العدسة – ياسين وجدي:
في مطالعة دورية لخبراء مركز كارينجي للدراسات في الشرق الاوسط سلطت الضوء على تأثير ما أسمته “الصَّدْع الأميركي- التركي” على سياسة تركيا في الشرق الأوسط، ذهبت إلى أن تركيا قادرة على استمرار سياسياتها بذات الأهداف والقوة دون تأثر على المستوى البعيد بالحملة الأمريكية .
اختبار قوي !
في المطالعة الدورية التي وصلت “العدسة” أكد ابراهيم وردة أستاذ مساعد في النشاطات التجارية الدولية في كلية فليتشر، جامعة تافتس، أنه عندما حقّق حزب العدالة والتنمية فوزاً كاسحاً في نوفمبر 2002، كانت تركيا تمضي قدماً في تطبيق الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي عَقِبَ الأزمة المالية التي شهدتها البلاد في العام 2001، لكن السنوات اللاحقة التي نعمت تركيا خلالها باستقرار مالي ومعدّلات نمو غير متقطّعة، محت ذكريات اللااستقرار المالي وحزم الإنقاذ العديدة التي تلقّتها البلاد.
وأضاف أن الانتصارات الانتخابية المتوالية كفيلة كانت بإبقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السلطة، وأتاحت له توطيد أركان حكمه وتأدية دور فعّال على المستويَين الإقليمي والدولي.
وأشار إلى أن هذا لم يمنع “سلطان” تركيا كما وصف اردوغان عن استعراض عضلاته العسكرية في سورية وخارجها، وعن استخدام القوة الناعمة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي يُضاف إلى ذلك أن المشاريع العملاقة التي أطلقتها تركيا لجعل اقتصادها واحداً من أكبر عشر اقتصادات في العالم، جذبت إليها المصارف الأجنبية والمستثمرين الدوليين.
وأوضح أنه مع أن التوترات تعتمل منذ أشهر عدّة، إلا أن الأزمة التي اندلعت بين تركيا والولايات المتحدة كانت بمثابة صدمة مفاجئة، وفيما يتداعى الاقتصاد التركي، سيُعاد على الأرجح تقييم سياساتٍ وُضعت في مراحل الازدهار الاقتصادي، فالاضطرابات المالية تولّد رابحين وخاسرين، وتعيد بالتالي صياغة النظام السياسي.
وأشار إلى أن الازمة الحالية ستخضع قدرة “نمور الأناضول” على التكيّف والاستمرار – والتي تشكّل مدعاة فخر وتُعدّ إحدى ركائز دعم أردوغان- إلى الاختبار، كما سيتّسع الاقتصاد غير الرسمي واقتصاد السوق السوداء، الأمر الذي من شأنه تعزيز الشبهات حول أنصار فتح الله كولن والأكراد وسائر الجهات المُشتبه بأنها تكنّ العداء للنظام، ناهيك عن مفاقمة التوجّهات السلطوية.
مخاوف أمريكية
من جانبه يرى ستيفن كوك الخبير في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، أنه منذ صدور قرار الولايات المتحدة بفرض عقوبات على وزيرين تركيين في أواخر يوليو ، واعلان الرئيس دونالد ترامب (عبر تويتر) أن واشنطن ستضاعف الرسوم على واردات الألومنيوم والصلب من تركيا، واتهام الرئيس رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة بشنّ “حرب اقتصادية” على بلاده ، والمخاوف تتصاعد في أوساط دوائر السياسة الأميركية حيال مستقبل السياسة الخارجية التركية، ولاسيما في الشرق الأوسط، حيث يخشى منتقدو ترامب من أنه يدفع بتركيا بعيداً عن الإجماع في حلف شمال الأطلسي.
وأضاف أنه عمليا كانت أنقرة قد بدأت منذ فترة بالابتعاد عن حلفائها التقليديين، ففي الشرق الأوسط، تحرّك الأتراك والأميركيون نحو أهداف متباينة في سورية وإيران وإسرائيل-فلسطين ومصر، ومن المستبعد أن يتغيّر أي من هذا إثر تداعيات قضية برونسون، ويخشى بعض المحللين من أن يشكّل وجود تركيا “خارج الدائرة” تحدياً أكثر من بقائها داخلها، ولو كحليف عنيد، فقد تعمل تركيا على تكثيف علاقاتها مع الدول والمجموعات المُدرجة في خانة أعداء الولايات المتحدة، وإن بشكل محدود، ومعروف هنا أن أنقرة سبق أن ساعدت إيران على التملّص من العقوبات، وعمدت إلى تعقيد المعركة ضد الدولة الإسلامية في سورية، وباتت راعية لحماس، وسعت إلى نزع الشرعية عن الحكومة المصرية من خلال دعمها للإخوان المسلمين.
تعارض مصالح !
أما مارك بيريني خبير في مركز كارنيغي أوروبا، في بروكسل فيتوقع استمرار احتلال الصَّدْع القائم بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لحيّز كبير من الأخبار على الساحة الإعلامية باعتباره مواجهة نادرة بين قائدين حليفين ، قائلا : ” وبما أن الرجلين حريصان، هما الاثنان على السواء، على التعبير عن مشاعرهما الشخصية علناً، تصاعدت حدّة الخلاف بسرعة. بيد أن الوقائع والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تُعتبر أعمق بكثير من المشاعر”.
وأضاف أنه في نهاية المطاف، ستكون سياسة تركيا في سورية مرهونةً بهدف روسيا المتمثّل في السماح لبشار الأسد باستعادة السيطرة على كامل البلاد، وفي حين أعطت موسكو الضوء الأخضر مؤقتاً لسيطرة الجيش التركي على عفرين، ستكون المعركة في محافظة إدلب هي الاختبار التالي، وفي وقت لاحق، سيشكّل القتال من أجل السيطرة على المناطق الواقعة شمالي شرقي نهر الفرات المواجهة النهائية بين تحالف دمشق-موسكو-طهران من جهة، والتحالف المناهض للدولة الإسلامية الذي تقوده الولايات المتحدة، ويضمّ وحدات حماية الشعب الكردية السورية من جهة أخرى ، ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المرحلة: إلى جانب أي تحالف ستقف تركيا؟
وأشار مارك بيريني إلى أنه على الصعيد الاستراتيجي، يبرز عامل تعقيد يتمثّل في عدم التوافق بين قرارين اتّخذتهما تركيا في ما يتعلّق بالمشتريات العسكرية: فشراؤها لأنظمة صواريخ أس-400 الروسية وفي الوقت نفسه المقاتلة الشبح من طراز أف-35 الأميركية الصنع لايمكن أن يمرّ مرور الكرام، من دون أن يشكّل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهنا لابدّ من القيام ببعض التوضيحات.
اضف تعليقا