العدسة: محمد العربي

هو حديث الصور أكثر منه حديث السياسية .. هكذا يمكن قراءة نتائج مشاركة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمة العشرين التي تعقد بالأرجنتين منذ نهاية الأسبوع الماضي، وسط عاصفة حقوقية دولية من الانتقادات لقادة الدول المشاركة لقبولهم بمشاركة ولي العهد المتورط في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

ورغم أن معظم التقارير التي تناولت تعاطي قادة العالم مع ولي العهد السعودي أكدت أن تجاهله كان هو الغالب، إلا أن المسئولين السعوديين وإعلامهم، كان لهم رأي آخر فيما قرأه المتابعون للصور المنشورة والتعليقات التي خرجت من مسئولي فرنسا وانجلترا حول مشاركة “أبو منشار”.

وبعيدا عن القراءات المختلفة للصور والاحداث فإن الجميع اتفق تقريبا على أن رد فعل الرئيس الأمريكي لم يكن متوقعا، حيث ظهر ترامب في حيرة من أمره، هل يرحب بشريكه الذي يحاول الإبقاء عليه بشتي الطرق، أم يتجاهله حتى يهدأ من ردود الأفعال الأمريكية، الإعلامية والسياسية التي تتهم ترامب بأنه أهان الولايات المتحدة عندما حاول إنقاذ شريكه بحجة الأمن القومي الأمريكي.

السؤال إذن كما يري المتابعون هو: هل حقق ابن سلمان مبتغاه من القمة بتحسين صورته وتبرئة نفسه من تهمة قتل خاشقجي، أم أن أنه أخطأ بعدما شعر بالإهانة وردود الأفعال الغاضبة التي صاحبته منذ إقلعت طائرته من الرياض قبل اسبوع.

ردود أوروبية

تشير التقارير الفرنسية التي تناولت أعمال القمة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان الأكثر حدة مع ابن سلمان، وما يؤكد ذلك هو حرص الإليزيه في التعليق على اللقاء العابر الذي جميع بين ماكرون وابن سلمان، وشرح تعبيرات ماكرون بأنها كانت غاضبة وحادة، خاصة بعد انتشار تفسيرات سعودية متعددة بأن ماكرون أعلن تفهمه لموقف ابن سلمان.

ونقلت رويترز عن مسؤول بالإليزيه بأن الرئيس الفرنسي أبلغ ولي العهد رسالة حازمة بشأن مقتل خاشقجي، والحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وأبلغ ماكرون ابن سلمان بأن الأوروبيين سيصرون على اشتراك خبراء دوليين في التحقيقات الخاصة بمقتل خاشقجي.

وأضاف المسؤول أنه خلال محادثة استمرت خمس دقائق على هامش قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين نقل ماكرون رسائل ”حازمة جدا“ لولي عهد السعودية فيما يتعلق بمقتل خاشقجي وضرورة إيجاد حل سياسي للوضع باليمن.

وطبقا للمتابعين فإن أهم ما جاء في تصريحات المسؤول بالإليزيه، هو تبرير اللقاء العابر مع ابن سلمان، بأن له ما يبرره، وهو أن الدول الأوروبية تريد إرسال رسالة موحدة بشأن ضرورة نزاهة التحقيق ولم يكن ممكنا إهدار الفرصة للتأكيد على هذه الرسالة خلال قمة العشرين.

ونقلت رويترز عن المسؤول الفرنسي قوله ”لسنا هناك كي نلهو طيلة 48 ساعة. هذا أمر ليس له أي معنى… إذا كنا هنا وهو موجود على نفس الطاولة دعونا نكن صرحاء غير متساهلين. سنقول كل ما يتعين علينا قوله“.

وفي نفس الإطار أعلن مكتب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أنها طالبت ابن سلمان بمحاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي وقالت إنه يجب اتخاذ إجراءات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.

وعلق مكتب ماي في بيان له حول اجتماعها مع ابن سلمان نشرته رويترز بأن “رئيسة الوزراء شددت على أهمية ضمان محاسبة المسؤولين عن واقعة مقتل جمال خاشقجي المروعة واتخاذ السعودية إجراءات لبناء الثقة وضمان عدم تكرار مثل هذا الحادث المؤسف أبدا“.

وفيما يتعلق بالحرب في اليمن أكد البيان الرسمي لمكتب ماي، بأن رئيسة الوزراء أوضحت الحاجة الملحة لإنهاء الحرب وإغاثة الملايين الذين تهددهم المجاعة، وأنها أكدت على أهمية الدعم السعودي لمارتن جريفث مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن لإحراز تقدم في محادثات ستوكهولم المقبلة.

ويشير المتابعون إلى أن البيان الصادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطانية، جاء ليؤكد تعهدتها السابقة بأن تكون قوية عندما تتحدث مع ولي العهد، وأن التحقيق في قضية خاشقجي يجب أن يكون كاملا وموثوقا به.

صدمة أمريكية

ويري المراقبون أن أهم خسارة حققها ابن سلمان من مشاركته في قمة العشرين كانت من قبل حليفه ترامب، الذي ألغي لقاءه مع ولي العهد واكتفي بتحية عابرة، وصفتها قناة العربية القريبة من النظام السعودي بأنها جاءت في إطار  “المجاملات كما فعل ترامب مع قادةٍ آخرين”.

ويربط أصحاب هذا الرأي موقف ترامب الفاتر مع ابن سلمان بصدور تقرير المخابرات الأمريكية حول تقيمها لمقتل خاشقجي والذي رصد فيه 11 محادثة بين ابن سلمان وذراعه الأيمن سعود القحطاني، كلها متعلقة بترتيبات مقتل خاشقجي.

وطبقا لما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة صباح السبت، فإن تقرير المخابرات الأمريكية انتهي إلى أنه أصبح لدي  CIA”ثقة عاليّة” بأنّ ولي العهد السعودي، هو من أصدر أمر اغتيال خاشقجي، استنادًا إلى اعتراضها لـ 11 محادثة بين بن سلمان، ومستشاره المعزول، سعود القحطاني.

ونقلت الصحفية عن مسؤول في الـ”سي آي إيه” قوله “لنكن واضحين، نحن نفتقد إلى أيّة إثبات مباشر يقول إن بن سلمان هو من أصدر أمر القتل”، إلا أن للاستخبارات الأميركيّة “ثقة ما بين متوسّطة حتى عالية أن بن سلمان هو من أصدر الأمر”.

ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أمريكيّ بأن الإدارة الأمريكيّة حصلت على معلومات تفيد بأنه في عهد القحطاني شارك موظفو مركز الدراسات والشؤون الإعلامية لمدّة عامين بدءًا من 2015 في اختطاف، واحتجاز واستجواب سعوديين تعتبرهم العائلة المالكة تهديدًا لها، كما كشفت الصحيفة أيضا، أنّ ابن سلمان قال لمقربيه في أغسطس 2017 إنه في حال “لم تنجح جهود إعادة خاشقجي إلى السعوديّة، فإنه بإمكاننا إغراؤه إلى مكان ما خارج السعوديّة وإجراء الترتيبات اللازمة”.

وخلص تقييم وكالة الاستخبارات الأميركية، وفقًا للصحيفة، إلى أن بن سلمان أمر القحطاني ومركزه، في العام 2015، باستهداف معارضيه في الداخل والخارج وفي بعض الأحيان باستخدام العنف، علمًا بأنّ 5 من أعضاء المركز تورطوا في جريمة اغتيال خاشقجي، وشاركوا في انتهاكات فندق الـ”ريتز كارلتون” ضد معتقلين سياسيين بارزين، منهم رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، والأميران متعب بن عبد الله والوليد بن طلال.

ويشير المراقبون إلى أن ما يدعم تغير موقف الرئيس الأمريكي تجاه ولي العهد، هو اللقاء الذي جري مساء الجمعة على هامش القمة بين وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي، وهو اللقاء الذي ربما يحمل الكثير من الرسائل الصادمة لولي العهد من الإدارة الأمريكية نتيجة تقرير CIA الأخير.

وطبقا لبيان وزارة الخارجية الأمريكية فإن الوزيرين ناقشا خلال اللقاء، عددا من القضايا الإقليمية والثنائية، بما في ذلك المفاوضات المقبلة، للنزاع في اليمن، فضلا عن أهمية إحراز تقدم في التحقيق بمقتل جمال خاشقجي .

انتصار حقوقي

ويشير المراقبون أن ما يؤكد خسائر ابن سلمان في قمة العشرين هو ما نشرته منظمة هيومين راتيس وواتش تحت عنوان “هل يختبئ ولي العهد السعودي في السفارة؟”، حيث أشارت المنظمة أن القمة الأخيرة كان من المفترض أن تساعد بن سلمان في إعادة بناء سمعته المحطمة بعد مقتل خاشقجي. لكن السلطات القضائية الأرجنتينية أحبطت هذا الجهد باتخاذها خطوات نحو التحقيق في صلة ولي العهد بجرائم الحرب المزعومة التي ارتكبها التحالف بقيادة السعودية في اليمن والتعذيب من قبل المسؤولين السعوديين.

ويشير تقرير المنظمة أن ولي العهد، يبدوا أنه يفهم ذلك جيدا، حيث كان من المقرر أن يقيم مع وفده المكون من 400 عضو في فندق “فور سيزونز”، أحد أفخم الفنادق في بوينس آيرس. ولكنه بدلا من ذلك، انتقل إلى السفارة السعودية، التي تحولت إلى حصن محُاط بمتاريس معدنية، وأُضيفت نوافذ واقية من الرصاص هذا الأسبوع، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الأرجنتينية. كما يُقال إنه كان يخطط لزيارة المدينة يوم الخميس، ولكنه لم يغادر السفارة طوال اليوم.

حصار تركي

وطبقا للمتابعين فإن التعامل التركي مع ولي العهد لم يقتصر فقط على الاحتقار والتهميش، وإنما بمفاجأته بقرار محكمة الجنايات بإسطنبول بإلقاء القبض على المتهمين في مقتل خاشقجي، بتهمة القتل المتعمد وبشكل وحشي، بناءا على طلب من النيابة العامة التركية.

وطبقا لتقارير تناولت الموضوع فإن القرار الذي صدر الجمعة يتضمن إلقاء القبض على فريق الاغتيال السعودي المكون من 15 شخصا “أينما وجدوا”، ليتم التحقيق معهم في النيابة العامة بإسطنبول، وذلك بتهمة القتل المتعمد، بحسب أحكام قانون الجزاء التركي.