العدسة_ ترجمة: هادي أحمد

اعتبر جيمس دورسي؛ المتخصص بشؤون الشرق الأوسط في جامعة “نانيانج” التكنولوجية في سنغافورة، تعهُّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقيادة المملكة نحو الإسلام المعتدل بمثابة كلام سهل يصعب تنفيذه على أرض الواقع.

وقال دورسي – في مقال نشره موقع “هاف بوست” النسخة الأمريكية: “إن إعلان ولي العهد مؤخرًا عن تبرُّئه من الأيدولوجية الدينية (الوهابية) التي تأسست عليها المملكة ليس بالأمر السهل لعدة أسباب”.

وأشار الخبير بشؤون الشرق الأوسط إلى أن كلمات “بن سلمان” يمكن أن تكون خرجت حرفيًّا من فم نظيره ومرشده الإماراتي، ولي العهد محمد بن زايد، لكن مع اختلاف كبير بين الاثنين، فالإمارات على عكس المملكة ليست لديها جذور في الإسلام السني المتطرف.

بن زايد و بن سلمان

” بن زايد و بن سلمان “

تاريخ من التشدد

ولفت إلى أن غياب التاريخ الديني المتشدد عمِل على تسهيل الأمور بالنسبة لمحمد بن زايد، عندما شن حملة ضد المتشددين، كما قمع منذ ثورات الربيع العربي عام 2011 أي إشارة أو تعبير عن الإسلام السياسي في الإمارات.

وذكر أنه لتحقيق هذه النهاية، حاول الأمير ابن زايد مواجهة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المدعوم من قطر، والذي يقوده الشيخ يوسف القرضاوي، بتأسيس “مجلس حكماء المسلمين”، ومجموعات أخرى مثل “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة”، بجانب مراكز “صواب” و”هداية” وغيرها من مبادرات مكافحة التطرف، بالتعاون مع الولايات المتحدة والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب.

ورأى الكاتب أن تعهد بن سلمان هذا الأسبوع يمثل اعتداء لفظيًّا على الوهابية، وأن ولي العهد يبدو متأخرًا عن ابن زايد، بالنظر لما يسجله الأخير من نجاحات كبيرة في هذا الشأن، لاسيما فيما يتعلق باستبعاد الوهابية، وهي التي كانت أساس تقاسم السلطة في المملكة، والتي شكلت الطموحات الوطنية منذ عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب.

وقال الكاتب: إن مؤتمر “أهل السنة والجماعة” في العاصمة جروزني العام الماضي – الذي مولته الإمارات – شهد عدم إلحاق البيان الختامي للمؤتمر المذهب الوهابي بتعريف أهل السنة والجماعة، فيما أدرجت مذاهب أخرى كالمذهب الحنفي والشافعي والمالكي والمعتدلين من الحنابلة والأشاعرة والماتريدية ..

وكان من بين المشاركين في المؤتمر شيخ الأزهر أحمد الطيب، ومفتي مصر شوقي علام، والمفتي السابق علي جمعة، الذي يتبع المذهب الصوفي والمؤيد القوي للرئيس عبد الفتاح السيسي، ومستشار الرئيس للشؤون الدينية أسامة الأزهري، ومفتي دمشق عبد الفتاح البزم، المقرب من الرئيس الأسد، والداعية الحبيب علي الجفري، ورئيس مؤسسة طابة الإسلامية، التي تتخذ من أبو ظبي مقرًّا لها، ولها علاقات وثيقة مع الأمير محمد بن زايد.

واعتبر الكاتب أنه في حين شكل بيان جروزني علامة بارزة أو خطوة على الطريق، إلا أن الأمر سيحتاج من الأميرين السعودي والإماراتي ما هو أكثر من التصريحات لكي يكتب لهما النجاح في مسعاهم.

منصة مؤتمر أهل السنة والجماعة في العاصمة الشيشانية جروزني

منصة مؤتمر أهل السنة والجماعة في العاصمة الشيشانية غروزني

طويل وقصير

وأضاف أنه مثل العديد من تصريحات الأمير محمد بن سلمان، فتصريحه بعودة السعودية إلى الإسلام المعتدل كان “طويلًا” في التعبير عن النوايا، و”قصيرًا” فيما يتعلق بالتفاصيل للتوضيح.

وأشار إلى أنه منذ ظهور الأمير محمد بن سلمان، الذي بدأ قبل 3 سنوات، في صورة الرجل القوي في المملكة، اتخذ عدة خطوات تهدف لتقليص تأثير المؤسسة الدينية والتخفيف من قيودها الصارمة فيما يتعلق بالأمور الأخلاقية.

وشملت هذه الخطوات، وفقًا للكاتب، تقليص وحصر دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على النصح والإرشاد فقط، ورفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة، والسماح بأشكال متنوعة من الترفيه، مثل الموسيقى والسينما والرقص، وهي أمور كانت محظورة منذ زمن طويل بعيد في المملكة..

ومع ذلك فإن هذه الخطوات أظهرت تصميمًا على التحديث، وليس إلغاء الاستبداد أو تمكين الإصلاح الاقتصادي والتنويع، وهما الأمران اللذان تحتاج إليهما المملكة.

وأوضح الكاتب أن الاعتقالات الأخيرة لبعض علماء الدين الأكثر شعبية في المملكة، فضلًا عن الناشطين في مجال حقوق الإنسان والقضاء والمفكرين، إلى جانب حملة ابن زايد، تكشف أن تعريف الأمير محمد بن سلمان للإسلام المعتدل يعني أنه في المقام الأول الإسلام الذي يلتزم بمدرسة دينية فكرية ترفع شعار الطاعة غير المشروطة لولي الأمر أو الحاكم.

ونوه الكاتب أنه علاوة على ذلك، فإن تغيير المواقف المترسخة بعمق، والتي كانت جزءًا لا يتجزَّأ من التعليم في المملكة ونظامها الاجتماعي منذ تأسسها في النصف الأول من القرن العشرين، وشكلت الحياة فيما قبل الدولة السعودية سوف يستغرق وقتًا طويلًا.

بعض علماء المملكة “المعتقلين”

تغيير المناهج

وذكر أنه بينما اتخذت المملكة في السنوات الأخيرة خطوات لتغيير المناهج الدراسية وإزالة المحتوى المتشدد من الكتب الدراسية، فإنه لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه، وفقًا لدراسة أجريت عام 2013، من قبل المركز الدولي للدين والدبلوماسية.

وكشفت الدراسة أن العديد من المراجع الدراسية التي تدرس للصف السابع تشير إلى أن محاربة الكفار تكون لرفع كلمة الله، وفي الصف العاشر يتم تدريس أن تارك الإسلام يسجن لمدة 3 أيام ويقتل إذا لم يرجع، كما نشرت بعض الكتب والدوريات، التي توزع من قبل هيئات دينية، وجهات نظر معادية للعلم والحداثة وحقوق المرأة، ودعت هذه الكتب إلى إعدام السحرة، وحذرت من مخاطر الأندية التي تركز على القضايا الإنسانية؛ كالروتاري والليونز؛ حيث إنها قد أنشئت لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية.

وأكد الكاتب أنه حتى لو أزيلت كل الأدلة والإشارات محل الشك على التشدد والتطرف، فإن تغيير تلك المواقف يمكن أن يأخذ أجيالًا حتى يتغير.

ولفت إلى أنه في الوقت الذي رحب فيه الشباب السعودي الذي يشكل أغلبية المملكة بإصلاحات الأمير، فمن المرجح أن تثير تلك الإصلاحات ردودًا متباينة نتيجة المواقف العميقة الجذور التي زُرعت منذ عقود.

فقد أظهرت دراسة غير منشورة عن تطلعات  100 من الذكور السعوديين الذين يبلغون من العمر 20 عامًا، أن مشكلة الأمير محمد بن سلمان ستتخطى المتشددين للتوجه نحو الاعتدال.

وأظهرت أن الشباب السعودي يسعى ويريد التغيير الاجتماعي، لكنهم يتراجعون عندما يدركون أن لها عواقب على أخواتهم البنات أو نسائهم.