إبراهيم سمعان

يعد إنتاج الطماطم من أهم الأنشطة في مقاطعة فوجيا بمنطقة بوليا الإيطالية، حيث يعمل عدة آلاف من المهاجرين، معظمهم أفارقة، في ظروف صعبة للغاية.

كان هذا ملخص تقرير نشرته صحيفة “فرانس إنفو” عن محنة المهاجرين في جنوب إيطاليا، حيث حوادث الطرق والمعاملات غير الأدمية والاستغلال من قبل شبكات مجهولة.

حول فوجيا، يكون حصاد الطماطم ملون أحيانًا بالدم، حيث لقي 16 من عمال المزارع الأفارقة مصرعهم في حادثين مرورين خلال 48 ساعة، أوائل أغسطس عقب عودتهم من الحقول.

وبشكل استثنائي، شارك المئات من المهاجرين في مظاهرة في مقاطعة فوجيا، للتعبير عن غضبهم وشجب الاستغلال الذي يقولون إنهم ضحاياه.

يُطلق العاملون في هذا الحصاد على أنفسهم “berretti rossi”  أو “القبعات الحمر”، في إشارة إلى القبعات التي وزعتها النقابات لحمايتهم من أشعة الشمس، إذ تم العثور على واحدة من هذه القبعات ملطخة بالدم خلال أول حادثة في 4 أغسطس الماضي.

هؤلاء العمال هم حلقة وصل أساسية في الاقتصاد الزراعي المحلي، لكن مصيرهم لا يحسدون عليه، “ghetto de Rignano ” هو أحد معسكراتهم غير القانونية التي تقع في الريف، يمكن الوصول إليها بعد 12 كيلومترا على طريق مليء بالحفر.

حرارة ساحقة وغبار يغطي كل شيء،  كوخ بمثابة متجر لبيع الملابس، ومحل بقالة آخر، ففي وسط الملاجئ المؤقتة، والقوافل والقمامة، يقول نبيل إنه دفع ثمناً باهظاً بسبب هذا الطريق.

“في بداية شهر أغسطس، انقلبت سيارتنا بينما كنا عائدون إلى المنزل من العمل”، يقول  هذا السنغالي، الذي كان مرفقيه مغطيان بالقشور جراء الإصابة، مضيفا “منذ ذلك الحين أعاني من ألم في رأسي وظهري وأماكن أخرى”، حيث جرح السائق وثلاثة عمال آخرون أحدهم ما زال في المستشفى.

في الثاني من أغسطس، بعد الحادث، لم يستطع أخوه زيارته في المستشفى قائلا “لم أكن أجرؤ على الذهاب، ليس لدي أي أوراق” انتظر نبيل عشر ساعات قبل الاعتناء به. لم يكن حتى تحت الملاحظة ليلا، “جاء ضباط الشرطة لأخذي، اضطررت إلى ترك بصمات أصابعي وإعطاءهم اسمي”.

بعد حادث ليزينا المميت في 6 أغسطس، اضطر المدعي العام، لودوفيكو فاتكارو ، “للتدخل شخصيا” من أجل العثور على مكان للجرحى في المستشفى، وقال لوكالة “إنسا” الإيطالية “الوضع أصبح مأساوياً وغير قابل للاستمرار”.

على بعد كيلومتر واحد من المخيم، هناك حافلة تنقل الركاب لوسط المدينة، لكن العمال يذهبون للعمل في شاحنات صغيرة، تأخذهم مباشرة عند مدخل المخيم.

يقول أحد العاملين: ساعات العمل ليس دائمًا محددة، أحيانًا ننطلق في الساعة الرابعة صباحًا لنبدأ العمل الساعة الخامسة. لا يوجد ظل في الحقول المفتوحة الكبيرة.

ويضيف “من الصعب بالنسبة لي أن أعمل أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام دون انقطاع في الأسبوع، هذا مؤلم جداً للظهر والكليتين”.

أكد المدعي العام في فوجيا، لودوفيكو فاكارو، أن التحقيقات حول هؤلاء العمال كشفت الكثير “تدار في بعض الأحيان من قبل جماعات مافيا”، أما فيما يخص الحوادث المميتة التي وقعت في أغسطس، فقد عززت الشرطة من إجراءاتها بعد الحادثين الأخيرين.

وتقول الشرطة إنها فحصت 2000 سيارة خلال العام الماضي، منها 147 تمت مصادرتها، كما طبقت 357 عقوبة خاصة بانتهاك قانون الطرق السريعة. “هذا الصباح كنا 30 في سيارة، ولكن كان علينا أن نذهب إلى العمل” يقول مالام، الذي وصل إلى إيطاليا من غينيا-بيساو.

أما درام، هذا السنغالي الذي باعت ولدته ماشية بـ 500 ألف فرنك من أجل مساعدته على السفر فيقول، إن التجربة مريرة “الطماطم في الأرض، ومن الصعب للغاية قطفها”، موضحا هذا الشاب البالغ من العمر 28، وهو يضع يديه على كليته الألم الذي يشعر به في نهاية كل يوم.

ووفقا له، هناك نوعان من الأجور، الأولى، ثلاثة أو أربعة عاملين عليهم ملئ صندوق 1.50 متر مربع، للحصول على 4 يورو، “توقفت عن العمل بعد 10 صناديق”، أما النوع الثاني فهو العمل بالساعة ويتراوح الأجر من 3 إلى 5 يوروهات والاسعار ليست منتظمة.

ويؤكد أن حوالي 30 يورو للعمل يوميا سبع أو ثماني ساعات إنه أمر محزن، خاصة عندما يكون من الضروري عليك دفع مال للوسطاء.

خلال زيارته فوجيا بعد الحوادث المميتة، أعلن وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني الإخلاء التدريجي لجميع المخيمات غير القانونية في المنطقة، حيث استخدم الحوادث الأخيرة لتبرير سياسته ضد الهجرة، حيث وقال “إن الهجرة غير المنضبطة تساعد المافيا ، لذا فإن تقليص القادمين يضر أيضا بأعمال أولئك الذين يستغلون هؤلاء الناس”.

في حديقة في ساحة كافور يجلس يوسف على مقعد، بعد أن وصل لتوه من ميلانو للعمل في حصاد الطماطم” قائلا “أحاول العثور على عمل في الحقول بدراجتي، لكن حتى هذا الوقت الحالي لم أفلح في ذلك” كالآخرين، سيكون عليه على الأرجح أن يدفع لوسطاء.

يوسف مثله مثل كثير من المهاجرين الذين استقر بهم الحال في فوجيا يريدون الآن أن يجربوا حظهم في فرنسا، وفي هذه الأثناء، يجوبون شوارع المدينة في لامبالاة، دون أفق آخر سوى الحقول الزراعية.