العدسة – منصور عطية

مجددا تتفجر خلافات “الإخوة الأعداء” في المغرب العربي، على خلفية الأزمة التاريخية المستحكمة المتعلقة بالصحراء الغربية أو المغربية، ببعد دولي يرتكز على مسألة حقوق الإنسان.

تجاذبات جزائرية مغربية شهدها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خلال الأيام القليلة الماضية، أثارت جدلا محتدما تزيد حدته وتقل باختلاف الظروف، لكنه لا ينتهي.

وكانت أزمة دبلوماسية انفجرت في أكتوبر الماضي، على خلفية تصريحات وزير الخارجية الجزائري، عبدالقادر مساهل، التي اتهم فيها المغرب بـ”تبييض أموال المخدرات في البنوك الإفريقية”.

وردت الرباط باستدعاء القائم بالأعمال في سفارة الجزائر بالمغرب احتجاجًا على التصريحات، ووصفتها الخارجية المغربية بأنها “تنم عن مستوى غير مسبوق من عدم المسؤولية في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين”.

“خناقة” حقوق الإنسان

ضربة البداية، كانت في 8 مارس الجاري، عندما جدد مندوب الجزائر لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، مناشدته المفوضية السامية أن تولي أهمية خاصة لما قال إنها “الانتهاكات المستمرة في الصحراء الغربية الخاضغة لسيطرة استعمارية من طرف النظام المغربي”.

ودعا المتحدث – عقب الجلسة العامة المخصصة لعرض تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان المقدم إلى الدورة العادية ال37 للمجلس – إلى “ضرورة مراعاة مسألة حقوق الإنسان التي لم تدرج بعد إلى ولاية بعثة الأمم المتحدة لإجراء استفتاء في الصحراء الغربية”.

الرد المغربي لم يتأخر كثيرا، حيث قال القائم بأعمال المغرب في جنيف “حسن بوكيلي”: إن “الجزائر ليست لها مصداقية للحديث عن حقوق الإنسان بسبب الجرائم والانتهاكات في الماضي والحاضر، والتي ارتكبت تحت مسؤوليتها الكاملة في مخيمات تندوف”.

وتابع – خلال نقاش تفاعلي مع المندوب السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين في العاصمة السويسرية الجمعة 9 مارس – “نأسف لإصرار الجزائر على إفساد النقاشات داخل المجلس من خلال إثارتها لخلافها السياسي مع المغرب حول الصحراء المغربية”.

وأشار إلى أن “الشيء الوحيد الذي يجب تحريره من الاستعمار في منطقتنا، هو طريقة تفكير الدبلوماسية الجزائرية تجاه المغرب ووحدته الترابية”، داعيا الجزائر إلى “حل مشاكلها الداخلية والاستجابة لمطالب الحكم الذاتي لسكان القبائل والمزابيين (مجموعة جزائرية يعيشون في وادي مزاب شمال الصحراء الكبرى في الجزائر، مسلمون إباضيون)، والذين يتعرض مناضلوهم للاضطهاد، والتعذيب، والسجن، وإجبارهم على الصمت أو النفي”، على حد قوله.

لم يتوقف الدبلوماسي المغربي عن هجومه الشرس على الجزائر، بقوله: “الجزائر تبقى البلد الوحيد في المغرب العربي الذي يستمر في إغلاق حدوده أمام زيارات المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، وفي منع المناضلين الجزائريين من القدوم إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف”.

أصل أزمة الصحراء

وبطبيعة الحال، فإن الحديث عن أزمة الصحراء المغربية ودورها في تأجيج الخلافات بين البلدين ليست وليدة اللحظة، بل تمتد إلى عقود مضت وتحديدا في 15 يوليو 1972، عندما وُقعت اتفاقية تقسيم الحدود بين الرئيس الجزائري هواري بومدين والملك المغربي آنذاك الحسن الثاني.

وبعد إعلان تكوين جبهة تحرير وادي الذهب والساقية الحمراء المعروفة باسم “البوليساريو”، التي تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء المغربية بالجنوب عام 1973، كدولة مستقلة، قامت الجزائر بدعم الجبهة عسكريًّا ولوجستيًّا في قتالها مع القوات المغربية في نهاية السبعينيات.

وبعد أن هزم الجيش المغربي، قوات “البوليساريو” بعد عناء، في عام 1980، اتجه إلى بناء جدار أمني استمر تشييده نحو 7 سنوات، يمتد على طول الحدود الجنوبية بين البلدين الجارين.

في المقابل، استمر دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” بدعوى “حق تقرير المصير والشرعية الأممية”، الأمر الذي لم يتقبله المغرب، واعتبر ذلك ولا يزال تآمرًا على وحدته الترابية.

هذا الخلاف المحتدم بين الجزائر والمغرب حول مسألة الصحراء، تسبب في فشل كافة محاولات الصلح بين البلدين وتطبيع العلاقات بينهما، وهو ما جعل المغرب يدعو في الآونة الأخيرة الجزائر إلى التفاوض مباشرة لحل قضية الصحراء، لكن الأخيرة ترفض وتقول إنها ليست طرفًا في ذلك النزاع، وإنما تساند الشرعية الأممية.

وفي أبريل الماضي، أعربت الأمم المتحدة عن استعدادها لاستئناف المحادثات السياسية حول منطقة الصحراء المتنازع عليها، بعدما سحبت جبهة “البوليساريو” مقاتليها من منطقة حدودية تشهد توترا.

وبينما يقترح المغرب لحل النزاع حكما ذاتيا موسعا في ظل سيادة المملكة المغربية، تطالب “البوليساريو” المدعومة من الجزائر، بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.

للأزمة جذور

تاريخيًّا، فإن جذور الأزمة بين البلدين تمتد إلى عهد الاستعمار الفرنسي، حيث لم يكن هناك رسم للحدود بشكل دقيق وكامل بين البلدين المتجاورين، ولم تكن فرنسا معنية بذلك إلا بعد اكتشاف حقول من النفط ومناجم حديد في المنطقة الحدودية، حيث أعادت ترسيم الحدود وأدخلت منطقتي “الحاسي والبيض” و”كولومب بشار” ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر، حينها.

بعد استقلال الجزائر عام 1962، ومن قبله المغرب عام 1956، طالبت الرباط باسترجاع سيادتها على المنطقتين، بالإضافة إلى مناطق أخرى كانت تعود إليها قبل الاستعمار، استنادًا إلى خريطة المغرب الكبير التي نشرها حزب الاستقلال المغربي في عام 1956.

إلا أن الجزائر رفضت الطلب، ودعت إلى عدم المساس بالحدود التي رسمها الاستعمار الفرنسي بالاستناد إلى مؤتمر باندونج المنعقد في 1956.

وازداد التصعيد بالمناطق الحدودية بين البلدين في أعقاب رفض الجزائر تغيير خريطة الاستعمار، إلى أن اندلعت مناوشات تحولت إلى حرب ضروس في أكتوبر 1963، سميت بحرب الرمال.

تكبد الطرفان خسائر مادية وبشرية كبيرة، لتنتهي هذه الحرب بتدخل منظمة الوحدة الإفريقية، التي أرست اتفاق وقف إطلاق النار بينهما في 20 فبراير 1964.