العدسة – جلال إدريس

حالة من الغضب الكبرى سادت بين الدول الأربع المحاصرة لـ”قطر” مساء أمس الثلاثاء، حيث أصدرت دول الحصار بيانا مشتركا عبروا فيه عن رفضهم مضمون تقرير للأمم المتحدة وجه  لدول الحصار انتقادات حقوقية على خلفية الأزمة الخليجية.

ونشرت وكالات الدول الأربع الرسمية للأنباء، مساء أمس بيانا مشتركا صادرا عن بعثات كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، المعتمدة في جنيف، ردوا خلاله على مضمون تقرير البعثة الفنية لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التي زارت الدوحة في نوفمبر الماضي، وأصدرت بعدها بيانا انتقدت فيه ممارسات دول الحصار.

الدول الأربعة اعتبرت أن تقرير الأمم المتحدة “يعكس انحيازا واضحا لأحد أطراف الأزمة السياسية (يقصد قطر)”، معربة عن استنكارها لما ورد في التقرير من “خلل منهجي تضمن توصيفا مضللا للأزمة السياسية، وصولا إلى ما انتهى إليه من نتائج وملاحظات مبنية على فهم محدود للسياق العام للأزمة السياسية وخلفيتها التاريخية”.

مراقبون طرحوا تساؤلات واسعة عن مضمون التقرير أولا، وعن أسباب غضب دول الحصار من التقرير الأممي، وعن قدرة “قطر” في استغلال هذا البيان لمزيد من فك الحصار المفروض عليها، ومصير الحصار بشكل عام بعدما باتت الأمم المتحدة تنتقد بشكلن معلن استمراره بهذا الشكل.

فحوى التقرير الأممي

الأمم المتحدة

الأمم المتحدة

 

غضب دول الحصار جاء بسبب الانتقادات اللاذعة التي وجهها لهم التقرير الذي أعدته البعثة الفنية من المفوضية السامية لحقوق الإنسان بشأن زيارتها إلى قطر خلال الفترة من 28 صفر إلى 6 ربيع الأول 1439هـ الموافق 17 إلى 24 نوفمبر 2017م الماضي، والذي تم عرضه لاحقا على الأمم المتحدة.

وكان التقرير قد أشار إلى التدابير التي اتخذتها دول الحصار ضد دولة قطر بعد الخامس من يونيو الماضي، وما نتج عنها من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.

وأكد التقرير أن ما تعرضت له قطر ليس مجرد قطع علاقات دبلوماسية، وإنما انتهاكات ترقى إلى عقوبات جماعية بحق المواطنين والمقيمين في الدولة ومواطني دول مجلس التعاون.

وأضاف التقرير أن “هذه الإجراءات لا تفرق بين الحكومة والشعب، وأنها غير متكافئة، وتتسم بالعنصرية، وليس لها دوافع قانونية، وترقى إلى مرتبة الحرب الاقتصادية”.

وأشاد التقرير بجهود حكومة قطر وأجهزتها ووزاراتها، وبدور اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، في البحث عن إيجاد حلول للحالات الإنسانية المتفاقمة لضحايا الحصار التي فرضته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر.

حرب اقتصادية على قطر

 

وبحسب “تصريحات سابقة” لرئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطري الدكتور علي بن صميخ المري، فإن “التقرير الأممي فضح الانتهاكات الواسعة التي تمارسها دول الحصار دون أدنى شعور بالمسؤولية.

“المري” أكد أيضا، أن دول الحصار تبادلت الأدوار في انتهاك حقوق الإنسان، حيث صعدت الإمارات من إجراءاتها القمعية والتعسفية في بداية الأزمة، بينما أخذت المملكة العربية السعودية -في الآونة الأخيرة- على عاتقها اتخاذ إجراءات وتدابير تعسفية أكثر تشددا من الإمارات.

وذكر المري أن المفوضية السامية قبل إصدارها التقرير كانت قد طلبت زيارة دول الحصار، لكنها لم تحصل على رد، ولم يسمح لها بالزيارة.

وأضاف أن بعثة المفوضية زارت قطر، في الفترة من 17 إلى 24 نوفمبر الماضي، والتقت بنحو 20 مؤسسة حكومية ومنظمة مجتمع مدني، بالإضافة للاستماع والجلوس مع العديد من “ضحايا الحصار”، الذين لجؤوا للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر.

وطالب “المري” الحكومة القطرية بعدم إجراء أية مفاوضات مع دول الحصار قبل رفع الانتهاكات والغبن عن المتضررين، وإنصاف ضحايا حقوق الإنسان، داعيا في الوقت نفسه إلى ملاحقة مروجي خطاب الكراهية، من إعلاميين ومسؤولين، لما تسببوا فيه من معاناة للمواطنين والمقيمين في قطر، وفي دولهم نفسها.

وفي الإطار ذاته كانت دولة قطر قد عبرت عن ارتياحها لتقريرالبعثة الفنية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، كما أبدت ترحيبها بما ورد فيه من توثيق لانتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بحصار دولة قطر وتداعيات الأزمة الخليجية، مشيرة إلى أن التقرير أكد وجود حرب اقتصادية تشنها دول الحصار.

دول الحصار ترفض البيان

وزراء خارجية دول الحصار

وزراء خارجية دول الحصار

 

في المقابل، فإن دول الحصار الأربعة، أعربت أمس عن رفضها لفحوى التقرير واعتبرت أنه  تضمن اتهامات غير صحيحة، وعكس انحيازا لأحد أطراف الأزمة، “بتبنيه الرواية القطرية الواهية” بحسب قولهم.

وقال البيان إن هذه الدول ترفض وتستنكر ما ورد في تقرير البعثة الأممية، الذي تضمن توصيفا اعتبرته مضللا، للأزمة السياسية.

وأكد بيان الدول الأربع تحفظهم إزاء طريقة تسريب مضمون التقرير وتوقيته من قبل “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان” القطرية (بحسب قولهم).

ودعت الدول الأربعة المفوضية السامية إلى “معالجة الأخطاء المنهجية والإجرائية التي وقع فيها التقرير، الذي لا يتماشى مع المعايير الدولية واختصاصات المفوضية السامية لحقوق الإنسان”.

وأضافت أن “توجيه الدوحة اتهامات ضد الدول الأربع لدى المنظمات الدولية، رغم الجهود الكبيرة والمقدرة (للوساطة) من الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، يؤكد عدم وجود نية حقيقية وصادقة -على المدى المنظور- لدى قطر، لعودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي مع دول المقاطعة”.

إحراج  دولي كبير

مجلس الأمن

مجلس الأمن

 

من جهة أخرى فإن مراقبين يؤكدون أن “التقرير الأممي” يعد بمثابة إحراج دولي كبير لدول الحصار ويعكس، مدى الانتهاكات غير الأخلاقية والدبلوماسية التي ارتكبوها بحق دولة قطر.

أيضا، فإن التقرير يفند مزاعم دول الحصار بأن الهدف من مقاطعتهم قطر هو “محاصرة الإرهاب” حيث لم يتحدث تقرير الأمم المتحدة وجود أي دعم قطري للإرهاب، كما لم تقدم دول الحصار نفسها أي دليل على ذلك.

وفي هذا السياق، كانت “مي رومانوس، الباحثة في شؤون دول الخليج العربي بمنظمة العفو الدولية «أمنستي»” قد أكدت أن ما ورد في تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بشأن تداعيات الحصار المفروض على قطر  يمكن أن  يكون أداة للمجتمع الدولي لممارسة ضغوط دبلوماسية على دول الحصار.

ونوّهت بتجاوب قطر مع المنظمات الحقوقية والسماح لها بمقابلة المتضررين من الحصار، لافتة إلى أن ذلك ساعد «أمنستي» على توثيق الانتهاكات بشكل دقيق ومفصل، ومقابلة الضحايا والتواصل مع الجهات المعنية أعطى مصداقية لبحوث وتوصيات منظمة العفو الدولية.

وشدّدت، على ضرورة متابعة المفوضية السامية لحقوق الإنسان لعملها وحماية الأشخاص الذين انتُهكت حقوقهم جراء الأزمة.

محاولة فاشلة لإدارك الموقف

سرحان الطاهر سعدي

سرحان الطاهر سعدي

 

وفي محاولة فاشلة لإراك الإخفاق الكبير الذي حققته دول الحصار في الأزمة الخليجية، اتجهت الدول المحاصرة لقطر إلى أساليب غير قانونية، عن طريق دعم منظمات وشخصيات، ألبستها ثوب الدفاع عن حقوق الإنسان، مستعينة بقوة المال، قبل أن تثور الفضائح من حولها.

كانت آخر تلك الفصول، ما كشف عنه تحقيق أجرته «الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة» داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وأزهر وجود تعبئة وضغط سياسيين تمارسهما الإمارات عن طريق إغراق المجلس بمعلومات مضللة، والضغط على المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان، في انتهاك صارخ للقوانين المالية والتجارية السويسرية والأوروبية.

وفي وقت لاحق، أعلنت الهيئة المستقلة، ومقرها جنيف ونيويورك، أنها تقدمت -برفقة حقوقيين سويسريين- بطلب إلى الشرطة السويسرية، من أجل اعتقال كل من سرحان الطاهر سعدي المقيم في سويسرا والمنسق العام لجمعية محلية إماراتية متورطة في تقديم رشى وغسيل أموال، تدعى «الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان»، إضافة إلى شخص آخر إماراتي الجنسية يدعى أحمد ثاني الهاملي، يقف خلف ذات الجمعية بجانب منظمة أخرى تدعى «ترندز» للبحوث والاستشارات.

وقالت الهيئة إنها تقدمت للشرطة السويسرية بتقرير تفصيلي مدعم بالأدلة وإفادات الشهود، حول قيام الأشخاص المتهمين بتوزيع رشى داخل الأراضي السويسرية، وداخل مقرات الأمم المتحدة إضافة إلى نقل أموال والعمل بصورة غير قانونية.

كما طالبت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بطرد جمعية إماراتية تتواجد دون أي صفة قانونية داخل أروقة المجلس، وترتكب «مخالفات مالية وقانونية وتهرب ضريبي».