العدسة – معتز أشرف

في تحليل حديث لمركز “كارينجي” للدراسات تحت عنوان ” صناعة القبول”، ذهب المركز إلى أنه في ظلّ ضعف الحماسة لدى الناخبين في مصر، سعى النظام إلى فرض مشاركة مرتفعة في الانتخابات، معربًا عن عدم ثقته في الأرقام المعلنة، رغم نجاح النظام في صناعة تعبئة إعلامية وكرنفالية تغطي على عزوف الناخبين، فيما أبرز المركز الحشد من كل مؤسسات الدولة لصالح الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي في ظل غياب المراقبة المستقلة وانتشار الرشاوى الانتخابية.

 أزمة السيسي!

المركز قال في التقرير الذي وصل العدسة نسخة منه: ” أطاح الرئيس عبدالفتاح السيسي بجميع منافسيه الجديّين لضمان إعادة انتخابه لولاية ثانية، ولمّا كان حبّ السيسي وحده غير كافٍ لتعبئة المصريين، اضطر النظام إلى توفير محفّزات مباشرة أخرى، مثل تقديم الأموال والغذاء، وحتى رحلات العمرة للناخبين، علاوةً على الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام المملوكة للدولة وأرباب الأعمال لحثّ الناخبين على التوجّه إلى صناديق الاقتراع”.

التقرير -الذي أعدته كل من ميشيل دنّ، وهي باحثة أولى في برنامج “كارنيجي” للشرق الأوسط، حيث تتركّز أبحاثها على التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وخصوصًا في مصر، وعلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، والدكتورة كاثرين بولوك، وهي أستاذة في جامعة تورنتو، تدرس الإسلام السياسي- أضاف أنه في العموم لا يتوجّه الناخبون، وهم للمفارقة أشخاص عقلانيون، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، إلا عندما يعتقدون أن صوتهم سيُحدث تغييرًا أو عندما تتم تعبئتهم للتصويت، ويبدو جليًّا أن الاحتمال الثاني هو الذي ينطبق في حالة الانتخابات الرئاسية المصرية.

وأبرز تقرير المركز حرص المصريين على الامتناع عن التصويت، موضحًا أنه في المقابل أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات أنها تعتزم فرض غرامة بقيمة 500 جنيه على الناخبين الذين يتخلّفون عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وتحدّثت تقارير عن أن شاحنة بيك-أب جالت الشوارع لإبلاغ الناس عبر مكبّرات الصوت بأن هذه الغرامة ستُضاف على فاتورة الكهرباء كذلك، حمّلت الحكومة المركزية السلطات المحليّة مسؤولية ضمان كثافة الإقبال على الانتخابات، فيما أعلن حاكم أحد الأقاليم أنه سيتم توفير خدمات تفوق قيمتها 100 ألف دولار للمناطق الثلاث التي تسجّل أعلى نسبة مشاركة، فيما عرض آخر إقامة مشاريع بقيمة 28 ألف دولار.

الإجراءات الكرنفالية، لفتت نظر خبراء مركز “كارينجي”، الذين أكدوا في تقريرهم التحليلي أن النظام بدا منشغلًا بصنع بعض مظاهر الحماسة الشعبية، حتى لو عجز عن حشد أعداد كبيرة من الناس، حيث أشارت تقارير إلى أن التجمّعات الصغيرة خارج مراكز الاقتراع الفارغة تقريبًا كانت منتشرة على نطاق واسع، ونالت الإعجاب المُبتغى من بعض الأجانب على الأقل، وكان الهدف من هذه التجمّعات الإيحاء بأن الجو حماسي، بغضّ النظر عما إذا أتى الناخبون للتصويت أم لا، فيما أوضح المركز في تقريره أن من أهم عوامل تقييم المشاركة الفعلية في هذه الانتخابات، هو لفت الانتباه إلى أنها لم تخضع لمراقبة محليّة مستقلّة يُعتدّ بها، بمقارنة النسبة التي أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات في ظل الملاحظات القليلة التي تمكّن الصحفيون من تسجيلها، إضافةً إلى ما هو معتاد في مصر.

2012 تتفوق

وأضاف التقرير أن انتخابات العام 2012، هي الانتخابات الرئاسية المصرية الوحيدة التي كانت فيها نسبة المشاركة ملموسة نوعًا ما، حيث بلغت نسبة الإقبال عليها 46 % في الجولة الأولى، و52 % في الجولة الثانية، وقد راقبت مجموعات المجتمع المدني المحلية والدولية هذه الانتخابات على نطاق واسع، وقام مرشح حزب الحرية والعدالة آنذاك محمد مرسي بتعداد موازٍ لأصوات الجولة الثانية، وخلال الانتخابات الأولى التي شارك فيها السيسي في 2014، والتي لم تكن فيها المراقبة شديدة بالقدر نفسه، بلغت نسبة الإقبال المُعلن عنها 47 %، ليحصد فيها الرئيس كما زُعم 24 مليون صوت، (حسني مبارك، الذي كان أكثر تواضعًا من السيسي من نواحٍ عدّة، اكتفى بالإعلان عن نسبة إقبال بلغت 23 % فقط في انتخابات 2005 الوحيدة التي شارك فيها والمطعون في نتائجها).

وأوضح أنه خلال انتخابات هذا العام، وبعد الإعلان عن نسبة مشاركة بلغت 41 %، ووفق اللجنة العليا للانتخابات، فإن 59,780,138 ناخبًا مسجلًا، وأن 24,254,152 ناخبًا مؤهلًا أدلوا بأصواتهم، وبالنظر إلى وجود 13,706 مراكز اقتراع، بلغ متوسط عدد الناخبين في كل مركز 1770 ناخبًا، ومع فتح مراكز الاقتراع لفترة طويلة لا تقل عن 37 ساعة على مدى ثلاثة أيام، بلغ متوسط عدد المقترعين في الساعة 48 مقترعًا في كل مركز، وكان العدد بالتأكيد أكبر من ذلك في المناطق الحضرية، بيد أن عدد المقترعين الضئيل الذي لحظه الصحفيون في معظم المناطق لا يدعم هذه النتائج على ما يبدو.

 

لوم داخلي!

وأشار تقرير مركز “كارينجي” إلى أنه على الرغم من نسبة الإقبال المُعلَن عنها، بدأت لعبة إلقاء اللوم داخل معسكر السيسي حول هوية من فشل في بلوغ نسبة إقبال لائقة، حيث بدأ بعض مؤيديه يقولون إنه أخطأ في عدم تشكيل حزب سياسي مكان الحزب الوطني الديمقراطي الذي تمّ حلّه، والذي كان سيسهم في تعبئة الناخبين، والمثير للدهشة في الواقع، أن الرئيس لم يتعلّم هذا الدرس بعد العقبات التي ظهرت في انتخابات العام 2014، فيما أكد التقرير أن كل هذه الملاحظات لا تهم العديد من المصريين بقدر اهتمام أولئك الذين شجّعوا أو دعموا الصعود المفاجئ لشخصيات بديلة عن السيسي في الفترة التي سبقت الانتخابات، خاصة أن البعض بلا شكّ يرون مدى متانة نظامه وفعاليته عندما يحين وقت تعبئة القواعد الشعبية لتحقيق هدف معيّن.