدية الأخرى في ظل محدودية الكادر الصحي.

وكان الصليب الأحمر قد أعلن في مارس الماضي، أن 80% من اليمنيين بحاجة إلى مساعدة من أجل البقاء على قيد الحياة، وأن 65% من الشعب اليمني البالغ عددهم 30 مليوناً، بالكاد لديه أي شيء للأكل، و64% من اليمنيين لا يحصلون على الرعاية الصحية، في حين ليس لدى 58% منهم مياه نظيفة، وأن 10% من الشعب أجبروا على ترك منازلهم، بينما أعلنت وزارة الصحة “التابعة للحوثيين” وفاة 50 ألف طفل دون عمر 28 يوماً، سنويا، بالإضافة إلى إعلان الـ”يونيسف”  أن 12 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 7 ملايين يعانون من سوء التغذية.

 

 

اقرأ أيضًا: صحيفة فرنسية: السعودية غارقة في مستنقع اليمن حتى رأسها