بعد عشرين عاما من حكم الثمانيني العجوز “عبد العزيز بوتفليقة”، سقط حكمه، بعد ثورة الجماهير الجزائرية المطالبة برحيلة.

أصدر “بوتفليقة” بيان أعلن فيه استقالته من منصبه، وذلك قبل انتهاء عهدته المقررلها في 28 أبريل / نيسان، جاءت لتجنب “انزلاقات وخيمة”، حسب البيان الذي أصدرته وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية.

قال فيه: “لقد أقدمت على هذا القرار، حرصا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، و يا للأسف، الوضع الراهن، واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة”.

وتابع: “قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانا واحتسابا، هو الاسهام في تهدئة نفوس مواطني وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا”.

40 يوما

خرج الشعب الجزائرى من 40 يوما في فبراير/شباط الماضي، وتحول الشارع الهادئ إلى لاعب أساسي في المشهد الجزائري، بعد إعلان مقربين للرئيس “بوتفليقة” نيته للترشح لعهدة خامسة، قلب الأمور رأسا على عقب.

وتسارعت الأحداث بدءا من الاحتجاجات إلى تسريبات سلبية عن الرئيس  ومعسكره، وهو ما جعل هذه الفترة حاسمة في الحراك الشعبي ضد الرئيس والحكومة.

انطلقت الاحتجاجات في الجزائر ضد ترشح “بوتفليقة” لولاية خامسة في بادئ الأمر عبر دعوات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي. بالإضافة إلى دعوات أخرى أطلقتها حركة “مواطنة” وحركات وأحزاب المعارضة الرافضة لإعادة انتخابه. وشهدت العاصمة الجزائرية ومدن أخرى تظاهر الآلاف من الجزائريين، أغلبهم من الشباب.

شارك في الاحتجاجات مختلف أطياف المجتمع الجزائري. وشكل الشباب الفئة الأكثر حضورا في الشارع. كما انضم آلاف الطلبة الجزائريين إلى الاحتجاجات المناهضة لترشح بوتفليقة.

وشارك صحفيو التلفزيون الرسمي والإذاعة الرسمية في التظاهرات ضمن موجة المطالب الشعبية المناهضة لترشح بوتفليقة.

سلمية الاحتجاجات

اتسمت الاحتجاجات التي تعد الأكبر منذ تولي الراحل “بوتفليقة” سدة الحكم عام 1999، بالسلمية وسط انتشار أمني غير مسبوق. كما انتشر رجال الشرطة، وقوات مكافحة الشغب بشكل مكثف، للتمركز في النقاط الأساسية التي من المتوقع أن يصل إليها المحتجون.

عبر المتظاهرون في الجزائر عن رفضهم ترشح بوتقليفة لولاية خامسة من خلال ترديد شعارات مختلفة، أبرزها “لا للعهدة الخامسة” وأخرى مثل”لا بوتفليقة لا السعيد” في إشارة الى شقيقه السعيد بوتفليقة الذي يتم الحديث عنه كخليفة للرئيس، إضافة الى أغان معارضة للحكومة يرددها عادة المشجعون في الملاعب.

خرج  الجزائريون المعارضون لترشح بوتفليقة لعهدة خامسة في مسيرات مليونية الجمعة الأول من آذار/ مارس، وجاء ذلك استجابة للدعوات التي أطلقها نشطاء عبر “فيسبوك”، ينادون بمليونية، قبل يومين من انتهاء عملية سحب استمارات الترشح من جانب الراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية في نيسان/إبريل 2019.

في ظل الاحتجاجات، ظهر تسريبات تخص وثائق سرية لأجهزة الاستخبارات المحلية، نشرتها مجلة “لوبس” الفرنسية وكشفت عن كيفية وصول “بوتفليقة” إلى موقع الرجل الثاني في النظام الجزائري. وسربت مكالمة هاتفية بين “عبد المالك سلال” مدير الحملة الانتخابية لبوتفليقة مع “علي حداد” رجل الأعمال المقرب من النظام، تتضمن جزءا من خططهما لتجاوز حالة الاحتجاجات.

في ظل هذه الاحتجاجات، توجه “بوتفليقة” إلى جنيف لإجراء فحوصات طبية دورية، وأصدر بيان لرئاسة الجمهورية أن فترة إقامته في سويسرا قصيرة.

لم يظهر”بوتفليقة” علنا لشعبه، إلا نادرا منذ أصيب بجلطة دماغية في عام 2013 أقعدته على كرسي متحرك.

وتحت وقع الجماهير الغاضبة انهارت أيضا الثقة بين أطراف المؤسسة الحاكمة، وتحرك الجيش باتجاه ما يعتبره مسؤولية دستورية تجاه إنقاذ البلد وحماية أمنه.

موقف الجيش

وصرح نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش “أحمد قايد صالح” بأن الجيش سيضمن الأمن في البلاد ولن يسمح بعودة الجزائر إلى حقبة سفك الدماء.

خرج بعد كلمة “قايد” بيومين مئات المحامين متشحين بأرديتهم السوداء إلى شوارع وسط العاصمة الجزائرية، مطالبين “بوتفليقة” بالتنحي.

بعد ساعة واحدة من كلمة قائد الأركان الجزائري أحمد قايد صالح، التي شدد فيها على أنه “لا مجال للمزيد من تضييع الوقت، ويجب التطبيق الفوري للحل الدستوري المقترح المتمثل في تفعيل المواد 7 و8 و102″، حتى أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، استقالته رسميا.

ولم يكن من المتوقع أن يعلن “بوتفليقة” استقالته يوم الثلاثاء، وذلك يعني أن استقالته لم تأت إلا بـضغط حاسم من الجيش، بعد أن تجاهل المجلس الدستوري برئاسة “الطيب بلعيز” دعوة قائد الأركان لتفعيل المادة 102 وإعلان عجز الرئيس.

وأخيرا استقال الرئيس الجزائري بوتفليقة قبل أقل من عشرين يوما من انتهاء ولايته الرابعة، منهيا بذلك فترة حكم استمرت عشرين عاما بدأت بالمصالحة الوطنية وانتهت برحيل قسري على مقعد متحرك.