على عكس سياسات دونالد ترامب المتهورة في الشرق الأوسط، من المتوقع أن يتحول جو بايدن مرة أخرى إلى موقف أمريكي أكثر تقليدية ويعيد التعامل مع إيران، ويعيد رسم الجغرافيا السياسية الإقليمية للمنطقة.
خلال فترة توليه السلطة، أنتجت استراتيجية ترامب غير التقليدية، أو المتهورة إن صح التعبير، والتحركات المحفوفة بالمخاطر والمبادرات الفاشلة التي غيرت المشهد السياسي في الشرق الأوسط، تغييرات هائلة في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة.
انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران واغتالت الجنرال قاسم سليماني الذي كان لا يمكن المساس به، كما نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، في خرق جريء للإجماع الدولي، كما قلصت الوجود العسكري الأمريكي في منطقة يعتقد ترامب أنها فقدت الكثير من أهميتها الاستراتيجية.
لكن مع فوز بايدن، أصبحت المنطقة، الغنية بالنفط، على وشك أن تشهد تحولاً كبيراً في السياسات الأمريكية، التي من المرجح أن تتبنى موقفاً أكثر صرامة للولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان وصفقات الأسلحة التي يتم توريدها إلى أكثر الأنظمة استبداداً وديكتاتورية في الشرق الأوسط.
في تقرير له حول التغيرات التي ستشدها المنطقة بعد فوز بايدن، قال المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية “من المتوقع أن تعيد إدارة بايدن تركيز السياسة الأمريكية على قضايا مثل إيران وأن تدفع باتجاه احترام القيم الأساسية في أنحاء المنطقة.”
وأضاف التقرير “لقد أوضح بايدن أنه ينوي العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)والعمل مع طهران دبلوماسياً في قضايا أوسع إذا عادت إيران أيضاً إلى الامتثال الكامل”.
– التراجع عن العقوبات –
أدت علاقات ترامب “الشخصية” مع أنظمة الدول العربية إلى إعطاء مزيد من الصلاحيات لقادة تلك الدول وخصوصا الأنظمة الملكية العربية، ولا سيما الحاكم الفعلي الشاب للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي أطلق العنان لقمعه دون حسيب ولا رقيب بسبب اطمئنانه لوجود دعم كامل من الإدارة الأمريكية له.
واتخذت العلاقات الأمريكية لرجل الأعمال الأمريكي، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للولايات المتحدة، مساراً متناقضاً تماماً لعلاقات سلفه باراك أوباما، الذي أثار إبرام صفقاته مع إيران مخاوف السعودية وجيرانها.
في تغيير إقليمي للعبة، وافقت الولايات المتحدة قبل أيام فقط على بيع ما قيمته أكثر من 10 مليارات دولار من أفضل الطائرات المقاتلة من طراز F-35 إلى الإمارات العربية المتحدة، كمكافأة على تطبيعها مع إسرائيل.
خدمت سياسات ترامب بصورة كبيرة حكام دول الخليج، وخصوصاً في المملكة العربية السعودية، لذلك فإن خسارته للانتخابات هي خسارة للمملكة أو بمعنى أدق ضربة لطموح ولي العهد الشاب.
في حوارها للوكالة، قالت إلهام فخرو، كبيرة محللي مجموعة الأزمات الدولية لدول الخليج، إن “المسؤولين السعوديين فضلوا رئاسة ترامب ثانية”، وتابعت “إنهم ينظرون إلى ترامب على أنه أكبر حامي لمصالحهم الإقليمية، من خلال فرض حملة ضغوط قصوى من العقوبات على إيران … وكذلك بسبب مبيعات الأسلحة إلى المملكة”.
كما عارض البيت الأبيض -برئاسة ترامب- القرارات المناهضة للسعودية في الكونغرس بسبب الاغتيال المروع لصحفي سعودي في تركيا عام 2018، وكذلك بسبب تورطها في حرب اليمن الكارثية، والتي تسببت في مقتل مئات الآلاف من المدنيين،
الآن هم ]السعوديون[ قلقون “من أن إدارة بايدن ستتخلى عن هذه المصالح الأساسية، من خلال التراجع عن العقوبات ضد إيران، والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، والحد من مبيعات الأسلحة.”
كما علق مركز صوفان -ومقره الولايات المتحدة- على فوز بايدن وتأثيره على المنطقة قائلاً: “بالنظر إلى القيادة غير الحكيمة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتورطه في مقتل الصحفي جمال خاشقجي إلى حربه الكارثية في اليمن، قد يجد محمد بن سلمان نفسه مهمشًا في الوقت الذي تقوم فيه واشنطن بتقييم إيجابيات وسلبيات علاقتها بالرياض”.
من الجدير بالذكر أنه بعد ساعات قليلة من نتائج الانتخابات، سارع القادة العرب لتهنئة بايدن، من بين دول الخليج الست، السعودية الوحيدة التي لم تعلق بعد.
– الشعور بالارتياح –
سيتعين على استراتيجية بايدن الإقليمية أن تتعامل مع سلسلة من القضايا الشائكة التي اتهم ترامب إما بإهمالها أو سوء إدارتها، كما سيتوجب عليها القيام بدور حاسم في إنهاء الحرب في ليبيا، ومواجهة خطر الهجمات في العراق.
في سياق متصل، يقول محللون إن إحدى أولى خطوات الإدارة ستكون إعادة الاتصال بالفلسطينيين، الرافضين لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والغاضبين من الضغط الأمريكي على العالم العربي لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وعلى الرغم من أن بايدن أيد بشدة قرار العديد من الدول العربية إقامة علاقات مع إسرائيل، ومن غير المرجح أن يغلق السفارة الجديدة، إلا أنه من المتوقع أن “يقوم بإلغاء أكثر القرارات السلبية لحقبة ترامب” بتجديد المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، وإعادة فتح البعثة الفلسطينية في واشنطن، والعودة إلى الموقف التقليدي الداعم لحل الدولتين، بحسب ما قاله المجلس الأوروبي للقضايا السياسية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا