العدسة _ إبراهيم سمعان
يدفع الفقر كل يوم النساء في اليمن إلى العمل بالدعاة؛ حيث تجبرهن عصابات تتغذى على الفوضى المنتشرة بهذا البلد الذي مزقته حرب شنها التحالف العربي بقيادة السعودية قبل ثلاثة سنوات، وأدى إلى مقتل وتشريد الملايين.
تحت عنوان “بعد أن اغتُصبت لم يكن لدي أي خيار.. القصة الرهيبة للبغايا في صنعاء” نشر موقع ” middleeasteye ” في نسخته الفرنسية تقريرا عن الدعارة في اليمن.
بعد “أول مرة”، وجدت سارة (الأسماء مستعارة) نفسها وحيدة مجروحة وذليلة وغارقة في دموعها. “صديقة تثق بها” أعطتها مكياجا وعطورا وعباءة فاخرة، ثم أخذتها إلى فندق في صنعاء، حيث تم إجبارها على ممارسة الجنس، بغرفة مغلقة مع شخص غريب.
هذه الفتاة البالغة من العمر 26 عاما، أُجبرت على هذا الأمر، إذ لم تكن وظيفتها كبائعة بخور تحقق لها أي شيء، لذلك أُكرهت على “وظيفة أكثر إثارة للاهتمام”، بأجر يبلغ 40 دولارًا (32 يورو) في اليوم.
“أعطتني عباءة مثيرة ومكياجا، وطلبت مني أن أعود في اليوم التالي”، تقول نجلاء للموقع. “ظننت أنني أتيت للعمل في متجر، لكن صديقتي أخذتني إلى فندق، دخلنا غرفة وأغلقت الباب خلفي فجأة، وعندها فهمت، حاولت أن أقاوم، لكن دون فائدة. وجدت نفسي بصحبة رجل حتى وقت متأخر من الليل”.
كانت هذه المرة الأولى وبداية النزول إلى الجحيم في وسط عالم العصابات بشارع حدة الشهير في صنعاء، والذي لم تستطع الهروب منه. هُددت بفقدان سمعتها من خلال الإفصاح عن حادثها المؤسف، ولم يوافق أحد على توظيفها. الأمر الذي كان بمثابة حكم عليها للعمل في الدعارة. وأصبحت حياتها “جحيماً” كما تقول.
“بعد أن اغتصبني هذا الرجل، لم يتبق أمامي إلا شيء واحد عدت إلى صديقتي، ومنذ ذلك الحين تزوّدني بالزبائن”.
أما كفاح، فقد وقعت بشراك الدعارة في ظروف أخرى، لكنها تتلقى نفس الإذلال.
“قبل عامين، كنت أتمنى مساعدة عائلتي بالزواج من رجل غني”، هكذا بدأت هذه الشابة البالغة من العمر 23 عاماً رواية قصتها “عرّفني صديق على رجل ثري ونسجت بيننا علاقة، هذا الرجل وعدني بالزواج، وبدأنا علاقة جنسية، وبعد تلك اللحظة، ذلني وتخلى عني”.
خوفا على سمعتها في مجتمع محافظ جدا، وبدون وجود المال لمساعدة أسرتها، اعتقدت كفاح أنه ليس لديها خيار آخر.
منذ ذلك الحين خاطرت بحياتها هذه الشابة التي تقول: “منذ أن تعرضت للخيانة من قبل هذا الرجل، لا يهم مارست الجنس مع رجل أو مائة”.
على أرصفة شارع حدة
ما رصده ” middleeasteye” ليس سوى قصتين من قصص عشرات العاملات في عالم الجنس اللاتي يسرن في شارع حدة في صنعاء، لكنهن يتشاركن في نفس السيناريو: هؤلاء النساء جذبن إلى هناك بالقوة، هربا من بؤس أسود وتحمل مسؤوليات الأسرة. ومنذ ذلك الحين، تم استغلالهن، وحبسهن، وتعرضهن للتهديدات أو الفضيحة، مجبرات على جني المال.
تعول سارة إخوتها الخمسة، إضافة إلى والدتها، بعد أن تخلى عنهم والدهم قبل أربع سنوات، وأصبحت كفاح تكفُل ستة إخوة وأخوات وأما منذ اليوم الذي ذهب فيه والدها للبحث عن عمل قبل عامين. ولم تره عائلته مرة أخرى، عملت سارة على الأرصفة لمدة عام ونصف، وكفاح لعام.
كلاهما تقول إنه منذ ذلك الحين، ينضم إليهن المزيد والمزيد من النساء في الشارع. و”الزبائن” الذين كانوا يحرصون من قبل على عدم رؤيتهم يتفاوضون الآن على الطرقات والممرات المعروفة على مرأى من الجميع.
تقول سارة: ” أذهب إلى شارع حدة مباشرة بعد الغداء وأرى العشرات من النساء في الشارع، حتى الفتيات، الجميع في انتظار الزبائن”.
هناك الكثير من التنافس وبسبب كثرة العرض انخفضت الأسعار أيضًا، وتشير سارة إلى أنها تكسب ما بين 3000 و 15 ألف ريال (ما بين 9 و 48 يورو) في اليوم الواحد.
تبين الدراسات التي أجراها برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة “الإيدز”، إلى أن عدد العاملات في الدعارة باليمن بلغ عام 2016 نحو 54 ألفا.
وفي الوقت الذي تدمر فيه الحرب المؤسسات والوظائف والحياة، تزداد أوجه عدم المساواة الاجتماعية ولم تعد السلطات الباقية تستطيع السيطرة عليها.
وفقا لنشطاء حقوق الإنسان، تتحكم العصابات في هذه التجارة الآن.
إنها مشكلة متزايدة الخطورة، يقول نبيل فاضل، رئيس المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، العمل في مجال الجنس أصبح مربحًا للعصابات والمجرمين.
“اليمن مجتمع محافظ، لذا فإن العصابات تستفيد من بؤس هؤلاء النساء، يدفعونهم إلى الدعارة ويهددونهم بفضحهم إذا رفضوا الانصياع”.
وبحسب فاضل، الشبكات الإجرامية تعتدي على النساء وتستغلهن من خلال الدعارة وتجارة الأعضاء والتهريب فيما لا تفعل الحكومات اليمنية شيئًا لإيقاف هذا.
“إن عدد النساء العاملات في الدعارة واستغلالها من قبل العصابات يتزايد بسبب الأزمة الاقتصادية في اليمن، ولكن لم يتم تحديد هذه الحالات خوفا من تشويه سمعة الضحايا” يضيف فاضل.
قبل الحرب، كانت هناك حملات مراقبة تستهدف فنادق في العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى محافظات أخرى حيث يكون البغاء أمرًا شائعًا، لكن بعد الحرب، انخفضت مراقبة الفنادق أو اختفت تقريبًا.
وقال مصدر من مديرية السياحة في صنعاء إن الرقابة على الفنادق انخفضت أو توقفت بسبب الحرب.
“الحملات مكلفة، ومديرية السياحة لا تملك ميزانية منذ 2015: العصابات تستفيد من ذلك مع تأكدها من الإفلات من العقاب. السلطات ليست الوحيدة التي تعرف اسم أماكن الدعارة، المواطن العادي يعرفها أيضا. ومع ذلك، تواصل هذه الفنادق أنشطتها ولا تشعر بالقلق”.
استغلال وهروب
علي محمد، شيخ بتعز، قال إنه على السلطات أن تتحرك بجدية لوقف استغلال النساء ” هذه العصابات هناك دائما، لكن السلطات غائبة، لا أحد يعارضهم، ولا يخشون الانتقام”.
سارة تسير في شارع حدّة، غير أنها لا تزال تحلم بالخروج “لا أستطيع العودة”، تقول هذه الفتاة “حتى لو توقفت الآن، فلن يساعدني هذا على تغيير وضعي. لكنني أوصي غيري من النساء والفتيات بعدم الوقوع في نفس الفخ. بيع البخور، وفعل أي شيء آخر أفضل من هذه الوظيفة. أتمنى يوماً ما أن أغادر صنعاء وأستقر في محافظة أخرى، لكي أنعم بحياة أفضل، بعيدة عن كل ذلك”.
اضف تعليقا