على مايبدو أن “الضنك” بات يطارد المصريين في كل شيء، فمن حياة بائسة صعبة يعيشها كثير منهم بسبب الظروف الاقتصادية والتي يصفونها بـ”الحياة الضنك” إلى مرض فيروسي بات ينتقل بين المواطنين عن طريق البعوض، ويسمى بـ “حمى الضنك”.

ومؤخرا انتشر في مصر فيروس “حمى الضنك” فى أكثر من مدينة مصرية، وخاصة فى البلاد الساحلية والأرياف، لكونها البيئة الخصبة للعدوى بسبب الرطوبة التى تعيش فيها والبعوض الذى تنتقل عبره، ووصلت الحمى مؤخرا للغردقة المدينة السياحية الهامة، وبدأ المرض في الانتشار هناك، وسط قلق ومخاوف لدى المواطنين والسياح.

والغريب أن المرض المثير للجدل يواصل الانتشار بسبب الإهمال والبرك والمستنقعات وانتشار القمامة، في وقت تنشغل فيه حكومة السيسي بالعاصمة الإدارية الفارهة التي لن يسكنها إلا طبقة محدودة من قادة العسكر والداخلية والإعلام والقضاء ورجال الأعمال.

وفي ظل الانتشار الكبير للمرض، تصر الحكومة على التعامل معه بتراخٍ شديد، بل ويحمل المسؤولون من وصفوهم بأهل الشر المسؤولية.

فما هو حمى الضنك؟ وكيف انتشر بين المصريين؟ وما هي أكثر المحافظات إصابة به؟ وما هي نتائجه الكارثية حتى الآن؟ وما موقف الحكومة؟ وكيف تعاملت معه؟.

ما هو حمى الضنك؟

حمى الضنك وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية، هو عدوى فيروسية تنتقل إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة أنثى من جنس الزاعجة مصابة بالعدوى.

ويتفرّع فيروس حمى الضنك إلى أربعة أنماط مصلية (DEN 1 وDEN 2 وDEN 3 و DEN 4). وتظهر أعراض المرض خلال فترة تتراوح بين 3 أيام و14 يوماً (من 4 إلى 7 أيام في المتوسط) عقب اللدغة المُعدية.

وأهم أعراض الحمى تشمل: (نزلة برد، وحرارة مرتفعة، وصداعا، وآلاما فى العضلات والظهر والعين).

وأحيانا تتطور هذه الأعراض خلال أسبوع لأشياء خطيرة على الإنسان لذا يجب التعامل معها فورا، حيث يمكن أن تنقلب حمى الضنك إلى (نزيف اللثة، أو نزيف الأعضاء الداخلية، أو طفح جلدى مصحوبا بحكة شديدة، وهبوط فى الدورة الدموية، وربما يصل الأمر إلى الوفاة).

الحمى والبحر الأحمر

بدأ فيروس حمى الضنك في الظهور بمصر هذا العام، منتصف سبتمبر الماضى، حيث أصيب عدد كبير من أهالى البحر الأحمر، بأعراض تشبه الأنفلونزا، غير أنه تطور لطفح جلدي ونزيف في بعض الأحيان.

وأخذ الفيروس يتوسع في الانتشار بمدينة القصير، حيث أصيب عدد كبير من المواطنين، دون أن يعرف تشخيص المرض إلا بعد فترة كبيرة من الانتشار.

وعقب التأكد من عينات تحاليل المرضى قامت وزارة الصحة بالاشتراك مع محافظة البحر الأحمر، بمكافحة البعوضة المعروفة باسم “الزاعجة” والتي تنقل المرض عن طريق اللدغ وتضع يرقاتها على المياة العذبة وداخل البرك والمستنقعات وخزانات المياه المفتوحة.

القصير تعاني الموت

مع توسع انتشار المرض، وتجاهل الحكومة بشكل كبير، اضطر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تدشين حملة إلكترونية تحمل هاشتاج #انقذوا_القصير، وذلك بعد تداول أنباء عن وفاة 5 أفراد إثر إصابتهم بـ”حمي الضنك”، وغياب تام من الحكومة.

وتضمنت منشورات أهالى القصير أن مدينتهم ضربتها حمى الضنك من 10 أيام، بعض المصابين تم علاجهم والآخر توفي، مطالبين بتأجيل المدارس لحين أخذ خطوات للتخلص من الوباء، ومنشورات أخرى أعلن فيها أهالى القصير تجاهل الحكومة المتمثلة في المحافظ ووزير الصحة للأزمة.

وجاء من ضمن المنشورات: “وفاة تاني حالة من منطقتنا بسبب السخونية وما يتبعها، طيب هنقعد ساكتين كدا لحد ماكلنا نموت، الراجل اللى توفى معاه عيال مين هيصرف عليهم”، وقال آخر: “ماحدش عارف الدور الجاي على مين”.

فيما دخل مواطن يدعى ناصر السوداني بمدينة القصير جنوب البحر الأحمر في إضراب مفتوح عن الطعام والشراب داخل مستشفى المدينة بسبب تجاهل وزارة الصحة مصابي حمى الضنك من أهالي المدينة وضعف أعمال المكافحة منذ انتشار المرض الأسبوع قبل الماضي.

الإهمال سبب الانتشار

أهالي القصير خاصة والبحر الأحمر ككل، اشتكوا من الإهمال الشديد الذي يعانون منه في كافة الخدمات، الأمر الذي تسبب في انتشار المرض، فلا مياه شرب نظيفة، ولا نظافة بالشوراع، فضلا عن أن الصرف الصحي معطل وهو ما تسبب في انتشار المرض وتفشيه.

مدحت وافي، هو مواطن من سكان القصير قال إن الأهالي لم يتذوقوا طعم النوم منذ 15 يومًا، عقب التجاهل الغريب من قِبل كافة المؤسسات، وهو ما يتطلب استجوابًا من قِبل نواب برلمان البحر الأحمر، لوزير الصحة، ومحافظ البحر الأحمر حول الفشل في إدارة الأزمة.

فيما أشار إبراهيم حنفي، مواطن من مدينة سفاجا، وفقا لما نشره موقع “مصراوي” أن أزمة “حمى الضنك” كشفت حجم التلوث البيئي الذي يعيشه الأهالي بمحافظة البحر الأحمر، وسط غياب جهود المجالس المحلية لمكافحة انتشار أكوام القمامة والبرك الراكدة بمدن محافظة البحر الأحمر.

الأهالي يقاضون الحكومة

ولما ضاق أهالي القصير ذرعا بالحكومة، وأصيب أكثر من 400 من أهالي المدينة بالمرض، لجأ الأهالي إلى حيلة كي تنظر إليهم الحكومة، التي تصر على إصدار تصريحات في الإعلام بأنها سيطرت على المرض.

وعلى هذا الأساس قرر عدد من أهالي المصابين اتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية اللازمة لإلزام الحكومة برفع معاناة الأهالي المصابين بحمى الضنك، وإلزام الدولة بمكافحة الحمى ومحاسبة المسؤولين المقصرين في اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية منذ بداية انتشار الحمى في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الماضي، ما أدى إلى تفاقم الوضع الصحي بالمدينة.

وأعلن محمد عرفات المحامي أنه سيتولى رفع الدعاوى القضائية لعدد من الأهالي المصابين لإلزام الحكومة متمثلة في وزارة الصحة بتوفير العلاج اللازم حتى تمام الشفاء.

 

 

المرض يصل الغردقة

وعلى ما يبدو فإن انتشار المرض لم يعد يتوقف على مدينة القصير الفقيرة بالبحر الأحمر، لكنه قرر الوصول إلى مدينة الغردقة السياحية، حيث أكدت مصادر طبية بمحافظة البحر الأحمر، ظهور حالات إصابة بحمى الضنك في مدينة الغردقة بعد انتشار المرض الأسبوعين الماضيين بمدينة القصير.

وأشارت المصادر إلى زيادة أعداد المرضى المترددين على مستشفى حميات الغردقة مع حجز العديد من تلك الحالات والتي ظهرت عليها نفس الأعراض التي ظهرت على أبناء مدينة القصير على مدار الأسبوعين الماضيين.

وحذرت المصادر من احتمالات انتقال المرض للعديد من محافظات ومدن الجمهورية، وقد بدأت حالة من الذعر والهلع تسود أوساط المقيمين بأنحاء محافظة البحر الأحمر في ظل التزايد المستمر لحالات الإصابة.

الحكومة وأهل الشر

وكعادة حكومة عبد الفتاح السيسي في تحميل المسؤولية لمجهولين، زعم وزير الصحة بحكومة السيسي أن أهل الشر هم وراء انتشار حمى الضنك بالبحر الأحمر.

وقال أحمد عماد الدين، وزير الصحة بحكومة السيسي إن البعوضة المسؤولة عن حمى الضنك التي ظهرت مؤخرا سبق لها أن ظهرت في أكتوبر 2015 في منطقة ديروت وتم القضاء على الفيروس حينها في شهر واحد فقط.

وزعم أن تلك البعوضة تأتي من الدول التي بها مستنقعات مثل السودان، معقبا: “أهل الشر ركزوا معانا هذه المرة ولا أعلم سبب ذلك”.

وتابع أن هذا الفيروس هو أضعف ما يكون ويمكن القضاء عليه في شهر واحد ولكن القوى المعادية لمصر تركز على حمى الضنك من أجل التقليل من جهود وزارة الصحة، معقبا: “تم علاج 225 حالة ولم يتبق إلا 25 حالة تحت الرعاية الصحية والتحسن مستمر”.