بعد ظهور الخلاف بينهما إلى العلن على إنتاج النفط، يرى سيباستيان بوسوا، أستاذ العلوم السياسية والباحث المتخصص في الشرق الأوسط، أن التحالف السعودي الإماراتي لن يعود كما كان عليه في السنوات الأخيرة.
وبحسب موقع “لوموند أراب” الناطق بالفرنسية، فإن الخلاف وقع خلال قمة منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الأخيرة، بشأن الخطة المطروحة على زيادة إنتاج النفط بمقدار 400 ألف برميل من قبل الرياض التي تحتاج إلى السيولة لتنفيذ إصلاحاتها (الاقتصادية والاجتماعية).
وأشارت إلى أن البلدين اتخذا بعد ذلك إجراءات تصعيدية، كقيام الرياض بتعديل قواعد الاستيراد من الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، مؤكدة أنه على مدى سنوات، توصلت السعودية والإمارات إلى تفاهمات بشأن جميع القضايا الإقليمية، بدء من الحرب في اليمن إلى الحصار المفروض على قطر.
وتساءلت هل ينبغي أن يُنظر إلى الخلاف الذي أعربت عنه أبو ظبي بشأن استراتيجية أوبك على أنه تحدي لعدم الثقة تجاه الرياض، أم أنها مجرد مسألة اقتصادية؟
وفي إجابته على هذا السؤال قال سيباستيان بوسوا: في الواقع، ظل المحور السعودي الإماراتي على مدى سنوات صلبًا للغاية وصمد جيدًا في سياق إقليمي غير مستقر، منذ “الربيع العربي”، وكذلك ضد إيران.
وأضاف “لأن الإمارات دائماً تحلم بالعظمة، أدركوا أنه من الضروري التحالف مع شريك إقليمي رئيسي حتى يتمكنوا من تسلق سلم غزو الشرق الأوسط”.
وتابع “كل شيء جمعهم معًا: محاربة الإخوان المسلمين، والتحالف ضد قطر، وضد الجمهورية الإسلامية في إيران، ودعم الأنظمة العربية القوية والمضادة للثورة، والمصالح المشتركة في اليمن وليبيا، ومحاربة تركيا”.
وأوضح أنه كان هناك إخفاق تام للحرب في اليمن، على وجه التحديد، حيث قام محمد بن سلمان (MBS) ، ولي العهد السعودي، بتوريط نظيره في أبو ظبي محمد بن زايد (MBZ) ، دون أن ينجح الأول في وقف صعود النفوذ الإيراني أو هزيمة التمرد الحوثي.
تحالفات براجماتية
ولفت إلى أن أبو ظبي، التي تعمل، على إقامة تحالفات براجماتية ومحاولة الاستفادة من التحالفات، خسرت أيضًا الكثير خلال الحصار على الدوحة، وعلى وجه الخصوص اقتصاديا، مع هروب حوالي 350 ألف تاجر إيراني.
علاوة على ذلك، يواصل الخبير الفرنسي، فإن تهميش محمد بن سلمان، بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، دفع محمد بن زايد إلى الابتعاد عن جارته السعودية “المرهقة”، في سياق إقليمي سيكون للجهات الفاعلة الأخرى وزن سياسي أكثر فأكثر بعد فك الارتباط الأمريكي بالمنطقة.
كما أنه في مواجهة تركيا، اختارت الإمارات التحالف مع إسرائيل، وهو ما لم يتبناه السعوديون بشكل واضح بعد، إضافة إلى أنه في السنوات القادمة، يجب على محمد بن زايد أن يواصل صعوده الإقليمي، بينما يبدو أن محمد بن سلمان، الذي كان من الممكن أن ينافسه في السعي لقيادة العالم السني، في حالة يرثى لها.
وعن أسباب ذلك، أكد بوسوا مع وفاة الملك سلمان، فمن المتوقع أن ابنه، محمد بن سلمان، سيصعد إلى العرش، لكن محمد بن زايد، دون أن يختلف معه علانية، سيظهر بعض الأوراق الإقليمية حتى لا يكون تحت رحمته.
وأكد أن هناك خلفية من المخاوف والشكوك التي أدت إلى الأزمة الأخيرة داخل أوبك، حيث دعت الإمارات إلى زيادة الإنتاج لتعويض خسائرها الاقتصادية الأخيرة، بينما أرادت الرياض إبطاء الإنتاج خلال العامين المقبلين.
لعبة بوكر
ونوه بأننا نشهد لعبة بوكر بين “الحليفين”، اللذين يشتركان في هدف مشترك: أن يكون منارة الإسلام السني من خلال ضمان بقائه الاقتصادي، وهو ليس بالأمر الهين في العالم، خاصة خلال حقبة ما بعد النفط.
وفي سؤال عن اقتراب الإمارات كثيرًا من إسرائيل ورغبتهم في “الإطاحة” بالسعوديين كرؤساء فعليين لمجلس التعاون الخليجي، قال الباحث المتخصص في الشرق الأوسط: صورة المملكة العربية السعودية سيئة، مثلها مثل ولي عهدها، بينما نجحت أبو ظبي بشكل أو بآخر في تحسين صورتها خاصة بأوروبا، كدولة معتدلة وليبرالية، وبطل للعلمانية، وجنة سياحية ومالية.
وتابع “باختصار، بلد يفترض أن الحياة فيه جيدة، وحيث يحلم الجميع بقضاء عطلاتهم هناك، بالإضافة إلى ذلك، فإن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يطمئن عددًا من الشركاء الغربيين، الذين يرحبون بحقيقة أن دولة عربية يمكنها قبول وجود الدولة العبرية، بعيدا عن التجارة”.
لقد أحسنت أبو ظبي اللعب بشكل جيد للغاية، لأن كل هذا يجعل الإمارات مقبولة وحسنة الصورة وجذابة، لكن هذا يجب ألا ينسينا هذا “التزييف”، الذي يغطي وضعًا سياسيًا هو في الواقع ليس جديرًا بالثناء، حيث انتهاك حقوق الإنسان، ناهيك عن غسيل الأموال والقمار والتأثيرات الشاملة.
ونوه بأن محمد بن زايد يمتلك بطاقة يلعبها مع الغرب على عكس الرياض، وهي استضافة المعرض العالمي “دبي 2020″، الذي تم تأجيله لمدة عام بسبب كوفيد -19، حيث تم تسويقه من قبل الإماراتيين على أنه “أكبر معرض عالمي في التاريخ”.
وعندما سئل بوسوا، هل الخلاف على خلفية أسعار النفط مجرد مسألة تافهة، أم هل ينبغي أن نتوقع تداعيات أعمق وطويلة الأمد وأكثر إثارة للقلق على أمن المنطقة؟ أجاب: على الرغم من بعض التقارب، لا تزال التوترات عالية بين دول الخليج حول الاتجاهات التي يجب اتخاذها في السنوات القادمة مع اقتراب حقبة ما بعد النفط.
وبين أن لكل بلد جدول أعمال خاص بها وحالات طوارئ اقتصادية خاصة، والتي غالبًا ما تحدد وضع قواعد إنتاج جديدة للمستقبل، فبالنسبة لأبو ظبي، هناك حاجة ملحة لزيادة إنتاج النفط لتعويض الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبدتها خلال وباء كورونا، ولزيادة تدفق العملات الأجنبية في أسرع وقت ممكن.
وخلص إلى أنه من غير المؤكد أن الحدث الأخير داخل أوبك علامة على خلاف عنيف وشيك بين محمد بن سلمان ومعلمه الإماراتي، لكن مع ذلك، هذا لا يمكن إلا أن يكون بمثابة حلقة من مسلسل التوترات المحلية.
فعلى غرار الدوحة، أصبحت أبو ظبي الآن تهدد بمغادرة أوبك، إذا لم تتم تلبية مطالبهم الشخصية، لذلك فإن الأزمة أبعد ما تكون عن الحل الدائم.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا