العدسة – منذر العلي

أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن مشاركة بلاده لإسرائيل في حرب ضد حزب الله اللبناني بدعم أمريكي ومساندة دول عربية، نظرًا لاستمرار تجاوزات الحزب بحق المملكة وممارساته العدائية المباشرة وغير المباشرة فيها.

الفقرة السابقة كانت مجرد سيناريو تخيلي، لكن ماذا إذا تحول بين عشية وضحاها إلى حقيقة وأمر واقع؟ كيف ستدور ماكينة الفتاوى السعودية، لتبرر هذا التعاون الذي وصفته الرياض بالشائعات، بينما أكدته تحليلات أمريكية؟.

ليسوا مسلمين!

تبدو محاولة توقع الاحتمالات التي قد يكون عليها الموقف الديني الرسمي تجاه تلك الحرب أقرب إلى الحقيقة من الخيال، مستندة إلى سجل حافل من الفتاوى التي أصدرتها مختلف الهيئات والشخصيات السعودية البارزة على مدار عقود(سيتم التعرض لها لاحقًا).

الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رأس المؤسسة الدينية الرسمية “هيئة كبار العلماء” ومفتي المملكة، يمكن أن يغنينا عناء التوقع بفتاوى وآراء واضحة لا لبس فيها تجاه إيران الداعم الأول والأقوى للحزب ومرجعيته الدينية والسياسية.

قمة هجوم “آل الشيخ” على طهران كان في سبتمبر 2016، عندما رد على الهجوم الذي شنه المرشد الإيراني “علي خامنئي” ضد بلاده، داعيًا إلى تدويل إدارة الحج في إطار اتهامه للمملكة بالتسبب في وفاة مئات الحجاج بأحداث التدافع الشهيرة بمشعر منى خلال موسم الحج 1437 الموافق لسبتمبر 2015.

المفتي اتهم المرشد بـ”العداء للإسلام” والتحدث من منطلق الخلاف مع الطائفة السنيّة، وأضاف في تصريحات صحفية أن تهجّم خامنئي على السعودية وطعنه في إجراءاتها الخاصة بموسم الحج “أمر غير مستغرب على هؤلاء”.

وصعّد هجومه بالقول: “يجب أن نفهم أن هؤلاء ليسوا مسلمين، فهم أبناء المجوس، وعداؤهم مع المسلمين أمر قديم، وتحديدًا مع أهل السنة والجماعة”.

وعلى الرغم من أن اتهامات المفتي وهجومه كانا بحق إيران وليس حزب الله على وجه الخصوص، إلا أن العلاقة بين الطرفين لا تنكرها المملكة على مختلف المستويات، وفي القلب منها الديني.

ففي يونيو 2013، دعا مفتي السعودية إلى “التصدي لتدخلات حزب الله اللبناني في الصراع الدائر في سوريا”، ووصف الحزب بأنه “طائفي ومقيت”.

وأضاف أنه “انكشف بما لا يدع مجالًا للشك أنه حزب عميل لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة”، مشيرًا إلى أن مواقف الحزب تؤكد شكوك الرياض حول ارتباطه بإيران.

وتأسيسًا على ما سبق، فإن أحد السيناريوهات المحتملة لموقف المؤسسة الدينية الرسمية أن يصل إلى حد إخراج حزب الله من ملة الإسلام، وبالتالي يسري عليه ما يسري على الكفار.

أما تبرير التعاون السعودي مع الاحتلال الإسرائيلي في الحرب، ففي هذه الحالة ينطلق من فتوى سابقة أجازت الاستعانة بالكفار في قتال الكفار.

الفتوى المنشورة في موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء جزء من المجلد السادس لفتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز الصفحات (183-188)، وحملت توقيعه بصفته مفتيًا ورئيسًا لهيئة كبار العلماء.

واحتجت الفتوى بأنه يجوز الاستعانة بالكفار في قتال الكفار عند الحاجة أو الضرورة، واحتجوا على ذلك بأدلة منها قوله تعالى في سورة الأنعام: “وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ..” الآية.

” عبد العزيز آل الشيخ ” مفتي المملكة

أجواء حرب الخليج

السيناريو الآخر المرجح لتبرير التعاون السعودي مع إسرائيل في الحرب ضد حزب الله، يعود بالأذهان إلى حرب الخليج الثانية عام 1990، عندما غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت، قبل أن تتزعم أمريكا والسعودية تحالفًا دوليًّا خاض حربًا ضد صدام.

فعلى الموقع السابق ذاته، نشر “بن باز” فتوى أشار فيها إلى بيان مجلس هيئة كبار العلماء الذي وصف غزو العراق للكويت بأنه “عدوان وجريمة وخيانة”.

وقال “بن باز” نصًّا: “ووضح في بيان العلماء- والذي أنا أحد أعضائه- أنه لا مانع من الاستعانة ببعض الكفار للجيوش الإسلامية والعربية، ولا بأس من الاستعانة لصد عدوان المعتدي والدفاع عن البلاد وعن حرمة الإسلام والمسلمين”.

كما أوضحت الفتوى أنه “لا يجوز أن يُنصَر كفار على مسلمين، أما هذا الوضع فهو يحمي المسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين”، وتابع: “أما كما هو الحال بالمملكة من الاستعانة بالكفار لردع المعتدي وصده، سواء كان كافرًا أو مسلمًا عن بلاد الإسلام والمقدسات فهذا أمر مطلوب ولازم؛ لأنه لحماية المسلمين ورد الأذى عنهم، سواء كان كافرًا أو مسلمًا”.

الإمام “ابن باز”

تاريخ من موالاة السلطان

هيئة كبار العلماء في السعودية دائمًا ما تثير الجدل بمواقفها وفتاواها الموصوفة بأنها تخضع لإرادة الملك أو الحاكم أو ولي الأمر، ويقوم فيها العلماء بتطويع النص الديني من أجل تبرير توجهات وسياسات وقرارات الحاكم.

ولعل قضية قيادة المرأة للسيارة هي الشاهد الأبرز والأحدث على تلك الاتهامات، حيث اعتبرت الهيئة قرار قيادة المرأة للسيارة مثالًا لتوخي الملك مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية”.

لكن تلك الفتوى تتعارض مع فتوى أخرى منشورة على الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء (التي يرأسها المفتي)، برقم (2932) جاء نصها كالآتي: “لا يجوز للمرأة أن تسوق السيارة في شوارع المدن، ولا اختلاطها بالسائقين؛ لما في ذلك من كشف وجهها أو بعضه، وكشف شيء من ذراعيها غالبًا، وذلك من عورتها، ولأن اختلاطها بالرجال الأجانب مظنة الفتن ومثار الفساد”.

وفي 2013، شهدت السعودية حملة قادتها ناشطات دعين لقيادة المرأة للسيارة في 26 أكتوبر، وبعد أقل من شهر على تلك الدعوة، رأى المفتي العام للمملكة أن قرار منع المرأة من قيادة السيارة هو “حماية للمجتمع من الشر”.

وفي سبتمبر 2011 أصدر العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز أمرًا ملكيًّا يسمح للمرأة بعضوية مجلس الشورى، والترشح والانتخاب في الانتخابات البلدية.

الملك الراحل “عبد الله بن عبد العزيز”

حينها وصف مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ الأوامر بأنها “كلها خير”، قائلًا في تصريحات صحفية: “نحن في بلد الإسلام ونرجو الله أن يثبتنا على الحق ويرزقنا الاستقامة والهدى”.

موقع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، نشر فتوى معاكسة أصدرها “آل الشيخ” نفسه تحت عنوان “مشاركة المرأة في السياسة”، وكانت عبارة عن رد على تساؤل بشأن المطالبات بمشاركة المرأة في الانتخابات ودخول مجلس الشورى.

ومما قاله المفتي في فتواه نصًّا: ” إن مثل هذه المطالبات يجب أن يعاد النظر فيها، هل هي تخدم دين الإسلام؟”، وقال: “إن الأمر أيها الأخوات.. استمرار لمكائد الأعداء ضد هذه الأمة، لن يألوا جهدًا في إيصال الأذى إلينا، لن يألوا جهدًا في تفريق صفنا وتشتيت كلمتنا، لن يألوا جهداً في إيقاع الفتنة بيننا، وما يروجون له في هذه العصور المتأخرة من حقوق المرأة كل هذا نوع من أنواع الكيد”.