يبدو أن الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي أعطى الضوء الأخضر لبدء حملته الانتخابية للترشح لفترة رئاسية ثانية.
هذه الحملة لا تتعلق فقط بتقديم كشف حساب لفترته الرئاسية الأولى أووضع برنامج لأربع سنوات مقبلة، ولكن أيضا لإظهار وجود شعبية له في الشارع المصري.
السيسي رشح نفسه في انتخابات 2014 في ظرف استثنائي عقب الإطاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وعلى الرغم من ذلك لم تشهد الانتخابات زخما وإقبالا من الناخبين.
ووجد السيسي نفسه حينها في وضع محرج داخليا وإقليميا ودوليا، بما يجعله أمام اختبار حقيقي آخر في قياس مدى شعبيته بشكل واضح ولا يقبل مجالا للشك خلال التصويت في الانتخابات المقبلة.
تخوفات السيسي حيال الانتخابات المقبلة ليس من خوض مرشحين أقوياء سباق المنافسة ولكن من ضعف المشاركة، ما جعله يلمح لهذا الأمر مرارافي مناسبات عديدة.
حملة منظمة
في توقيت متزامن سابق أعلن عدد من الأحزاب القريبة من النظام الحالي تأييدهم لترشح السيسي في انتخابات الرئاسة، وتحديدا عقب المؤتمر الشبابي الأخير بمحافظة الإسكندرية يوليو الماضي.
وتعتزم أحزاب عقد مؤتمرات وإصدار بيانات لتأييد ترشح السيسي، رغم عدم وجود مبرر لذلك في ظل وجود فترة زمنية طويلة على بدء إجراءات انتخابات الرئاسة.
حملات التأييد هذه تعكس وجود “ترتيب مسبق” لإعلان الدعم للسيسي في هذا التوقيت، لإحياء فكرة ترشح الرجل نظرا لانشغال الجميع بمنافسه وترتيبات المعارضة لطرح برنامج لبديل رئاسي لإنقاذ مصر من كبوتها وأزمتها الاقتصادية.
ولكن لم تتحرك هذه الأحزاب على أرض الواقع للعمل لدعم ترشح السيسي، ولكن جاءت هذه التحركات من قبل بعض الحملات والائتلافات التي تشكلت خصيصا لدعم السيسي، للإيحاء بأن ترشحه هو مطلب شعبي بالأساس.
ولم يجد النظام الحالي بكل أجهزته لدعم السيسي سوى تنظيم حملات أسموها “شعبية” لجمع توقيعات لتأييد ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية.
وخرجت حملة “علشان تبنيها” وسط عملية إبراز إعلامي لها بشكل كبير، على الرغم من أن القائمين عليها مجهولون، ولكن الغريب هو تزامن إطلاق هذه الحملة مع إفراد مساحات إعلامية للحديث عن الانتخابات الرئاسية والتأكيد على أن السيسي المرشح الأوفر حظا.
وبالتوازي مع هذه التحركات أطلقت وسائل إعلام قريبة من النظام الحالي، حملات للهجوم على معارضي السيسي أشخاصا وكيانات.
أي أنها حملة منظمة متكاملة الأركان في سبيل دعم السيسي بكل ما أوتيت أجهزة الدولة من قوة وتحديدا الأمنية والسيادية التي تشرف على ترتيب المشهد السياسي.
جمع توقيعات
فكرة جمع توقيعات من المواطنين لتأييد أي قضية لها ذكرى سيئة مع المصريين، إذ تم ربطها بحملة “تمرد” لجمع توقيعات للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي من الحكم.
وتبين في وقت لاحق أن تلك الحملة كانت بمعرفة جهات سيادسة والمؤسسة العسكرية المصرية، بدعم وتمويل كامل من دولة الإمارات، من خلال التسريبات الخاصة بمدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل، وتمثلت أبرز المؤشرات على هذا الدعم في صورة جمعت مؤسسي تمرد محمود بدر ومحمد عبد العزيز مع وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد.
إذن مسألة إطلاق حملات لجمع التوقيعات في مصر لكي تكون ناجحة لا بد أن يكون مصدرها جهات سيادية في الدولة وتحت أعينها وبتوجيهات منها، أو أن تكون على هواها فلا تفرض تضييقات وقيودا على تحركاتها.
وهذا ما ينطبق على تحركات ائتلاف جديد ظهر على الساحة المصرية يدعى “حب الوطن”–يضم نوابا في البرلمان- وتأييد حملة “علشان تبنيها”، والإعلان عن إطلاق حملة لجمع التوقيعات من المواطنين بداية من شهر أكتوبر.
وأكثر ما يثير اللغط حول هذه الحملة بعيدا عن إظهار وجود دعم وتأييد للسيسي، هو الجهة التي تمول عملية توزيع وجمع الاستثمارات والمقرات وغيرها من المسائل اللوجستية لإطلاق حملة كبيرة ترتبط باسم السيسي؟.
ولكن في خلفية هذه الحملة لا يمكن استبعاد أن تكون عبارة عن محاولة من جهات سيادية لجس نبض الشارع حول ترشح السيسي ومدى الرضا عن الأداء، فضلا عن قياس شعبيته التي تنخفض بفعل القرارات الاقتصادية الصعبة وغلاء الأسعار.
الشعبية و ضعف المشاركة
ضعف شعبية السيسي أمر لا يقبل النقاش، فبعيدا عن حالة الغضب التي يمكن رصدها في الشارع المصري بسهولة، فإن مركز بصيرة لقياسات الرأي العام، أظهر وجود تراجع في شعبيته.
وفي حديث للسيسي في آخر مؤتمر للشباب في محافظة الإسكندرية ردا على سؤال حول ترشحه في الانتخابات الرئاسية، ألمح إلى ترشحه، ثم شرع يتحدث عن ضرورة المشاركة في الانتخابات.
وقال السيسي: “لن أبقى يوماً واحداً في الحكم دون رغبة الشعب المصري صاحب قرار الاختيار في أي انتخابات”.
ولكنه بدا أكثر قلقا من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية، وأوضح: “هقول للمصريين: إوعوا في الانتخابات ما تنزلوش، وده يوم بيتحدّد به مصير مصر، فأنتم ما تستكتروش على مصر في اليوم ده حتى لو هتقف 10 ساعات”.
استفاضة السيسي في الحديث عن المشاركة خلال الانتخابات الرئاسية، تعكس وجود تقديرات موقف واستطلاعات وتقارير من جهات سيادية في الدولة تشير إلى تراجع شعبيته وانعكاس هذا الأمر على ضعف المشاركة في الانتخابات.
مبعث القلق الذي قد يواجه السيسي هو أنه في عام 2014 لم يكن قد استلم شؤون البلاد وشهدت الانتخابات الرئاسية ضعفا في المشاركة، فما هو الحال بعد نحو 4 أعوام في الحكم في ظل قرارات متخبطة أثرت على الطبقات الكادحة بالأساس، والتفريط في أراض مصرية بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.
جزء من قلق السيسي أيضا يتعلق بصورته أمام المجتمع الدولي، إذ أنه دائم التصدير لفكرة وجود الدعم والتأييد الكامل له ولسياساته، ولكن يبدو أن الحقيقة خلاف ذلك.
وقد قال خلال المؤتمر الشبابي الأخير: “لازم العالم كله يشوف المصريين، إن إرادتنا بيدينا، وخلّي بالكم إن الناس بتشوف وتحسب كويس، وهما بيقولوا إزاي المصريين متحمّلين الإجراءات دي، يبقى معناه فيه رصد أو تحليل، انزلوا عشان تقولوا إحنا اللي جبنا ده، وعشان بعد ما تجيبوه ما تقولوش ده إحنا ما جبنهوش”.
اضف تعليقا