العدسة – معتز أشرف:

في مطالعة دورية هامة لمديري وخبراء مركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط، برزت قمة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين التي عُقِدت الاثنين 16 يوليو، كحدث مهم للغاية، رأى الخبراء أنها تمثّل بداية لتقسيم الكعكة السورية وترتيب المواقف مع إيران بعد أن بات الثوار أكباش فداء.

إيران حاضرة!

وفي تقدير الموقف الذي وصل “العدسة” ترى “ميشيل دن”، مديرة في برنامج كارنيجي للشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، أنَّ قضية إيران حاضرة بقوة في المناقشات؛ حيث سيناقش ترامب تعاون روسيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل لإخراج القوات الإيرانية من سوريا، موضحة أنه إذا كان ترامب مستعدًا بشكل جيد (وهو أمر لا يمكن الاستخفاف به)، قد يعرّض حجة شبيهة بتلك التي طرحها الصحفي الإسرائيلي آفي إيساكاروف المتمثّلة في أن الولايات المتحدة نجحت في بلوغ هدفها بهزيمة الدولة الإسلامية، كما فعلت روسيا في هدفها الرامي إلى مساندة بشار الأسد، لذا دعونا الآن نضع إيران جانبًا، ونشكّل سوريا بطريقة تخدم مصالحنا على السواء.

 

وترى “دن” أنَّ هذه الحجة منطقية ومعقولة، ولكن بوتين يرى على الأرجح في إرغام إيران على الخروج من سوريا أمرًا غير مُجْدٍ، أو حتى غير مرغوب فيه، وهي حقيقة يشير إليها المسؤولون الروس باستمرار، حتى إن وزير الخارجية سيرغي لافروف وصفها بأنها “غير واقعية على الإطلاق” خلال لقائه مؤخرًا مع نظيره الأردني، وحتى لو نطق بوتين بشيء يمكن أن يصوّره ترامب كاتفاق للتعاون ضد إيران، فالتاريخ (المتعلق بالخطوات الروسية في سوريا تحديدًا) إن دلّ على شيء فإنما يدلّ أنه من المستبعد أن يتحقق ذلك.

وتساءلت “دن” وهي أبرز المحللين في مركز كارنيجي: هل يأمل بوتين الاستفادة من رئيس أمريكي يُنظر إليه على أنه متحمّس جدًا لإظهار أنه بمقدوره ممارسة دبلوماسية رفيعة المستوى، والحصول على شيء مقابل انسحاب القوات الأمريكية؟ لكن أجابت على نفسها بقولها: “في هذا الإطار، توحِي تصريحات مسؤول روسي بارز القائلة: إنّ بوتين قرّر أنه يريد التفاوض مع الرئيس الأمريكي شخصيًا “بعد التدقيق في اجتماع ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون” بشيء من هذا القبيل، وقد ينتهي الأمر بأن يعلن ترامب عن إبرام اتفاق من نوع ما للتعاون في سوريا، في حين أن ما يفكّر بوتين في القيام به لا يتعدّى ما يحتاج إلى فعله لإبقاء إسرائيل على الهامش”.

تداخل مصالح!

من جانبه يرى “ديمتري ترينين” مدير مركز كارنيجي في موسكو أنه في الفترة التي تسبق اجتماع هلسنكي، كانت التوقّعات العامة في روسيا بالتوصّل إلى اتفاقات محددة مع الولايات المتحدة بشأن قضايا متعلقة بالشرق الأوسط متواضعة، فقد ولّت منذ وقت طويل الأيام التي كان فيها وزير الخارجية سيرغي لافروف يعمل بجدّ مع نظيره الأمريكي جون كيري من أجل التوصّل إلى صيغة للسلام في سوريا.

 

وأضاف أنَّه خلال الربيع الماضي، شارفت القوات الأمريكية والروسية، بعد هزيمة الدولة الإسلامية، على خوض مواجهة مباشرة أكثر من أي وقت مضى منذ أزمة الصواريخ الكوبية العام 1962، علاوةً على ذلك، تبقى روسيا، إلى جانب الصين وثلاث دول أوروبية، ملتزمة بالاتفاق النووي مع إيران، حتى مع انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق. وأخيرًا فيما يتعلق بمسألة أسعار النفط، ترى روسيا، شأنها شأن السعودية، في النفط الصخري الأمريكي منافسًا، ولكن مع ذلك، تتداخل بعض المصالح.

وأوضح أنَّه منذ تدخل روسيا في سوريا العام 2015، اضطرّت روسيا إلى إدارة العلاقات العدائية بين حليفتها الظرفية إيران وشريكتها الرئيسية إسرائيل، بشكل تسعى موسكو فيه إلى تحقيق توازن بين ما تعتبره المصالح الأمنية الشرعية لكلٍّ من إيران وإسرائيل،  لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما حجم التواجد الإيراني في سوريا الذي يمكن أن يتحمّله الإسرائيليون، وبالتالي تعتبره طهران كافيًا للحفاظ على رابط بحزب الله؟ حيث تشمل المناقشات الأمريكية- الروسية حول التخفيف من التصعيد في سوريا هذه القضية شديدة الحساسية، ولا يمكن توقّع إبرام أي اتفاق رسمي، لكن لا ينبغي استبعاد إمكانية التوصّل إلى بعض التفاهم العام.

أكباش الفداء!

أما مها يحيى، مديرة مركز كارنيجي للشرق الأوسط- بيروت، فترى أنه بعد أن تمت التضحية بالثوار السوريين كأكباش فداء، وبعد أن ألمح مسؤولون أمريكيون بارزون، من ضمنهم وزير الخارجية مايك بومبيو، بأنّ المشكلة في سوريا لا تتمثّل في الرئيس السوري بشار الأسد، ولكن يأمل المسؤولون العرب والإسرائيليون بأن يوافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الأقل، على كبح جماح النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.

 

وأوضحت أن إسرائيل تحديدًا تتحرّك شوقًا لخروج القوات الإيرانية من سوريا، وهو مطلب اعتبره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف غير واقعي على الإطلاق، وفي غضون ذلك، شاعت مؤخّرًا تكهّنات بأن الرئيس دونالد ترامب قد يرفع في المقابل العقوبات الأمريكية التي فُرضت على روسيا في أعقاب دورها في أوكرانيا، أو قد يطرح إمكانية الاعتراف الأمريكي بضمّ شبه جزيرة القرم إليها،  لكن هذه الآمال قد تبقى على الأرجح أضغاث أحلام ليس إلّا.

 

وأشارت إلى أنه رغم أن روسيا قد لا تجد ضيرًا من كسر شوكة إيران في سوريا، بيد أنها لا تملك أي مصلحة في ذلك ولا النفوذ اللازم لتحقيق هذا الأمر، فالقوات الإيرانية أساسية لجهود الأسد الرامية إلى استعادة كل المناطق السورية الفالتة من قبضته، وهذا ما تجلّى بأوضح صوره في الهجوم الذي شنّه مؤخرًا على درعا، والذي شارك فيه حزب الله وقوى أخرى موالية لإيران وفق تقارير متواترة، وليس خفيًّا أن الجمهورية الإسلامية استثمرت موارد مالية وبشرية هائلة في سوريا، لكن في حال رغب الروس في أن يُظهروا للإيرانيين بأن روسيا قادرة على التخفيف، ولو قليلًا من وطأة التداعيات الناجمة عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران– مع أن هذا الأمر مُستبعد– قد يُفسح ذلك المجال أمام التوصّل إلى تسوية أوسع من شأنها أن تعالج المخاوف الإقليمية من النفوذ الإيراني المتمدّد.

سوريا وإيران معًا!

ومن جانبه يرى توماس فالاسيك، مدير مركز كارنيجي- بروكسل، أنَّ أوروبا تضع نصب أعينها مسألتَين أساسيتين هما سوريا وإيران، من بين جملة القضايا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط.

وأشار فالاسيك إلى أنه فيما يتعلق بسوريا، ستأمل العواصم الأوروبية أن يبثّ الرئيسان دونالد ترامب وفلاديمير بوتين روحًا جديدة في محادثات السلام التي تراوح مكانها، وأن يدفعا قدمًا الترتيبات السياسية لمرحلة ما بعد الحرب، لكن الأوروبيين يجهلون ما إذا كان بوتين سيكترث لذلك، وهو على ما يبدو يعتبر واشنطن جزءًا من المشكلة التي تعانيها سوريا، والمُلفت أنه عقد محادثات الأستانة من دون مشاركة الولايات المتحدة.

 

 

وأضاف أنه فيما يتعلق بإيران، فالأوروبيون يعقدون آمالهم على أن يستخدم بوتين نفوذه للضغط على ترامب كي لا يعمد إلى نسف الاتفاق النووي عن بكرة أبيه، وتبدو حظوظ نجاح بوتين في ذلك ضئيلة، نظرًا إلى أن واشنطن ترفض هذا الاتفاق بصريح العبارة وعلى الملأ.

ضغوط بوتين!

أما  رودرا شودوري “مدير مركز كارنيجي- الهند، نيودلهي، “فيشير إلى أنه من بين شؤون الشرق الأوسط يُرجَّح أن تكون العقوبات الأمريكية ضد إيران الشغل الشاغل للهند في قمة ترامب وبوتين التي ستُعقد في هلسنكي؛ حيث إن إيران ثالث أكبر مورّد للنفط إلى الهند، وإذا ما قرّرت هذه الأخيرة الالتزام التام بحزمة العقوبات الأمريكية على إيران، فستكون مُضطرّة إلى وقف وارداتها من النفط الإيراني بحلول نوفمبر 2018، لكن قطع الإمدادات النفطية الإيرانية لا يهدّد متطلبات أمن الطاقة الهندي وحسب– وإن إلى حدٍّ ما– بل الأهم أنه يعني أيضًا أن على كلٍّ من إيران والهند بذل جهود هائلة للتفاوض بشأن القيود المالية الناجمة عن نظام العقوبات.

وأضاف أنَّ قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الضغط، ولو قليلًا، لإجراء بعض الاستثناءات فيما يخصّ الجهات المُستهدفة من العقوبات ستكون ذات أهمية بالنسبة إلى الهند. لكن في الوقت نفسه، من المستبعد أن يراهن المسؤولون الهنديون على نجاح بوتين، بل على الأرجح سيعوّلون على مفاوضيهم ليتدارسوا مع واشنطن سُبُل إجراء بعض الاستثناءات فيما يخصّ العقوبات، ولكي يبذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على الزخم البيروقراطي في إيران تجاه الهند.