تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران في الأيام الأخيرة، بعدما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) إرسال حاملة الطائرات “أبراهام لنكولن” وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط، بزعم وجود معلومات استخباراتية بشأن استعدادات محتملة من قبل طهران لتنفيذ هجمات ضد القوات أو المصالح الأمريكية.

كما زاد من وتيرة ذلك إعلان الإمارات تعرض أربع سفن تجارية للتخريب قرب إمارة الفجيرة على مشارف مضيق هرمز، وهجمات مليشيا الحوثي اليمنية المدعومة من إيران على مصالح نفطية سعودية.

هذا التوتر أعاد إلى الأذهان أجواء الحروب الثلاثة التي عاشتها منطقة الخليج أعوام 1980 – 1988 بين العراق وإيران، والثانية حرب الكويت عام 1990 – 1991، والثالثة خلال غزو العراق عام 2003، لتنذر هذه الأجواء بحرب رابعة في الأفق.

وفيما يلي تفاصيل هذه الحروب التي كانت علامة فارقة في مسيرة دول الخليج بشقيها العربي والفارسي..

 

حرب الخليج الأولى

حرب الخليج الأولى، أو الحرب العراقية الإيرانية، أطلقت عليها الحكومة العراقية آنذاك اسم “قادسية صدام”، في حين عرفت في إيران باسم “الدفاع المقدس”.

نشبت الحرب بين العراق وإيران من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988، إثر التوترات الحدودية على “شط العرب”، حيث بدأت الاشتباكات الحدودية المتقطعة بين البلدين، ثم اتهم العراق إيران بقصف البلدات الحدودية العراقية في 4 سبتمبر 1980، معتبراً ذلك بداية للحرب.

إثر ذلك ألغى الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975 مع إيران، واعتبر مياه “شط العرب” كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية.

كان هدف نظام صدام حسين من الحرب إسقاط نظام الثورة الإيرانية الذي أقامه آية الله الخميني، في حين كان هدف الأخير تصدير الثورة للعراق تمهيداً لدمج البلدين في نظام “الولي الفقيه” السائد في إيران.

نال نظام صدام حينها دعماً كبيراً من الغرب، خاصة الولايات المتحدة، إلى جانب دول الخليج وجميع الدول العربية عدا سوريا وليبيا.

استمرت الأعمال العدائية بينهما إلى 20 أغسطس 1988، رغم دعوات مجلس الأمن لوقف إطلاق النار . انتهت الحرب بقرار مجلس الأمن رقم 598، الذي قبله الطرفان، والعودة إلى اتفاقية الجزائر التي قسمت مياه “شط العرب” بين العراق وإيران. خلفت الحرب نحو مليون قتيل من الطرفين، وخسائر مالية بلغت 400 مليار دولار أمريكي، كما دامت ثماني سنوات، لتكون بذلك أطول نزاع عسكري بين دولتين في القرن العشرين، وواحدة من أكثر الصراعات العسكرية دموية. أثرت الحرب على المعادلات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وكان لنتائجها بالغ الأثر في العوامل التي أدت إلى حرب الخليج الثانية والثالثة.

 

حرب الخليج الثانية

هي حرب بدأت بغزو نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت في 2 أغسطس 1990، وانتهت في 28 فبراير 1991، عندما أعلن العراق استسلامه وقبوله الانسحاب من الكويت دون قيد أو شرط. أطلقت عليها الحكومة العراقية حينها “أم المعارك”، والكويتية “حرب تحرير الكويت”، وأطلقت عليها الولايات المتحدة عسكرياً اسم “عملية درع الصحراء”، ويراها المؤرخون والسياسيون حرب الخليج الثانية. تطور النزاع في سياق حرب الخليج الأولى، وفي منتصف عام 1990 اتهم العراق الكويت بسرقة النفط عبر الحفر بطريقة مائلة، كما طالب الجانب العراقي بتعويضات مالية من الكويت بـ 10 مليارات دولار. بعد فشل مفاوضات جدة، إثر تعنت الجانب العراقي، اجتاح جيش صدام حسين الكويت خلال ساعات في 2 أغسطس 1990، وأعلن بعدها بأسابيع دمج الكويت في العراق. فُرضت بعدها عقوبات اقتصادية على العراق، وطالب مجلس الأمن القوات العراقية بالانسحاب من الأراضي الكويتية دون قيد أو شرط، ومنحها مهلة 40 يوماً في ديسمبر من ذلك العام للانسحاب. في ظل تعنت نظام صدام حينها، ورفضه الانسحاب، نجحت واشنطن والرياض في تشكيل تحالف مكون من 34 دولة غربية وعربية وإسلامية بقيادة الولايات المتحدة لتحرير الكويت. وبنهاية مهلة الـ 40 يوماً بدأ التحالف عملية تحرير الكويت من القوات العراقية في 17 يناير 1991، واستمرت حتى 28 فبراير، عندما أعلن نظام صدام حسين استسلامه وقبوله الانسحاب من الكويت دون قيد أو شرط.

نتج عن الحرب خسائر بشرية واقتصادية جمة، حيث قتل نحو 100 ألف مواطن من البلدين أغلبهم عراقيون. اقتصادياً تم إشعال وتدمير أكثر من 727 بئراً نفطية من أصل 1080 بئراً كويتية، وقدرت قيمة المفقود من النفط والغاز الطبيعي من تلك الآبار بنحو 120 مليون دولار يومياً، حتى إطفائها بالكامل في أبريل 1991، كما وصل مجمل الخسائر في جميع القطاعات إلى 80 مليار دولار حسب تقديرات وزارة المالية الكويتية. كما قدرت تكلفة العمليات العسكرية حينها بـ 61 مليار دولار أمريكي، دفعتها الكويت والإمارات والسعودية، كما أجبر العراق على دفع تعويضات للكويت.

 

حرب الخليج الثالثة

هي حرب قادتها الولايات المتحدة التي شكلت تحالفاً من 20 دولة من مختلف دول العالم لإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، استمرت من 20 مارس إلى 9 أبريل 2003. تعرف بعدة أسماء؛ كالغزو الأمريكي للعراق، أو “معركة الحواسم” كما لقبتها الحكومة العراقية، وإعلامياً تعرف بحرب الخليج الثالثة، أو “عملية حرية العراق” عند أمريكا وحلفائها. عاش العراق تداعيات حرب الخليج الثانية حتى سقوط نظام صدام عام 2003، حيث فرض المجتمع الدولي عقوبات قاسية عليه؛ عقاباً لغزو صدام للكويت وتهديده الملاحة وإنتاج الطاقة العالمية. وتمهيداً للحرب أصدرت الإدارة الأمريكية، في أكتوبر 1998، “قانون تحرير العراق” الذي كان عبارة عن منح 97 مليون دولار لقوى المعارضة العراقية، لتكون قادرة على إسقاط نظام صدام. لكن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وإدراج اسم العراق في “محور الشر”، بدأت الجهود الدبلوماسية الأمريكية بالتحرك للإطاحة بحكومة صدام حسين. قدمت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش عدة تبريرات لشن الحرب، والتي تركزت أساساً على تأكيد أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأن حكومة صدام تشكل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة وحلفاء التحالف وشعب العراق، وأنه لا بد من إنهاء قمع أحد أشرس الدكتاتوريين الظالمين وجلب الديمقراطية إلى شعب العراق. بدأت حرب الخليج الثالثة في 20 مارس 2003 بعد انقضاء 90 دقيقة على المهلة التي أعطاها جورج بوش لصدام حسين ونجليه لمغادرة العراق وتسليم الحكم لسلطة انتقالية اقترحتها جامعة الدول العربية وحظيت بقبول الأمم المتحدة لتفادي الحرب. لاقت الحرب دعم قوى داخلية متمثلة في الشيعة في الجنوب، والأكراد في الشمال، لكن في المقابل واجهت رفضاً من قوى عالمية حليفة لواشنطن كفرنسا. وكانت العمليات العسكرية لإسقاط صدام سريعة، وتميزت بانهيار سريع للجيش العراقي في وجه القوات الأمريكية وحلفائها، فبعد نحو ثلاثة أسابيع، وتحديداً في 9 أبريل 2003، سقط حكم صدام حسين الذي استمر 24 عاماً، وفي 15 من الشهر نفسه أعلنت القوات المسلحة الأمريكية بسط سيطرتها على جميع الأراضي العراقية.

وخوفاً من تكرار ما حدث في حرب الخليج الثانية من إشعال النيران في حقول النفط، أحكمت القوات البريطانية سيطرتها على حقول نفط الرميلة وأم قصر والفاو بمساعدة القوات الأسترالية. وبعد الحرب لم يعثَر على أي أدلة قوية للتحقق من وجود أسلحة دمار شامل، كما واجهت التبريرات لشن الحرب والتي جمعت من قبل الاستخبارات انتقادات شديدة داخل الولايات المتحدة وعلى الصعيد الدولي. وتتفاوت التقديرات للعدد الإجمالي لقتلى الحرب؛ فقد أفادت دراسة أعدها معهد الاستطلاعات البريطاني في صيف عام 2007 بأن عدد قتلى الغزو من العراقيين بلغ حتى ذلك التاريخ قرابة مليون شخص، أما منظمة الصحة العالمية فتعتقد أن حصيلة القتلى العراقيين تتراوح بين 104 آلاف و230 ألفاً، وهو قريب من تقديرات وثائق ويكيليكس المسربة عام 2010 والتي أشارت إلى مقتل 109 آلاف عراقي منذ بداية الغزو، في حين اعترف الجيش الأمريكي بمقتل نحو 77 ألف عراقي بين يناير 2004 وأغسطس 2008، نتيجة أعمال العنف الطائفية التي عمت البلاد. كما تؤكد واشنطن مقتل 4000 جندي أمريكي خلال الغزو والفترة التي أعقبته حتى العام 2008. وأفادت صحيفة ذي ديلي تلغراف البريطانية يوم 16 مارس 2013 -في دراسة لتكاليف الغزو نشرت حصيلتها بمناسبة ذكراه العاشرة- أنه كلف الولايات المتحدة وحدها ما يزيد على 801 مليار دولار. وفي 18 ديسمبر 2011، أعلنت الولايات المتحدة أن جيشها أكمل انسحابه من العراق ذلك اليوم، وأن الانسحاب جاء تطبيقاً للاتفاقية الأمنية الموقعة مع الحكومة العراقية عام 2008.