العدسة – منصور عطية

يبدو أن الديوان الملكي في السعودية، أصبح بعد سيطرة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عليه ساحة للصراع، تتنافس خلاله أجنحة متعددة بهدف واحد هو الحصول على أكبر قدر من الأموال والنفوذ عن طريق التقرب منه.

تلك الصورة رسمها المغرد السعودي الشهير “العهد الجديد”، الذي يوصف بقربه من دوائر صنع القرار في المملكة، حيث وصف في مجموعة تغريدات عبر حسابه على تويتر، الديوان الملكي في السعودية بأنه “أفسد مؤسسات الدولة”.

3 أجنحة متصارعة

“العهد الجديد” قال إن الفوضى زادت في الديوان الملكي، وطفت على سطحه “صراعات الأجنحة ومحاولات التطفيش للاستئثار على النفوذ والمال”.

وأرجع هذا الصراع إلى 3 أسباب رئيسية أولها يتعلق بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي وصفه بأنه “لاهٍ في البلوت” (إحدى طرق اللعب بالأوراق الشهيرة بالخليج)، وأنه “لا يغادره إلا للضرورة ولا يهمه ما يجري حوله”.

السبب الثاني خاص بولي العهد، حيث قال المغرد إن “بن سلمان” يبالغ في تحسبه الأمني وخوفه على نفسه، أما السبب الثالث فيوجزه “العهد الجديد” بقوله: “لأن السرقات والمغانم سهلة المنال لمن يعمل في الديوان”.

وقسّم المغرد الشهير الصراع النامي في الديوان الملكي إلى 3 أجنحة أو “خطوط”:

الخط الأول، يتمثل في كل من: “تركي آل الشيخ”، المستشار في الديوان الملكي، ورئيس الهيئة العامة للشباب والرياضة، و”سعود القحطاني”، المستشار بالديوان، والمشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية فيه.

الخط الثاني (التغريبي)، بحسب المغرد، يمثله فريق يضم كلا من: “عبدالرحمن الراشد”، الكاتب الصحفي الشهير والمدير العام السابق لشبكة العربية ورئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط الدولية الأسبق، و”تركي الدخيل”، مدير قناة العربية وأحد المقربين من “بن سلمان”، و”تركي الحمد”، الإعلامي الليبرالي، والمعين قبل أيام مستشارا بالديوان الملكي.

أما الخط الثالث، فيمثله “بدر العساكر”، مدير المكتب الخاص لولي العهد للشؤون الخاصة، والذي يصفه “العهد الجديد” بـ”المتعقل والأقرب لوصف “رجل الدولة” إلى حد ما”.

تفاصيل الصراع

وعن تفاصيل الصراع بين تلك الخطوط الثلاثة، يقول المغرد: “رغم القرب الذي يتمتع به العساكر من ابن سلمان، إلا أن سعود وتركي يخططان لإبعاده من الديوان، فسعود لا يروق له تصرف “بدر” المتلطف مع المثقفين والنخب، وقوة علاقاته مع شركات البي أر، ومما يزيده حقداً عليه، انتقاد “بدر” المتكرر، واستهزاؤه بالتصرفات، والدور الصبياني الذي يقومان به”.

وأضاف: “أما المجموعة المسؤولة عن التغريب والترفيه والفساد (الراشد والدخيل والحمد) فهم متفقون على كثير من الملفات، لكن صراعهم مع سعود وتركي (القحطاني وآل الشيخ) هو من الذي يسيطر أكثر، ومن الذي ينهب ويسرق أكثر، ومن الذي يستطيع الحصول على نفوذ وصلاحيات أكثر”.

وتابع “العهد الجديد” في تغريداته: “في الديوان خطوط أخرى يتفاوت قربها من ابن سلمان ونفوذها، أما الخط الأهم والأقرب إليه والذي جعله لا يأتمر إلا بأمره، وارتباطه مباشرة به هو خط الأميرين فيصل بن خالد بن سلطان وتركي بن محمد بن فهد”.

العائلة المالكة أصل الفساد

وبينما شن “بن سلمان” حملة شرسة استهدفت في المقام الأول تمهيد الطريق لاعتلائه عرش البلاد والاستيلاء على المليارات، كان هدفها المعلن هو الحرب على الفساد، الذي ضم بجانب رجال الأعمال والمسؤولين أمراء من العائلة المالكة.

الكاتب الصحفي الشهير “جمال خاشقجي”، قال إن الأسرة المالكة في السعودية (آل سعود) هي “أصل الفساد”، مشيرا إلى أن الفساد في العقود التجارية التي تدخلت بها الأسرة الحاكمة وصل إلى مليارات عديدة.

وذكّر بتصريح  سابق لولي العهد قال فيه إن أكثر من 100 مليار دولار كانت تهدر كل عام ما بين 2010 – 2014، وعلق الكاتب: “أي أنه وخلال عقدين تم إهدار أكثر من تريليون دولار، وهذا يعادل 30 % من ميزانية السعودية”.

وفي تصريحات صحفية أضاف “خاشقجي”: “هذه أموالنا، تذهب إلى شراء قصور فاخرة في باريس، ولوس أنجلوس وغيرها”، في إشارة إلى البذخ ومظاهر الترف والتبذير التي تتكشف بين الحين والآخر بحق أمراء من الأسرة.

المملكة تراجعت إلى الوراء في مؤشر مدركات الفساد لعام 2016 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، حيث احتلت المرتبة 62 من بين 176 دولة شملها التقرير، وجاءت في المرتبة الرابعة عربيا.

صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية نشرت في نوفمبر الماضي، تقريرا خلص إلى أن الفساد نمط حياة بالنسبة للعائلة المالكة في السعودية، وذلك في معرض تحليل الحملة التي يقودها ولي العهد تحت شعار مكافحة الفساد.

وقال التقرير: إن “الحياة المترفة التي يعيشها أفراد العائلة المالكة السعودية أصبحت حديث الناس في أنحاء العالم كله، من اليخوت والطائرات الخاصة إلى البضائع المصممة والشركات الكبيرة التي تشترى وكأنها لعب أطفال، إلى الشقق الفاخرة في لندن وباريس، واستئجار أجنحة كاملة في فنادق حصرية”.

ونقلت عن المعارض السعودي “علي الدوبيسي”، الذي يعيش في منفاه الاختياري في ألمانيا، ويقود المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان، تسمية حملة ولي العهد بالـ”كوميديا سوداء”، وقال: “إن هذا التحرك هو مسألة تنظيم للفساد أكثر (من أي شيء آخر).. ليكون في يد محمد بن سلمان وزمرته”.

وأشارت الصحيفة إلى أن “هناك قصصا كثيرة حول مشاريع بنى تحتية طموحة تبخرت، لكن تكلفتها كانت عظيمة، وزادتها الرشاوى للمسؤولين، وتأخر إنجازها، أو لم يتم إنجاز أي جزء يذكر منها؛ بسبب المخالفات الكبيرة الوقحة”.

قصر ولوحة ويخت!

وقبل انتهاء عام 2017 بأيام، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن شراء ولي العهد السعودي قصر لويس الرابع عشر في مدينة فرساي الفرنسية، والذي يوصف بأنه الأفخم في العالم بقيمة تجاوزت 300 مليون دولار في عام 2015.

وقبلها بأيام كشفت بعض الصحف الأمريكية شراء ولي العهد، لوحة ليوناردو دافنشي “سالفاتور موندي” (مخلِّص العالم – المسيح) بقيمة 450 مليون دولار عن طريق وسيط قام بعملية الشراء، هو الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود.

وقبل عامين تقريبًا نشرت “نيويورك تايمز” تقريرًا عن شراء “بن سلمان” يختًا فخما طوله 440 قدما، وبلغت قيمته نحو 550 مليون دولار.

1.3 مليار دولار، هي إذن قيمة الصفقات الثلاث المثيرة للجدل (قصر ولوحة ويخت)، الأمر  الذي يضع المتابع في حالة من الحيرة يزيدها التناقض الواضح في مسلك ولي العهد، فهو يقدم على إنفاق تلك المبالغ الضخمة، بينما يشن حملة يدعي فيها أنه يحارب الفساد.

غير ذلك، فإن الوضع الاقتصادي للمملكة تدهور إلى حد كبير، حيث ارتفع حجم الدين العام إلى 341 مليار ريال (90.9 مليار دولار) بنهاية يونيو الماضي، بزيادة قدرها 8% عن مستواه بنهاية عام 2016، حيث بلغ 316 مليار ريال (84.3 مليار دولار)، كما بلغ العجز في الميزانية العامة للدولة في النصف الأول من العام الحالي 72.7 مليار ريال (19.4 مليار دولار)، بحسب وزارة المالية.