“نيوم”.. عنوان سيحتل قريبا موقعا متصدرا في صفحة التاريخ العربي بوصفه وصمة عار غير مسبوقة في تاريخ المملكة العربية السعودية، بعد تقارير تترى من الصحف العبرية عن توغل إسرائيلي رقمي فاعل في المدينة الناشئة على حدود البحر الأحمر، فيما تزف تلك الصحف بشرى للإسرائيليين بأن “نيوم” قد تصبح الوجهة الأكثر استثمارا للإسرائيليين بعد تل أبيب.

فعلى مدار إصدارات الشهر الماضي، نشرت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك الجيروساليم بوست، تقارير متعددة عن لقاءات إسرائيلية سعودية، وصلت إلى حد زيارة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو نفسه إلى المدينة ولقاء ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان، بحضور رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، خلال زيارة سرية إلى السعودية.

ترامب يتوقع والسعودية تنفي نيتها التطبيع مع إسرائيل | عنب بلدي

الصحف الإسرائيلية أفرجت عن الواقعة، حيث نقلت عن وزير التعليم الإسرائيلي يوآف غالانت تأكيده أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التقى ابن سلمان، بحضور رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، خلال زيارة سرية إلى السعودية، وأكد إسحاق ليفانون السفير الإسرائيلي السابق، أن اللقاءات بين المسؤولين السعوديين والإسرائيليين مستمرة منذ زمن.

ليفانون أكد أن زيارة نتنياهو إلى السعودية كانت هي الأولى لمسؤول خارجي يضع قدمه في مدينة نيوم، قائلا إن هذه الزيارة ليست مستغربة بالنظر إلى العلاقات والاتصالات بين رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين وعدد من المسؤولين السعوديين.

أما صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية فنقلت عن مستشاريْن سعوديين قولهما إن لقاء نتنياهو ومحمد بن سلمان استغرق ساعتين، وجرى بحث التطبيع وإيران. فيما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية متعددة عن أن نتنياهو التقى محمد بن سلمان وبومبيو -الذي كان برفقة رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين- خلال زيارة سرية إلى السعودية، وأكدت الإذاعة الرسمية الإسرائيلية صحة لقاء نتنياهو وكوهين مع ولي العهد السعودي. 

وقالت مراسلة هيئة البث الرسمية الإسرائيلية إن الرقابة العسكرية سمحت ببث خبر زيارة نتنياهو وكوهين للسعودية. فيما أشار مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري إلى أن سماح الرقابة الإسرائيلية بنشر الخبر يؤكد صحته، كما أن الطائرة ذاتها استخدمها نتنياهو مرارا في مهمات سرية وعلنية، مضيفا أن الإذاعة الإسرائيلية نقلت الخبر عن مسؤول كبير في الحكومة لم تذكر اسمه، وعادة يكون مسرب الخبر هو نتنياهو نفسه.

وقال إن وسائل إعلام إسرائيلية نشرت تفاصيل ما جرى خلال الساعة الأخيرة، وإنه تكشّف أيضا أن توجه نتنياهو وكوهين إلى السعودية واجتماعهما مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان السبب الحقيقي وراء تأجيل الاجتماع الطارئ للجنة الطوارئ الوزارية الخاصة بكورونا، رغم الذرائع التي أُعلنت كسبب للتأجيل.

وأضاف أنه سبق هذا الاجتماع تصريح لنتنياهو خلال تأبين بن غوريون في الذكرى السنوية لوفاته، وقال فيه إن دولا عربية غيّرت مواقفها بشكل جذري، وهي الآن تدعم إقامة علاقات مع إسرائيل، وإن قطار التطبيع يواصل السير. وأشار إلى أن اجتماع نيوم يبدو أنه ليس الأول بين الاثنين (نتنياهو ومحمد بن سلمان)، سواء في السعودية أو خارجها.

أول زوار نيوم

موقع صحيفة يديعوت أحرونوت العبري كشف عن أن طائرة إسرائيلية -سبق أن استخدمها نتنياهو في مهمات خارجية في الماضي- أقلعت من مطار بن غوريون (شرق تل أبيب) إلى مطار مدينة نيوم الساحلية السعودية، حيث مكثت في المطار 5 ساعات، قبل أن تقلع عائدة إلى إسرائيل.

وحسب موقع الصحيفة، فإن الطائرة وصلت إلى هناك خلال اجتماع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مع ضيفه وزير الخارجية الأميركي الذي كان في طريق عودته إلى بلاده. وذكر الموقع أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان أغدق المديح على السعودية بعد إبرام اتفاقات سلام بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان، وقال إنها ستنضم إلى قطار التطبيع مع إسرائيل.

كما أفاد موقع “والا” الإخباري بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية زار السعودية سرا برفقة رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، واجتمع هناك مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وحسب الخبر الذي نقله الصحفي المتخصص في التحقيقات الصحفية باراك رافيد، فإن نتنياهو وكوهين أقلعا إلى السعودية بطائرة خاصة لرجل الأعمال أودي أنجل في الساعة الخامسة من الليل، حيث مكثت الطائرة 5 ساعات في المدينة الساحلية السعودية نيوم على البحر الأحمر.

كما نشر آفي شارف رئيس تحرير النسخة الإنجليزية لصحيفة هآرتس الإسرائيلية في صفحته على تويتر مسار رحلة طائرة إسرائيلية خاصة يقول إنها أقلعت من مطار تل أبيب بعد ظهر أمس وهبطت في مدينة نيوم السعودية على ساحل البحر الأحمر.

وقال شارف إن الطائرة -التي تعود ملكيتها لرجل أعمال إسرائيلي يدعى أودي أنجل- مكثت في نيوم 5 ساعات، قبل أن تعود إلى تل أبيب الليلة الماضية، مضيفا أن ذلك تزامن مع وجود وزير الخارجية الأميركي برفقة ولي العهد السعودي في المدينة، وذلك استنادا إلى تغريدة نشرها بومبيو عن جولة قام بها مع محمد بن سلمان في نيوم.

تعاون غير مسبوق

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نقلت عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن “هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه من خلال توسيع التعاون”. وقال مكتب رئيس الوزراء إنه “لا يؤكد التقرير ، لكننا مهتمون دائمًا بتطوير العلاقات مع شركائنا في الشرق الأوسط”. وجاءت التقارير في وقت تزايدت فيه الاتصالات بين إسرائيل والدول العربية ، بمستويات متفاوتة من المخاوف بشأن إيران. 

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فقد تحدث نتنياهو مع ولي عهد البحرين ، والتقى وزير الدفاع بيني غانتس بالعاهل الأردني الملك عبد الله، والتقى غابي أشكنازي مع نظيريه الأردني والإماراتي. كما تحدث أشكنازي مع وزير خارجية عمان – وهي دولة أخرى لا تقيم معها إسرائيل علاقات دبلوماسية رسمية ، على الرغم من أن مسقط كانت منفتحة بشأن اتصالاتها مع القدس. وصل أول سفير لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى إسرائيل هذا الأسبوع ، وقد لقي ترحيبا حارا بشكل خاص.

وقال مصدر مطلع في أبو ظبي إن الإمارات والبحرين وإسرائيل مستعدة للمضي قدما. لكن المصدر قال إن الإشارات السعودية أقل وضوحا. “القنوات مفتوحة” بين القدس والرياض، لكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – المعروف باسم يعمل بسرية شديدة دون أي تفاصيل.

كانت هذه السرية واضحة في نوفمبر، عندما التقى نتنياهو ومحمد بن سلمان في مدينة نيوم السعودية عالية التقنية، على شواطئ البحر الأحمر. ولم تنشر إسرائيل أي نوع من المعلومات الرسمية. هذا الأسبوع ، كان هناك مؤشران مثيران للاهتمام على أن المملكة العربية السعودية مستعدة لاتخاذ بعض الخطوات نحو الاعتراف بإسرائيل.

وبعد أيام، أعطى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، مؤشرًا أقوى على مكان هبوب الرياح في الرياض. حيث قال: “نسعى لإنجاز الكثير مع السعوديين لإنهاء الحرب في اليمن وتخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن ، واستخدام قيادتنا لإقامة علاقات عبر الانقسامات الأكثر مرارة في المنطقة ، سواء كان ذلك إيجاد مخرج من حافة الحرب مع إيران في حوار إقليمي هادف أو إقامة سلام تاريخي مع إسرائيل “.

وقال برايس في مؤتمر صحفي. :”ستحدد الإجراءات السعودية مقدار ما يمكننا تحقيقه من هذه الأجندة الإيجابية المشتركة الطموحة.” بعبارة أخرى، “إقامة سلام تاريخي مع إسرائيل” هو جزء من “أجندة إيجابية مشتركة طموحة” بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

وفي الواقع، قال مسؤولون سابقون في إدارة ترامب منذ فترة طويلة إن الرياض قريبة جدًا من مستوى معين من الاعتراف بإسرائيل – ربما ليس بالدفء أو التام مثل العلاقات مع الإمارات والبحرين، ولكن هناك شيء “ممكن” – وربما حدث بالفعل لو كان قد أعيد انتخاب ترامب. ويريد السعوديون فهم وجهات نظر الإدارة الأمريكية الجديدة قبل اتخاذ خطوة كبيرة.

و مع اقتراب المملكة العربية السعودية من الاعتراف بإسرائيل على مستوى ما ، فإن الرسائل القادمة من واشنطن قد تكون مثبطة للرياض. وقال برايس إن هذه القائمة الكاملة للأشياء التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها مع المملكة العربية السعودية ممكنة فقط “في شراكة مع المملكة العربية السعودية  التي “تحترم” القيم الأمريكية”.

وكان السفير السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي أبدى في تصريحات استعداد الرياض لتطبيع العلاقات مع تل أبيب إذا اعترفت إسرائيل بتأسيس الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. وأضاف “قلنا دائما إننا مستعدون لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بمجرد قبولها تأسيس الدولة الفلسطينية، وإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية، ومنح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، بمجرد حدوث ذلك، ليس فقط المملكة السعودية وإنما كل الدول العربية والإسلامية ستكون مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وعقد اتفاقات سلام معها، ونعتقد أن هذا هو الطريق الذي ينبغي اتباعه، ونحن ملتزمون به”.

اقرأ أيضًا: مقتل خاشقجي: لماذا لم يعاقب البيت الأبيض محمد بن سلمان؟