“تحرك ضخم وغير مسبوق ضد الانفصالية الإسلامية”.. بهذه العبارة، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، مساء الأربعاء الماضي، عن حملة واسعة النطاق، ستنفذها أجهزة الدولة في الأيام المقبلة ضد عشرات المساجد.
وكتب “دارمانان” في تغريدة على تويتر: “بناء على تعليماتي، ستطلق أجهزة الدولة تحركا ضخما وغير مسبوق ضد الانفصالية. سيتم في الأيام المقبلة تفتيش 76 مسجدا يشتبه بأنها انفصالية”، وأكد الوزير قائلا: “سيتم إغلاق تلك التي يجب إغلاقها”.
Conformément à mes instructions, les services de l’Etat vont lancer une action massive et inédite contre le séparatisme.
???? 76 mosquées soupçonnées de séparatisme vont être contrôlées dans les prochains jours et celles qui devront être fermées le seront.https://t.co/0R3RQ2zFoi— Gérald DARMANIN (@GDarmanin) December 2, 2020
ويأتي هذا التصريح في سياق مناخ متوتر للغاية، فالتصريحات الصادرة عن سياسيين، خاصة اليمينيين، إضافة إلى دعوات وسائل الإعلام، تتواتر للمطالبة بمزيد من التضييق على المسلمين ومساجدهم، بل وحتى إغلاقها. إلى جانب رسائل التهديد التي يضعها المتطرفون الفرنسيون على أبواب تلك المساجد.
وأمس الأربعاء، أعلن مجلس الوزراء الفرنسي حل التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في البلاد، بشكل رسمي، والذي يتهمه بأنه “بؤرة إسلاموية تعمل ضد الجمهورية الفرنسية”.
وتثير هذه المواقف مخاوف كبيرة لدى نحو ستة ملايين مسلم في فرنسا، لاسيما وأن السلطات تتعمد الخلط بين الإسلام والإرهاب، لتبرير استهداف المسلمين ومؤسساتهم من مساجد وجمعيات.
حرب على المساجد
صحيفة لوفيغارو الفرنسية، كشفت أن “دارمانان” أرسل في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مذكرة إلى مديري الأمن في سائر أنحاء البلاد توضح بالتفصيل الإجراءات الواجب اتخاذها بحق هذه المساجد، التي تقع 16 منها في العاصمة باريس ونواحيها، و60 في سائر أنحاء البلاد.
وأشارت الصحيفة، وفقا لتأكيدات مقربين من وزير الداخلية، إلى أن من بين هذه المساجد 18 سيتم استهدافها، بناء على تعليمات الوزير، “بإجراءات فورية” يمكن أن تصل إلى حد إغلاقها.
من جانبها، أكدت مصادر أمنية، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن 3 من هذه المساجد الـ18 تقع في نطاق بلدية سين سان دوني، مشيرة إلى أن أحدها رفض الالتزام بقرار أصدره رئيس البلدية وقضى بإغلاقه، والثاني أغلق في 2019 لكنه استمر في إقامة الصلاة، والثالث صدر قرار أمني بإغلاقه لكن أجهزة الدولة لم تتحقق مما إذا كان قد أغلق فعلا أم لا.
ويعتزم مجلس الوزراء الفرنسي، عقد جلسة، الأربعاء المقبل، للنظر في مشروع قانون يرمي إلى “تعزيز المبادئ الجمهورية” من خلال محاربة ما يسميها “الانفصالية” و”التطرف الإسلامي”.
وفي عام 2016، أغلقت السلطات الفرنسية أكثر من 20 مسجدا ومصلى في البلاد. وتوعدت باتخاذ المزيد من الإجراءات لطرد نحو 80 شخصا، بينهم أئمة مساجد، بذريعة تبنّي خطابا متشددا.
حمى الإغلاق
وقبل ساعات من الكشف عن الحملة ضد المساجد، أعلن وزير الداخلية الفرنسي، أن مجلس الوزراء حل بشكل رسمي “التجمع المناهض للإسلاموفوبيا” في فرنسا.
وقال الوزير في تغريدة على تويتر: ‘‘بناءً على أوامر الرئيس إيمانويل ماكرون، تم حل التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا، خلال اجتماع مجلس الوزراء اليوم. فمنذ سنوات، يقوم هذا التجمع (بالدعاية الإسلاموية)”.
Conformément aux instructions du Président de la République, le #CCIF a été dissous en Conseil des ministres.
Depuis plusieurs années, le CCIF conduit avec constance une action de propagande islamiste, comme le détaille le décret que j’ai présenté en conseil des ministres. ???? pic.twitter.com/W0SiDzORs4— Gérald DARMANIN (@GDarmanin) December 2, 2020
لكن، التجمع المناهض للإسلاموفوبيا، استبق هذه الخطوة الرسمية، بإعلانه حل نفسه ونقل أنشطته إلى الخارج، الأسبوع الماضي، بسبب ‘‘الضغوط الممارسة عليه من قبل السلطات الفرنسية.
واتهم التجمع وزير الداخلية، جيرار دارمانان بـ”الاعتماد على عناصر لا أساس لها أو متحيزة أو غير صحيحة”. وقال إن “الأسوأ من ذلك هو تعرضهم في التجمع بشكل عام لانتقادات بسبب القيام بعملهم القانوني وتطبيق القانون والمطالبة بتطبيقه عند التشكيك في عدم التطبيق”، وأوضح: “قررنا اعتبارا من 29 من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، (الحل الطوعي) للتجمع، ونقل جزء كبير من أنشطتنا إلى الخارج، إلى جمعيات شريكة ستتولى مكافحة الإسلاموفوبيا على نطاق أوروبي”.
وأشار إلى أن “الإخطار بالحل الذي تم استلامه في 19 من شهر نوفمبر الجاري، لم يكن قابلا للتطبيق، لأن التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا لم يعد موجوداً كهيكل”.
على صعيد متصل، أعلن الرئيس الفرنسي في 20 أكتوبر/تشرين الأول، حل “تجمع الشيخ أحمد ياسين” المعروف بنشاطه من أجل القضية الفلسطينية. كما أعلن إغلاق مسجد في ضاحية بانتان، شمال شرق باريس، لمدة 6 أشهر.
تصعيد ماكرون لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أعلن أيضا عن قرارات مماثلة ستصدر خلال الفترة المقبلة ضد جمعيات وشخصيات إسلامية. ويجري الحديث في فرنسا عن استهداف 51 جمعية إسلامية في إطار الحملة التي انطلقت عقب مقتل المدرس صامويل باتي (47 عاما) على يد لاجئ شيشاني.
وقال ماكرون: “ستكثف الإجراءات التي اتخذناها في الأيام الأخيرة عشرات التدابير الملموسة التي أطلقناها ضد الجمعيات. وكذلك فيما يتعلق بالأفراد الذين ينفذون مشروعا إسلاميا متطرفا، أي أيديولوجيا تدمير الجمهورية”.
تصاعد الاستهداف
ورغم مزاعم السلطات الفرنسية، واتهاماتها المتكررة للمسلمين بالعنف والتطرف، إلا أن الاحصائيات تكشف عن حقيقة مغايرة، وهي أن الهجمات ضد الجالية المسلمة في البلاد، تصاعدت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، نظرا لحملة التحريض والتشويه التي يقودها سياسيون ووسائل إعلام فرنسية ضد الإسلام.
وأعلن المرصد الفرنسي لمكافحة الإسلاموفوبيا، في يناير/كانون الثاني الماضي، أن عام 2019 شهد ارتفاعا حادا في الهجمات ضد المسلمين بفرنسا بنسبة 54% مقارنة بالعام الذي قبله.
وقال المرصد التابع للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (غير حكومي) أن عدد هجمات الاعتداء على المسلمين في البلاد خلال العام الماضي ارتفع إلى 154 اعتداء، مشيرا إلى أن عام 2018 شهد مئة اعتداء ضد المسلمين.
وأكد أن غالبية الاعتداءات وقعت في مناطق إيل دو فرانس (شمال وسط البلاد) ورون ألب (جنوب شرق) وبروفنس ألب كوت دازور (جنوب) مشددا على عدم وجود أي روابط بين الإسلام والإرهاب.
كما طالب المرصد بضرورة أن يكون المسلمون في فرنسا قادرين على ممارسة دينهم بحرية مثل معتنقي الديانات الأخرى.
اضف تعليقا