أثار تقرير منظمة العفو الدولية حول الأوضاع المأساوية التي يعاني منها العمال الأجانب في السعودية ضجة واسعة، خصوصاً في ظل اجتماع منظمة العمل الدولية المرتقب للنظر في شكوى تاريخية قدمها الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب.

حيث تتناول الشكوى انتهاكات خطيرة تتعلق بسرقة الأجور والعمل القسري في المملكة، وسط استمرار السياسات القمعية وحظر النقابات العمالية. ورغم أن السعودية أعلنت عن إطلاق منتج تأميني لحماية أجور العمال الأجانب كجزء من رؤية 2030، إلا أن هذا الإعلان أثار الشكوك حول مدى فعالية هذه الإصلاحات في حماية حقوق العمال ومنع استغلالهم.

خلال السنوات الأخيرة، اتخذت السعودية بعض الخطوات على الورق لتحسين ظروف العمال الأجانب، كان آخرها إعلان المنتج التأميني لحماية أجورهم في أكتوبر 2024.

ولكن من منظور المعارضة والناشطين في مجال حقوق الإنسان، تبدو هذه الإصلاحات أشبه بعملية تجميلية تهدف إلى تحسين صورة المملكة عالميًا، خصوصاً مع اقتراب استضافتها لبطولة كأس العالم 2034.

سرقة أجور العمال الأجانب

يرى ستيفن كوكبيرن، رئيس برنامج العدالة الاقتصادية والاجتماعية في منظمة العفو الدولية، أن هذا المنتج التأميني لا يمثل سوى محاولة لامتصاص الضغوط الدولية، حيث يعترف بإشكالية سرقة الأجور لكنه يحتوي على ثغرات قانونية تسمح بحرمان فئات كبيرة من العمال من الاستفادة الفعلية منه.

الإصلاحات المعلنة في نظام التأمين وضعت شروطاً تعجيزية، حيث يشترط على العامل الانتظار حتى تأخر أجور 80% من زملائه في الشركة لمدة تتجاوز ستة أشهر قبل أن يكون له الحق في تقديم شكوى.

هذا الشرط، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، يعكس عدم جدية السلطات السعودية في معالجة استغلال العمال بجدية ويجعل الاستفادة الفعلية من هذه الحماية شبه مستحيلة. إلى جانب ذلك، يستثني المنتج التأميني العاملات في المنازل والعمال الموسميين، وهم من أكثر الفئات عرضة للتهميش والاستغلال.

نظام الكفالة والاستغلال المقنن للعمال الأجانب

منذ سنوات، يواجه العمال الأجانب في السعودية واقعاً قاسياً في ظل نظام الكفالة الذي يربطهم بأصحاب العمل ويحد من حريتهم. ويعتبر هذا النظام أداة فعّالة لاستغلال العمال الأجانب وحرمانهم من حقوقهم الأساسية.

وفي ظل غياب قوانين صارمة تضمن حقوق العمال، يجد العامل نفسه مجبراً على التنازل عن حقوقه الأساسية والتعايش مع ظروف غير إنسانية خوفاً من العقوبات أو الترحيل.

إن ضعف إنفاذ القوانين والإفلات المستمر للمستغلين من العقاب يجعل العمال الأجانب عرضة للإذلال وسوء المعاملة من قبل الكفلاء، ولا تجد حقوقهم صوتًا مسموعًا أمام السلطات.

وتشير المعارضة إلى أن النظام السعودي يستغل العمالة الأجنبية كوسيلة لتعزيز اقتصاده، دون الاكتراث لحياتهم أو كرامتهم. وما زال العمال الأجانب في السعودية يخضعون لرقابة شديدة ويُحرمون من تشكيل نقابات أو تنظيمات تحمي حقوقهم وتدافع عنهم أمام السلطات وأرباب العمل.

وبدلاً من إنهاء نظام الكفالة، تستمر المملكة في تقديم إصلاحات جزئية لا تُعالج جذور المشكلة، مما يُبقي على مظاهر الاستغلال القسري ويترك العمال الأجانب في حالة من القهر والتهميش.

 

تصاعد الضغوط قبل استضافة كأس العالم 2034

تزامناً مع حملة السعودية لاستضافة كأس العالم 2034، تجد المملكة نفسها أمام عاصفة من الانتقادات والضغوط الدولية بشأن أوضاع العمالة الأجنبية على أراضيها. فمعايير الاستضافة تتطلب احترام حقوق الإنسان وتوفير ظروف عمل لائقة للعمال، ولكن تقارير منظمات حقوق الإنسان تكشف عن واقع مغاير.

تتعلق الشكوى المقدمة من الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب بانتهاكات جسيمة طالت أكثر من 21 ألف عامل، تعرضوا لسرقة أجورهم وعملوا في ظروف قاسية تخالف المعايير الدولية.

يعتبر تقديم الشكوى إلى منظمة العمل الدولية خطوة مهمة في مسار الدفاع عن حقوق العمال الأجانب، ويزيد من الضغط على السعودية لتقديم إصلاحات جذرية وليست شكلية.

ويرى المراقبون أن على المملكة أن تتخذ إجراءات فورية للتصدي لانتهاكات حقوق العمال وإلغاء القيود القمعية التي تفرضها عليهم. ويجب أن تكون استضافة الأحداث الرياضية الكبرى حافزاً للمملكة لتحسين سجلها الحقوقي، لا سيما فيما يتعلق بالعمالة الأجنبية، وإلا فإنها ستواجه المزيد من الانتقادات والمقاطعة الدولية.

الخلاصة أن السعودية يجب أن تلتزم بإجراء إصلاحات حقيقية وعميقة لتحسين أوضاع العمال الأجانب، تتجاوز أنصاف الحلول والتدابير الصورية. إن توفير بيئة عمل آمنة وإنسانية يتطلب إلغاء نظام الكفالة التقييدي، وإنشاء قوانين تجرّم استغلال العمال وتضمن حقوقهم دون تمييز أو انتقائية.

ومع استمرار تجاهل النظام السعودي لهذه المطالب، يبقى العمال الأجانب عرضة للتهميش والاستغلال في بيئة تخلو من الحماية القانونية أو التنظيمية، وكذلك في ظل استمرار الانتقادات والضغوط الدولية، فإن السعودية مطالبة بإثبات التزامها بتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حقوق الإنسان، وليس فقط تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي.

 

اقرأ أيضًا : رغم تعيين رئيس جديد للإنتربول… المنظمة الدولية بحاجة إلى إصلاحات قوية لاستعادة نزاهتها