تداعيات تطور الأحداث الساخنة والدامية بين السعودية واليمن، والتي زاد من سخونتها حرارة صاروخ “كروز” الذي سقط فجراً على مطار “أبها” السعودي، وأسفر عن إصابة 26 شخصاً، لن تتوقف عند حجم الدمار الذي خلفه هذا الصاروخ في المكان، بل ستتجه إلى ما هو أبعد بكثير.
وبمجرد اعتراف السعودية بسقوط الصاروخ على مطارها، بدأت الأسئلة تُطرح من كل مكان حول كيفية وصول الصاروخ الأمريكي المطور والدقيق إلى مليشيا الحوثي في اليمن، وهل هناك أطراف أخرى تمتلك هذا النوع من الصواريخ.
وفي تطوُّر غير مسبوق قصفت القوات التابعة للحوثيين باليمن، فجر اليوم الأربعاء (12 يونيو 2019)، مطار أبها السعودي الدولي بصواريخ من نوع “كروز”، بحسب ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، العقيد الركن تركي المالكي.
وهذه أول مرة تعلن فيها جماعة الحوثي استهداف السعودية بصاروخ “كروز” أمريكي الصنع، وهو ما يطرح تساؤلاً واسعاً حول كيفية وصول هذا السلاح إليهم.
والمعروف أن صاروخ “كروز” مصمَّم لحمل رأس حربي تقليدي يزن 450 كيلوغراماً متفجر أو “نووي” إلى مئات الكيلومترات بدقة عالية، وهو ما جعل كثيرين يشككون في رواية جماعة الحوثي الذين يمتلكون أسلحة بدائية نوعاً ما.
خبراء عسكريون ومراقبون للشأن الإسرائيلي أكدوا في أحاديث خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أنَّ قصف الحوثي للمطار السعودي يعد تطوراً عسكرياً مفاجئاً وفريداً من نوعه.
وقالوا إن له تداعيات ستدفع “إسرائيل” إلى إعادة أوراقها العسكرية، في حال وصلت هذه الصواريخ إلى بقية “محور المقاومة”؛ ممثلاً بـ”حزب الله” في لبنان، والمقاومة الفلسطينية بقطاع غزة.
مرحلة المفاجآت العسكرية
العميد السابق بالجيش اللبناني والخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية محمد عباس، أكد أن “قدرات محور المقاومة في المنطقة، وعلى رأسه حزب الله، تشهد تطوراً كمّاً ونوعاً في الأدوات والأسلحة العسكرية التي يملكها وستُستخدم بالمرحلة المقبلة”.
وقال في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “المقاومة لا تتوقف عن تحسين قدراتها العسكرية براً وبحراً وجواً، والحصول على كل الأدوات التي يمكنها أن تقارع الاحتلال الإسرائيلي، وسيكون عنوان المرحلة المقبلة في التصعيد هو المفاجآت العسكرية”.
وأضاف: “خط التحالفات ومحور المقاومة في المنطقة واضح للجميع من غزة ولبنان واليمن، وامتلاك قوات الحوثيين باليمن صواريخ موجهة ودقيقة من نوعية كروز وقصف المطارات السعودية بها، يؤكدان أن هذا الخط لا يزال قوياً، ووسائل المقاومة تتطور من خلاله تدريجياً”.
العميد اللبناني السابق أكد أيضاً أن قدرات “حزب الله” شهدت تطوراً كمياً ونوعياً كبيراً للغاية عن آخر جولة تصعيد جرت مع الاحتلال الإسرائيلي قبل سنوات، معتبراً أن امتلاكه صواريخ متطورة ودقيقة أمر متوقع، وسيكون المفاجأةَ المقبلةَ التي ستقلب كل أوراق الاحتلال العسكرية.
وأشار إلى أن هذه النوعية من الصواريخ الموجهة والتي تنطلق من القاعدة نحو الهدف بدقة عالية، لا يمكن التحكم فيها بعد إطلاقها، كحال الصواريخ “الباليستية” الأخرى، وهذا يشكل تطوراً وورقة قوية في يد “حزب الله” وغيره من أطراف “محور المقاومة”.
واعتبر الخبير في الشؤون العسكرية أن “امتلاك حزب الله لهذه الصواريخ التي تستخدمها جماعات الحوثيين باليمن سيشكل نقطة تحوُّل نوعية في أي جولة تصعيد مقبلة مع إسرائيل، خاصة في ظل التهديدات المتكررة بفتح جبهة مواجهة جديدة على الحدود الشمالية”.
وذكر أن “هذه الصواريخ ستقلب جميع الحسابات العسكرية في المنطقة بأكملها، وسيكون لحزب الله على وجه الخصوص، الحرية الأكبر في امتلاكها واستخدامها؛ نظراً إلى طرق الإمداد والحصار المتبع مع أطراف المقاومة الأخرى مثل قطاع غزة واليمن.
صواريخ ستغير وجه المعركة
وفي تعقيبه على هذه الحادثة، وإمكانية وصول صواريخ “كروز” إلى “حزب الله” وحتى قطاع غزة، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي، مؤمن مقداد: إنه “بالعودة قليلاً إلى الوراء، ذكرت وسائل إعلام الاحتلال قبل أشهر، أن طائرة شحن إيرانية تنقلت بين إيران وسوريا واليمن، وانتهت رحلتها في لبنان”.
ورجحت المصادر العسكرية الإسرائيلية أن الطائرة تحتوي على صواريخ أو معدات تطوير صواريخ دقيقة حسب وصفها، لذلك لا يستبعد أن الحزب يمتلك بالفعل صواريخ كروز، وفق مقداد.
وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين”، أضاف: إن “هذه الصواريخ تجعل الاحتلال في حيرة من أمره، بخصوص إمكانية توجيه ضربة عسكرية -ولو محدودة- في الأراضي اللبنانية، كما يفعل على الدوام في سوريا؛ خشية أن يثور الحزب وتتدهور الأمور”.
وذكر مقداد أن امتلاك “حزب الله” لصواريخ “كروز” الدقيقة، التي تعد من أخطر أنواع الصواريخ، في ظل تهديداته باستهداف مواقع حساسة في فلسطين المحتلة، مثل مفاعل ديمونة أو المطارات الرئيسة أو مخازن الأمونيا في حيفا، “يعد خطراً يهدد أمن الاحتلال بشكل مباشر”.
“إسرائيل ترى خطورة كبيرة في طمأنة جمهورها حول إمكانية تجاوز ضربات هذا النوع من الصواريخ في حال حدوث مواجهة، خاصة أن الجمهور الإسرائيلي لن يحتمل استيعاب مواجهة تُطلَق فيها هذه النوعية من الصواريخ ذات التأثير الكبير”، يضيف الخبير في الشأن الإسرائيلي.
وبسؤال “الخليج أونلاين” عن كيفية تعامل “إسرائيل” مع هذا التهديد، أجاب مقداد: “على الصعيد الداخلي يحاول الجيش طمأنة الجمهور من خلال تنفيذه بعض العمليات غير المجدية مثل عملية درع الشمال، لتحييد الأنفاق أو قصف بعض المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، والتفاخر أمام الجمهور بأنها مخازن أسلحة كانت ستذهب إلى لبنان”.
وتابع: “على صعيد الاستعداد، يسعى الاحتلال إلى زيادة التحصينات في الشمال، وتوفير الملاجئ المتنقلة بالمناطق العامة، وحل مشكلة مخازن الأمونيا وخطرها الكبير، حيث إنها تحيط بأعداد كبيرة من السكان في حيفا”.
وعلى صعيد تطوير القوة العسكرية، يوضح مقداد بالقول: “لاحظنا أن الاحتلال سعى منذ العام الماضي، إلى امتلاك طائرات الشبح F35 التي لها القدرة على المناورة والتخفي عن الرادار، وحمل صواريخ ضخمة تمكّنها من استهداف مخازن تلك الأنواع من الصواريخ في لبنان”.
ولفت إلى أن “قوة حزب الله اللبناني أصبحت تضاهي قوة دولة، وهناك دول لا تملك نصف السلاح الذي يملكه الحزب”، موضحاً أن تأثير صواريخ “كروز” على الاحتلال سيكون قوياً ويؤدي إلى سقوط آلاف القتلى الإسرائيليين وتدمير مئات المنشآت”.
وعن إمكانية وصول تلك الصواريخ إلى المقاومة في قطاع غزة، ذهب مقداد للحديث عن بعض التعقيدات التي تعرقل وصولها، قائلاً: “هذا أمر شبه معقد، لكنه ليس مستحيلاً، وقد تصل إلى المقاومة تكنولوجيا مشابهة لقوة تلك الصواريخ وطبيعة عملها”.
وختم حديثه بالقول: “ليس ذلك ببعيد عن المقاومة في غزة، التي ابتكرت كثيراً من التقنيات التي جعلتها تستغني عن كمٍّ كبير من المواد لتطوير القدرات العسكرية”، معتبراً أن “ما شهده الاحتلال في الجولات الأخيرة أثبت قوة المقاومة وقدرتها وتطوُّرها”.
اضف تعليقا